أبواب المبدعين

فتاة صغيرة بالعمر، كبيرة بالطموح، تنتج في منزلها، وبمساندة أهلها، حلوة طيبة المذاق، بل تكاد تكون أطيب حلوة أكلتها في حياتي، لمست فيها عزم الشباب وتدبير الكبار، وقدرة استثنائية على إدارة المشروعات والخلق والابتكار، ورأيت فيها مستقبلا يزدهر بالأعمال التي تولد فرص العمل وتنمي اقتصادنا الوطني.

هذه الفتاة كانت من ضمن مشروعات عُرِضَت علينا كلجنة تحكيم في برنامج “بيبان” التابع لصندوق الأمل، وقدمت لنا من خلال مشروعها، إلى جوار المشروعات الريادية الأخرى المشاركة في البرنامج، برهانا آخر على ريادة سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة ممثل جلالة الملك المعظم للأعمال الإنسانية وشؤون الشباب في مجال تمكين الشباب البحريني وتوفير أطر مناسبة لاكتشاف مواهبهم وطاقاتهم وتدريبهم وتأهيلهم ورفع ساهمتهم في نهضة وطنهم.

ولا أكشف سرا إذا قلت إنني دخلت كمستثمر في مشروع هذه الفتاة رائدة الأعمال لعدة أسباب، من بينها إيماني بمستقبلها، ودعما لها وللشباب أمثالها، ثم لأن مشاريع الطعام تأتي في إطار اهتماماتي، فأنا مستثمر في قطاع الضيافة منذ زمن بعيد، ولدي عدة مطاعم بمطابخ إقليمية ودولية، كما لدي امتياز ماكدونالدز في لبنان، وأعرف تماما كيف يمكن لهذه المشاريع أن تنمو وتتوسع وتصل للعالمية، وهذا ما رأيته في مشروع هذا الفتاة، وهذا ما عاهدت نفسي على فعله لمساعدتها في مشروعها.

كان لي شرف المشاركة في برنامج بينان وتلبية دعوة الأخ أيمن المؤيد ابن الصديق الغالي توفيق المؤيد، وذلك انطلاقا من عدة دوافع، من بينها أنني أعرف أيمن منذ صغره، ورأيت فيه دائما مثالا للعزيمة والطموح والتميز والقيادة والابداع، وقد رأيته شابا قادرا على النهوض بمختلف المسؤوليات التي أوكلت إليه بكل كفاءة واقتدار، بما في ذلك “صندوق الأمل”.

في الواقع لم يكن الطريق في الصباح الباكر إلى العرين للمشاركة في برنامج “بيبان” ممتعا، خاصة مع زحمة السير الخانقة في هذا الوقت من النهار، لكن بمجرد الوصول ودخول استيديو البرنامج تبدل المزاج، بل أصبح عال العال، وكأني أصبت بعدوة حماسة وحيوية الشباب السائدة في مكان.

لقد أبهرت بمستوى التنظيم الذي أضفى على فكرة البرنامج مزيدا من الألق والابداع، كما أعجبت بمستوى الشباب رواد الأعمال المشاركين، وقدرتهم على فهم احتياجات السوق وتلبيتها، ومشروعاتهم التي تقدموا بها، والتي كانت متنوعة، في الصناعة والغذاء وتقنية المعلومات وغيرها، ولكن جميعها كانت مبتكرة وقابلة للنمو، وجذب اهتمام المستثمرين.

يمكنني الحكم على نجاح برنامج “بيبان” بقوة، لأني لست بعيدا عن أجواء مثل هذه البرامج، بما في ذلك برامج أقيمت في لبنان بحضور مستثمرين عرب، وكنت اتابع باهتمام برنامج ذا أبرينتايس The Apprentice الذي كان يقدمه دونالد ترمب قبل أن يصبح رئيسا للولايات المتحدة.

ولا أخفي سرا إذا قلت إني رأيت في هؤلاء الشباب المشاركين في بيبان شبابي، عندما كنت يافعا أتلمس طريق النجاح، وأطلق المشروع تلو الآخر، وأدخل في شراكة تلو الأخرى، أكسب هنا وأخسر هناك، لكن النجاح يحالفني في الحالتين، لأني حتى عندما أخسر مالا، أكسب علما وخبرة وتجربة، وهذا هو الرصيد الحقيقي لأي رائد أعمال مغامر خاصة في بداية حياته المهنية والعملية.

فأن تولد في أسرة غنية أو ترث مشروع والدك أو جدك، هو شيء جيد بلا شك، ولكنه لا يضيف إلى شخصيتك شيئا على الأغلب، تماما كالموظف الذي يتم توظيفه ليؤدي مهام محددة، يدخل في الصباح إلى مكتبه، ينجز تلك المهام، ثم يغادر في المساء، ويمكن الاستعاضة عنه بسهولة، وفي بعض الأحيان تكاد لا تلحظ وجوده في الشركة من عدمه.

وحده رائد الأعمال هو صاحب المجد، هو من يبني شيئا من الصفر، لديه رؤية خارج الصندوق، لا يريد أن يسير في الطريق التقليدي الذي يسير فيه الباقون، تساوره أحلام تؤرقه في الليل، وينتظر طلوع الشمس بفارغ الصبر لتحقيق تلك الأحلام، يجتهد ويجتهد ويفشل، لكن لا ينكسر، وفي لحظة فارقة من حياته، ربما تكون في العشرين أو في الستين، تحدث المعجزة، يتحقق الحلم، صدقوني، هذا ما يحصل.

ومن تجربة شخصية، يمكنني أن أقول إن الجمال والمتعة ليس في الوصول إلى الغاية فقط، ليس في انجاز المشروع الحلم ذاته، بل أيضا في الطريق نحوه، فرصيدنا الشخصي ليس حسابنا البنكي بقدر ما هو مجمل خبراتنا وتجاربنا في هذه الحياة، فحتى التجارب الفاشلة الآن تتحول لذكرى جميلة لاحقا، تتحول لشيء يمكن تدوينه في كتاب في يوم من الأيام.

هذا ما أردت قوله للشباب المبتكر الطموح المغامر المشارك في “بيبان”، فالمهم أن ننفض عنا غبار الكسل واليأس، وأن نتحرر من كل الأثقال والقيود التي نعتقد أنها ستعيق طريقنا، فالله سبحانه وتعالى يقول لنا “اسعوا في مناكبها”، والقول المأثور أيضا “من استوى أمسه بيومه فباطن الأرض خير له من ظاهرها”، والمعنى هنا أنني أذا لم أتمكن من إضافة شيء جديد كل يوم فلست جديرا بهذه الحياة، والأهم أن يحيط كل منا نفسه بالإيجابين والمتفائلين، وألا تستمع أبدا للفاشلين واليائسين وأعداء النجاح.

سمعت قصة عن مجموعة من الحيوانات قررت خوض سباق، وكان بينهم ضفدع يبذل جهودا كبيرة، يجري ويهرول رغم أنه كان يلقى هتافات الاستهزاء من الآخرين ومن المتسابقين أنفسهم على طول طريق السباق، لكنه وصل أخيرا إلى خط النهاية محققا ما يشبه المعجزة، وعندما سأله أحدهم عن كيفية تحقيقه لهذا الإنجاز الخارق، اكتشف الجميع أن هذا الضفدع كان أصما، لا يسمع.

الإعلان
بواسطة akmiknas

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s