إذا جارك بخير أنت بخير

يقول المثل الشائع «إذا جارك بخير أنت بخير»، فما بالك إذا كان جارك هو أخوك الأكبر وسندك وعضيدك؟ عن المملكة العربية السعودية، بلاد الحرمين الشريفين وأرض الخير والعروبة والإسلام، أتحدث.

في الواقع ربما يكون وجه السعودية قد تغير خلال الأعوام الثمانية الماضية كما لم يتغير على مدى ثمانين عاما، ليس على مستوى التطور الاقتصادي والعمراني فقط، بل الأكثر من ذلك على مستوى التطور الثقافي والاجتماعي وتفعيل الطاقات البشرية ودمجها في رؤية 2030.

هذا التطور يحمل في طياته الخير ليس للسعودية فقط، بل للمنطقة بأسرها، والحديث يطول عن مساهمات المملكة خلال العقود الماضية في تقديم الدعم المالي لكثير من الدول حول العالم، بالأخص الدول العربية، كما أنها تحتضن الملايين من العمال من شتى أنحاء العالم، والتحويلات المالية التي يقومون بها تنعش اقتصاديات دولهم.

ربما لم تعد السعودية تغدق الأموال كما كانت من قبل، وأحد المسؤولين السعوديين كان صريحا عندما قال إنه من غير المعقول فرض ضرائب على السعوديين وجباية الأموال منهم ثم تقديم جزء منها على شكل تبرعات وهبات للشعوب الأخرى. لكن هذا الأمر في اعتقادي لا يعني أن الخير السعودي لم يعد موجدا، فللخير أوجه عديدة لا تقتصر على منح المال، بل ربما يكون منح المال هو أقلها قيمة.

الخير القادم من السعودية هو طرق أبواب تعزيز الشراكة معها في حركة تطورها، خاصة في الجوانب الاقتصادية والتقنية والسياحية والصناعية، بما يضمن استقرار واستدامة العوائد والفوائد. الخير ألا ينتظر المرء أن تعطيه السعودية سمكة، بل أن يتعلم منها كيف يصطاد.

أكتب كل ذلك وفي ذهني المساعي السعودية الدؤوبة لاستضافة معرض «إكسبو 2030»، والملف الثري جدا الذي قدمته المملكة للفوز بهذه الاستضافة، وعندما رأيت الاهتمام الشديد لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس الوزراء بمعرض إكسبو 2030، سررت أيضا للبحرين، فنحن جزء من خليجنا العربي الناجح ونجاحات أي بلد حولنا يجب أن تعني لنا الكثير، ونحن في البحرين نطلع دائما إلى أشقائنا بفخر واعتزاز وندعو لهم بدوام النجاح.

ومن المعروف أن «إكسبو» من أهم الأحداث العالمية الكبرى، فهو ثالث أكبر حدث في العالم بعد الأولمبياد وكأس العالم، وذلك لدوره المهم في التأثير الثقافي والاقتصادي. فهو مهرجان للابتكار البشري ووجهة عالمية للملايين الراغبين في الحصول على تجربة فريدة في تطوير الإبداع البشري، ويربط دول العالم من خلال منصة واحدة تعرض فيها الدول أحدث ابتكاراتها واختراعاتها، ويتم فيه تبادل الأفكار والرؤى والحلول الجديدة لأكثر مشاكل العالم إلحاحا، ومنذ نشأته، قدم إكسبو للبشرية الكثير من الاختراعات العظيمة على رأسها الكمبيوتر، والتلفزيون والمعدات التكنلوجية، فضلا عن تدويل بعض المكونات الثقافية مثل بعض أصناف الطعام والمنتجات الزراعية التي لم تكن مألوفة محليا.

وتحقق الدول التي تنجح في استضافة إكسبو العديد من المزايا التي لا تقتصر فقط على المزايا الملموسة، مثل النمو الاقتصادي المباشر وتحديث وتطوير هياكلها الأساسية والبنية التحتية، بل هناك عوائد إضافية تتمثل في بناء علاقات دولية أقوى بين البلدان المعنية وتوطيد العلاقات الثقافية والدبلوماسية وتشجيع تبادل المعرفة في المجالات كافة من التعليم إلى التجارة.

وهناك العديد من الأمثلة التي تؤكد الفرق الذي أحدثه إكسبو في اقتصاد الدولة المضيفة، ففي مدينة مونتريال في كندا، ساهم معرض إكسبو 1967 في تحقيق معدل نمو مرتفع للمدينة عقب الحدث مباشرة نتيجة تحسين البنية التحتية الرئيسية وربط المدينة بشبكة طرق حديثة. وكذلك الحال بالنسبة لمعرض إكسبو شنغهاي عام 2010 الذي أتاح الفرصة للصين لتبرز مدينتها عالميا وتعزز علاقاتها الدولية من خلال الترويج لنفسها كدولة متطورة تكنولوجيا تتطلع إلى الأمام وتنافس عالميا.

السعودية تتنافس مع كل من كوريا الجنوبية وإيطاليا على استضافة إكسبو 2023، وسيتم التصويت النهائي لاختيار المدينة المستضيفة لمعرض إكسبو الدولي 2030 من خلال اقتراع سري مقرر في نوفمبر المقبل من العام الجاري 2023، وهذا يعني أننا قريبون جدا من بدء أعمال هذا الحدث الاقتصادي الكبير.

وفي الواقع يبدو نجاح السعودية في استضافة هذا الحدث العالمي قاب قوسين أو أدنى، وعلينا في البحرين منذ الآن تحضير أنفسنا لنكون داعمين للنجاح السعودي المنشود في هذه الاستضافة، وأن نفيد ونستفيد من «اكسبو السعودية 2023» اقتصاديا وسياحيا وتقنيا، بل حتى على صعيد أداء البورصة وجذب الاستثمارات.

لا شك أن النجاح الإماراتي في استضافة إكسبو 2020 والذي كان الأول في المنطقة جعل الطريق ممهدا أكثر أمام السعودية لاستضافة هذا الحدث، وفي الواقع كنت شاهد عيان على نجاح أكسبو دبي، زرته أكثر من مرة، بل إن شركاتي في الإمارات قدمت الكثير من الأعمال لهذا الحدث، وأعرف تماما الفوائد الكبيرة التي يحققها، حيث إن معرض «إكسبو» هو حدث مؤقت يحقق مكتسبات دائمة، فعادة ما تقيم الأحداث المهمة بما يترتب عليها من مكتسبات على المدى الطويل فالدولة المضيفة في الغالب ما تنظر إلى الفوائد التي يمكن أن يجلبها الحدث وتستمر بعد انتهائه.

نحن في الخليج العربي نكمل بعضنا البعض، نفيد ونستفيد، وأرجو ألا نغفل عن هذا الموضوع، وألا نقول إن التشاركية الكاملة مع السعودية صعبة أو مع الكويت صعبة، فإن جمال الحياة في صعوباتها والقدرة على تجاوز تحدياتها، ولقد كرس فيها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس الوزراء مبدأ «حسب التحدي وعشق الإنجاز».

سموه حفظه الله ترأس الأسبوع الماضي مجلس التنمية الاقتصادية، وأرقام الأداء التي جرى الإعلان عنها عقب الاجتماع تبعث على الارتياح، ولا ننسى مبادرات نوعية من قبيل «الرخصة الذهبية» التي حصلت عليها مؤخرا خمسة مشروعات كبرى، وإن هذا التقدم يؤكد أننا على الطريق الصحيح، وعلى مستوى من الكفاءة والجدارة يؤهلنا لتوسعة الشراكة والتكامل الاقتصادي مع كثير من الدول، في مقدمتها المملكة العربية السعودية.

إن القفزات التي تحققها السعودية رائعة، وأنا أعلم أن البحرين وكثيرا من البحرينيين هم جزء من التوسعة والنشاط الجاري بجميع المناطق في السعودية، ويجب علينا أن نبحث ونفتش ونكون دائما على اطلاع بما يجري حولنا لنغتنم الفرص، أن نكون صيادين ماهرين، نجوب الآفاق كلها خلف كل الفرص الاقتصادية، الصغيرة والكبيرة، ونستثمرها في مراكمة المكاسب التنموية على مختلف الأصعدة.

بواسطة akmiknas

أضف تعليق