أعاد تتويج فريق ماكلارين بلقب بطولة العالم للفورمولا 1 إلى الواجهة قصة نجاح طويلة ومتميزة، كتبتها البحرين خطوة بخطوة، حتى أصبح الفريق اليوم متفوقاً على الجميع، ويكرس حضوره بين نظرائه بثبات واقتدار، وبالنسبة لي كشخص عايش شغف الفورمولا 1 في البحرين منذ بداياتها، فإن هذا الفوز يحمل نبرة خاصة، نبرة فخر وامتنان لكل رحلة العمل والالتزام التي قادت إلى هذه اللحظة.
حين نتحدث عن ماكلارين، فنحن لا نتحدث عن فريق سيارات فحسب، بل عن مؤسسة متكاملة رسّخت نجاحاتها عبر سنوات من الجهد والابتكار، لكن ما يجعل هذا الإنجاز مختلفاً بالنسبة للبحرين هو أننا كنا جزءًا من هذه الرحلة منذ بدايتها، هذه الدولة الصغيرة بحجمها، الكبيرة بطموحها، آمنت بهذا المشروع مبكراً، واستثمرت فيه لأنها رأت فيه ما هو أبعد من نتائج سباقات. البحرين قرأت المستقبل، واتخذت قرارًا جريئًا باحتضان شراكة مع شركة عالمية تحتاج إلى الكثير من العمل والوقت، لكن المملكة كانت مستعدة لذلك، ورغبت في المضي قدمًا دون تردد، واليوم فإن وصول ماكلارين إلى هذا المركز المشرّف هو برهان بحد ذاته على التفكير الصائب والإرادة الحازمة للمملكة.
هذا النجاح، كما أراه، يكرّس ثلاث نقاط أساسية لا يمكن تجاهلها، الأولى وهي الأكثر وضوحًا، تتعلق بالربحية الاقتصادية التي حققتها البحرين وشركة ممتلكات من خلال هذا الاستثمار، فالمكاسب هنا لا تتعلق فقط بالجانب المالي المباشر بل بالصورة الشاملة التي تعزز موقع البحرين كدولة تتقن اختيار شراكاتها، وتعرف كيف توجّه استثماراتها نحو قطاعات عالية القيمة، أما الثانية وهي بنظري أكثر أهمية، تتمثل في تكريس قدرة الكفاءات البحرينية على إدارة شركات عالمية بهذا الحجم والتعقيد، فلطالما أثبت البحرينيين مرة تلو الأخرى أن لديهم القدرة على القيادة والتخطيط وإدارة ملفات ضخمة تتداخل فيها التكنولوجيا والاقتصاد والإعلام، والثالثة تتعلق بالتفوق التكنولوجي الذي تمثله ماكلارين اليوم، فهذه الشركة أصبحت مختبرًا عالميًا للابتكار، والارتباط بها يضع البحرين داخل دائرة التكنولوجيا المتقدمة، ويُبرزها كجزء من منظومة تقنية متقدمة.
ولا يسعني هنا إلا أن أتقدم بخالص التهنئة إلى حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، الذي دعم هذه الفكرة منذ بدايتها، واحتضن مشروع الفورمولا 1 باعتباره نافذة اقتصادية وإعلامية واستراتيجية للمملكة، كما لا بد من أن نتوجه بالتهنئة إلى صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله، فإدارة سموه لهذا المشروع كانت مزيجاً من الحنكة والرؤية والكفاءة والوعي والشغف الصادق برياضة السيارات، وها نحن اليوم نرى هذا الشغف يُكافأ بحصول ماكلارين على لقب عالمي يعيد إلى البحرين صدى جهود سنوات طويلة من العمل المتواصل.
لقد عايشت الفورمولا 1 في البحرين منذ لحظاتها الأولى، ولازالت تحظى دائما بالمركز الأول في اهتماماتي، وقد شهدت كيف تطورت من سباق عالمي إلى صناعة كاملة تخلق فرصاً، وتسوّق للدولة سياحياً واقتصادياً واستثمارياً، وتمنح أبنائها ارتباطًا استثنائيًا برياضة عالمية، لذلك فإن هذا الفوز بالنسبة لنا ليس مجرد خبر رياضي، بل محطة تاريخية هامة في مسيرة البحرين، تذكّرنا كيف يمكن لرؤية واحدة أن تغيّر موقع بلد كامل على خريطة العالم.
وأنا أرى اليوم أننا أمام فرصة جديدة يجب أن نستغلها، فمع تسليط أنظار العالم على ماكلارين، بإمكان البحرين أن تستثمر هذا الزخم للترويج لمختلف قطاعاتها، العقاري، والمالي، والسياحي، والتقني، فلا بد من اتباع نهج ذكي في هذه الحالات والتي تقوم على تحويل الانتصارات والأحداث المهمة إلى أدوات ذكية يمكن أن تعزز حضورنا الدولي، وتكمل ما بدأناه قبل أكثر من عقدين حين فتحنا أبوابنا لهذه الرياضة العالمية.
كل انتصار وكل لحظة نجاح لماكلارين تعزز صورة المملكة وتنعكس على حركة الزوار والسياح، خاصةً وأننا نعيش اليوم حالة من الزخم المتزايد في الفعاليات والمهرجانات التي تستضيفها البحرين، وهذا الحراك يُشجع السياح على اختيار المملكة كوجهة أولى، خصوصًا مع ارتباط اسمها فورًا برياضة عالمية تحظى بمتابعة عالمية كبيرة.
أنا متفائل جداً بمستقبل ماكلارين، فالشركة اليوم ليست فقط في مرحلة صعود، بل في مسار نجاح يبدو أنه سيستمر بوتيرة تفوق التوقعات، والسبب في ذلك لا يتعلق بالنتائج وحدها، بل بكون هذه الشركة بين أيدٍ وطنية أمينة وكفوءة تعرف كيف تدير مواردها، وتحافظ على إرثها، وتدفعها إلى آفاق جديدة، كما أن وجود قيادة بحرينية مسؤولة خلف هذا المشروع يمنحني ثقة إضافية بأن السنوات القادمة ستحمل لنا إنجازات أكبر وأبعد مما نتخيل.
لقد كانت البحرين أول دولة في الشرق الأوسط تستضيف سباقات الفورمولا 1 منذ العام 2004، وهو إنجاز تاريخي لا يزال يثبت مكانة المملكة كل عام، فرياضة السيارات ليست مجرد منافسات وسباقات عادية بل هي صناعة مكلفة للغاية، تعتمد على الدعم المادي الكبير والاستثمارات الضخمة، وتستقطب جمهورًا عالميًا من المتابعين، ونجاح البحرين في الحفاظ على مركزها طوال هذه السنوات يؤكد قدراتها التنظيمية والاقتصادية، ويجعلها لاعبًا أساسيًا في هذه الرياضة على مستوى المنطقة والعالم.
إن هذا الإنجاز الذي حققته ماكلارين هو رسالة واضحة من البحرين إلى العالم، مفادها أنه حين تؤمن بمشروع، وتقرر الاستثمار فيه، يجب أن تذهب معه حتى النهاية، وتواصل المسيرة التي تتطلع إليها، واليوم ونحن نحتفل بتفوق ماكلارين، فإننا في الحقيقة نحتفي أيضاً بتفوق وحكمة رؤية البحرين، وبالمسار الطويل الذي قطعناه بثقة وطموح، وبكل ما ينتظرنا من فرص أكبر في المستقبل.
وعند النظر إلى المستقبل، فربما تكون أهم خطوة مقبلة هي تغيير ثقافة الأجيال الجديدة تجاه رياضة السيارات، فالفورمولا 1 تحتاج إلى السائقين إلى جانب الكفاءات الأساسية في منظومة رياضة السيارات مثل الهندسة والتقنية والابتكار وإدارة الفرق، لذا من الضروري أن نغرس في أبنائنا الاهتمام بهذه المجالات، وأن نفتح أمامهم الباب للتفكير الجاد في دخول عالم الفورمولا 1، لأن أبناء هذا الوطن يمتلكون بالفعل الإرادة والموهبة والطموح، والبحرين تمتلك البيئة والبنية التحتية التي تجعل هذا الطموح ممكنًا، وما نحتاجه الآن هو أن يأخذ الشباب فرصتهم بثقة وشغف.
