كما كانت البحرين تبهرنا في سباقات الفورمولا1، نراها اليوم تضع حجر أساس في مجال السيارات الكلاسيكية ذات التاريخ العريق، من خلال إقامتها “كونكرس البحرين الملكي 2025” الذي أقيم مؤخراً في النادي الملكي للغولف بحضور كبار الشخصيات السياسية والمسؤولين المهمين، تحت شعار “حيث يلتقي الخليج مع أرقى السيارات في العالم”، حيث استعرضت الفعالية حوالي 90 سيارة فاخرة ونادرة في العالم، وجمعت التاريخ والهندسة والفن والتألق والرقي والضيافة البحرينية الرفيعة في مساحة واحدة تحت سقف واحد.
الجميع يعرف ريادة البحرين في فعاليات السيارات العالمية واستضافة شتى المحافل التي تستقطب محبي السيارات من حول العالم وتضع المملكة على خارطة السباقات الدولية، لكن اليوم تعزز البحرين دورها من زاوية جديدة مع تنظيمها هذا الكونكرس، وأصبح الجميع ينظر إلى المملكة باعتبارها مركزاً مهماً في عالم السيارات العريقة والنادرة، فإن شغف البحرين وتميزها وتفوقها في هذا المجال ليس وليد اللحظة، بل هو امتداد لاهتمام طويل، ورؤية قيادية وخطط مدروسة لدعم السياحة الرياضية والفعاليات النوعية التي تعود بالنفع على الاقتصاد الوطني.
وما منح هذا الحدث قوة ومكانة مختلفة هو أنه كان برعاية ورؤية صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله، حيث يولي سموه دوماً اهتماماً كبيراً بنوعية الفعاليات التي تُقام في المملكة، خصوصاً تلك التي تساهم في رفع قيمة البحرين على المستوى العالمي وتنعكس إيجابًا على مختلف القطاعات، كما ساهمت توجيهات سموه بأن يُنظم الحدث تحت إشراف إحدى أهم الشركات المتخصصة في هذا المجال، في خروج الحدث بصورة راقية ومتقنة من البداية حتى نهايته، فقد كان جميع المشاركين والزوار يثنون على مستوى التنظيم ودقة التفاصيل وروح الإبداع التي غلبت على جميع العناصر.
وكان لي الشرف أن أكون بين المشاركين، وأن أكون جزءًا من هذه التجربة الفريدة من خلال عرض سيارتي الكلاسيكية كليمون بيار، وهي السيارة الأقدم ضمن السيارات المشاركة، إذ يعود تاريخها إلى عام 1913، وتعد هذه السيارة قطعة كلاسيكية نادرة إذ أنها مصنوعة بالكامل باليد، وكانت ملكاً لجنرال فرنسي خلال الحرب العالمية الأولى، وعلى مدى عقود، جابت هذه السيارة عدة مهرجانات في دبي والسعودية وغيرها، لكن لا بد أن أعطي الحق حقه، وأن أعترف بأن كونكرس البحرين كان الأجمل على الإطلاق، والأكثر تميزاً وتشويقاً من بين جميع الفعاليات المشابهة السابقة.
في الواقع، كان الكونكرس مليئاً بالمفاجآت، وأهم مفاجأة هو الموقع الذي اختير له وهو النادي الملكي للجولف في الرفاع، الذي يتمتع بطبيعة ساحرة تجمع بين المساحات الخضراء المتدرجة والتلال الصغيرة التي شكلت خلفية مثالية لعرض السيارات، وقد كانت السيارات تنتشر فوق الهضبات في كل مكان، وكأنها تزينها، وتنتشر أيضاً في المساحات المفتوحة بطريقة تضفي جمالاً خاصاً على المكان، وكأن كل سيارة وُضعت في موقع صُمم خصيصاً لها، ثم يأتي العرض الرئيسي حيث يتم استعراض السيارات على المنصة وسط متابعة الجمهور، في لحظات تأسر الأنظار والقلوب وتُبرز قيمة هذه القطع النادرة.
كانت بعض السيارات التي شاركت أكثر حداثة وأكثر تقنية، لكن كلها مصنفة بأنها نادرة، فلا يستطيع أن يدخل هذا العرض إلا السيارات المميزة والنادرة، وأنا أذكر أن منها كان ينتمي إلى حقبات قديمة وتاريخية وتراثية مميزة، ومنها ما يمثل أحدث التقنيات في صناعة السيارات الفاخرة وهندسة السيارات الحديثة، ورغم اختلاف الفئات، إلا أن القاسم المشترك بينها جميعاً هو الندرة، فكان من الواضح أن كل سيارة شاركت صنعت قصتها الخاصة، لكن السيارة الأقدم، وهي سيارتي كليمون بيار، كانت لها مكانة مميزة لدى الجمهور بفضل تاريخها العريق وعمرها الذي تجاوز المئة عام، فقد عاصرت الحرب العالمية الأولى وغيرها من الأحداث التاريخية المهمة على مر الزمن.
وقد كان من دواعي سروري أن أقدم في هذا الحدث شيئاً ما يزيد من أهميته، وأن تساهم هذه السيارة النادرة التي أملكها في إثراء الكونكرس وتقديم إضافة فريدة إلى هذا الحدث ذو الطابع العالمي، وهي إضافة تعزز من قيمة الحدث وترفع مستوى التنافس بين المشاركين.
النجاح الأكبر بالنسبة لي كان فوز سيارتي بالمركز الثاني في فئة السيارات القديمة التي تسبق عام 1930، وهو إنجاز أفتخر به، وأنظر إليه بكل اعتزاز نظراً لمكانة المهرجان وحجم المنافسة ومستوى السيارات المشاركة. بالطبع لم تكن مسألة الجوائز هي العنصر الأهم في الكونكرس، فقد كان الحدث في جوهره مساحة تلتقي فيها الثقافة مع التاريخ مع شغف السيارت، وتفتح المجال لتبادل الخبرات بين الهواة والمختصين والمستثمرين في عالم السيارات، كما مثّل الحدث رافداً مهماً لتعزيز السياحة في البحرين، خاصةً في ظل النمو الذي يشهده هذا القطاع، ورغبة المملكة في جذب فعاليات نوعية تُعرف بثقلها وقيمتها لدى جمهور عالمي واسع.
عندما ننظر إلى النجاح اللافت والمبهر الذي حققته هذه الفعالية، نكون على يقين بأن الآفاق القادمة تبشر بفعاليات أكبر وأوسع، وفرص جديدة لعرض سيارات أكثر ندرة وتميزاً، كما أن رعاية سمو ولي العهد حفظه الله لهذا الحدث ولمختلف الفعاليات النوعية التي تحتضنها البحرين ودعم سموه الراسخ والدائم لقطاع الفعاليات، يجعلنا ننظر بتفاؤل إلى المستقبل، وإلى ما سيقدمه هذا الحدث وغيره من الأحداث والمهرجانات والفعاليات المرتبطة بعالم السيارات.
كونكرس البحرين كان حدثاً يليق باسم البحرين، ويؤكد أن المملكة ماضية في ترسيخ مكانتها كمركز للفعاليات الفاخرة والراقية التي تجمع بين الذوق الرفيع والقيمة التاريخية والسياحية، خاصةً وأن البحرين تدرك أنها تتمتع بمقومات سياحية عديدة طبيعية وحضارية وتاريخية تجذب الجماهير من مختلف دول العالم، والذين دائماً ما يكونون متحمسين لزيارة البحرين حيث الأجواء الفريدة المفعمة بالترحيب وحُسن الضيافة والترفيه، فضلاً عما تزخر به المملكة من شبكة واسعة ومميزة من المواصلات عالية الجودة والفنادق والمطاعم والمرافق التي تقدم كافة الخدمات التي يبحث عنها الزائر أو السائح.
البحرين قادرة على احتضان المزيد من هذا النوع من الفعاليات الكبرى، لامتلاكها البنية التحتية التي تستطيع أن تستقطب أحداث عالمية متنوعة، ويكون لها الأثر الإيجابي الملموس على القطاع السياحي، وجميع القطاعات الأخرى التي تدخل في اقتصاد المملكة، إضافةً إلى أن هذه الفعاليات تعد فرصة مواتية لتعزيز الاستثمارات الأجنبية في البلاد، والدفع بجهود الترويج السياحي للمملكة.
