آسيا في البحرين

استطاعت مملكة البحرين في السنوات الأخيرة أن تثبت مكانتها كوجهة واعدة للفعاليات الرياضية الإقليمية والدولية، وذلك بفضل رؤية قيادتها الشابة وثقتها في قدرات أبناء الوطن، واليوم تكتب المملكة فصلا جديدا من قصص النجاح، مع استضافة النسخة الثالثة من دورة الألعاب الآسيوية للشباب، وقد أعرب عن ذلك جلالة الملك المعظم لدى استقباله كبار المدعويين ورؤساء الوفود المشاركين في الدورة، كما شهدنا افتتاحا تاريخا حافلا بحضور سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة، وسمو الشيخ خالد بن حمد آل خليفة، وعدد كبير من المسؤولين والضيوف من مختلف دول آسيا، ومن حول العالم أيضا. لقد كان لي الشرف أن أتعاون عن قرب مع لجنة الألعاب الآسيوية في العام 2006، ومع الكابتن حسين المسلم الذي كان حينها نائبًا للمدير العام، قبل أن يتولى لاحقًا منصب المدير العام للمجلس الأولمبي الآسيوي، وكنا قد كُلّفنا كشركة «برموسيفن» بالترويج العالمي للحدث، وجذب أفضل العائدات من خلال استقطاب الرعاة الدوليين.

وقد عملت مع الكاتبن حسين لفترة عشر سنوات كانت رائعة، لأنني شعرت به قياديا من الطراز الأول، ولمست فيه شخصية منظمة وواثقة، تجمع بين التنظيم والرؤية الواضحة والدعم المتواصل لفريق العمل، وقد تمكنا، بفضل دعمه وبفضل التخطيط المحكم، من النجاح في مهمتنا وتحقيق هدف تأمين أكثر من مئة مليون دولار من الرعايات، دون أية عراقيل أو مشاكل تُذكر. رغم أن إدارة ذلك الحدث الآسيوي الكبير في الدوحة كانت صغيرة نسبيًا، إلا أنها كانت فاعلة ومنظمة بدقة مدهشة، خاصةً أننا تعاونا مع شركة «تنسو» المتخصصة في التسويق الرياضي، والتي كانت خير شريك استراتيجي لنا، ورفيقًا لا يُنسى في تلك التجربة، ومع مرور الوقت، كان احترامي للصديق العزيز الكابتن حسين يكبر يومًا بعد يوم، لما أظهره من تشجيع وتفاعل إيجابي وثقة بقدراتنا، ومن خلال هذه التجربة الثرية، تولّدت لدي نظرة عميقة حول متطلبات تنظيم مثل هذه الأحداث الكبرى.

فالتحضيرات اللوجستية لأي مهرجان رياضي، مهما كان حجمه، هي عملية معقدة تتطلب فرق عمل كثيرة متخصصة، وتنسيقًا دقيقًا بين مختلف الجهات، من النقل والإعلام إلى الضيافة والأمن والرعايات، كما أن الحملات الترويجية التي تُنظم في مختلف الدول لتعريف الجمهور والجهات الرياضية بأهمية الحدث هي عنصر أساسي لا يقل أهمية عن التحضيرات الداخلية، حتى أن الفريق الذي كان يعمل معي إلى جانب فريق «تنسو» يتسابقان على زيارة البلدان، وخاصةً الدول الآسيوية، وزيارة الشركات الراعية والداعمين واللجان الأولمبية الوطنية، وذلك لحثهم على المشاركة، وتعريفهم بأهمية هذه الألعاب كمرحلة تحضيرية للأولمبياد الأكبر، فآسيا هي القارة التي تقدم أكبر عدد من المشاركين في الألعاب الأولمبية حول العالم.

أما اليوم، فإن البحرين تستضيف بشغف ومسؤولية هذه الدورة الآسيوية للشباب، لتقدم نموذجًا جديدًا في التنظيم والالتزام، وتؤكد أنها تحمل هذه الأمانة بثقة وجدارة، مستندةً في التنظيم إلى تاريخ طويل من النجاح في استضافة الفعاليات الرياضية الكبرى، وإلى بنية تحتية رياضية متطورة وموثوقة عالميًا، فالرياضة في البحرين أصبحت جزءًا من الهوية الوطنية، وورقة قوة تستخدمها المملكة للتواصل مع العالم وترسيخ مكانتها الدولية.

استثمار البحرين في هذا الحدث هو ثمرة رؤية استراتيجية، وطموحة، وقيادة واعية للقطاع الرياضي، وتخطيط سليم، وهي العوامل التي تصنع الفارق، والتي أهّلت البحرين لاستضافة 4302 رياضي شاب و900 مسؤول عن الفرق المشاركة و700 مدرب يمثلون 45 لجنة أولمبية آسيوية، وتنظيم منافسات في 26 رياضة، بمجموع 249 فعالية، ضمن هذا الحدث. ولا يخفى على أحد أنه خلال السنوات الماضية، استطاعت البحرين أن تثبت نفسها كوجهة رائدة للأحداث الرياضية، خصوصًا أنها الوجهة المستضيفة لسباقات الفورمولا واحد التي تعد من أكثر البطولات العالمية تعقيدًا من ناحية التنظيم، خاصةً أنها ذات طابع دولي يقصدها السياح والزوار من مختلف أنحاء العالم، إضافةً إلى احتضانها بطولات عالمية في مختلف الفنون القتالية وكرة اليد وكرة القدم، إلى جانب تنظيم مؤتمرات رياضية دولية.

وبالطبع لا يمكن الحديث عن هذا الإنجاز دون توجيه الشكر والتقدير إلى سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة ممثل جلالة الملك للأعمال الإنسانية وشؤون الشباب رئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة، وتثمين جهود سمو الشيخ خالد بن حمد آل خليفة النائب الأول لرئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة رئيس الهيئة العامة للرياضة رئيس اللجنة الأولمبية البحرينية، الذي قاد هذا المشروع بعقلية طموحة وبإيمان كامل بقدرة الشباب البحريني على النجاح والتميز.

إن هذا الحضور الرياضي المتواصل جعل البحرين تمتلك خبرة تراكمية في إدارة الجمهور، والنقل، والأمن، والبث التلفزيوني، والضيافة، وحقوق الرعاية، إضافةً إلى منشآت رياضية حديثة، وصالات متعددة الأغراض ومرافق تدريب مجهزة بأعلى المعايير الدولية، كما أن موقع البحرين الجغرافي وخدماتها اللوجستية المتطورة، ومطارها الدولي وشبكة فنادقها الواسعة، كلها عناصر تجعل من عملية استقبال آلاف الرياضيين والوفود مهمة قابلة للتنفيذ وفق أعلى درجات التنظيم، وبالتالي فإن تولي البحرين لهذه المسؤولية ليس مغامرة، بل استكمال لمسار بدأته قبل عقود، وتأكيد على ثقتها بنفسها وقدرتها على أن تكون منصة آسيوية وإقليمية وعالمية لتلاقي الشباب والرياضة تحت راية واحدة.

وأنا على يقين بأن استضافة النسخة الثالثة من دورة الألعاب الآسيوية للشباب ستكون على أكمل وجه، مع الجهود الكبيرة التي يبذلها معالي الشيخ سلمان بن إبراهيم آل خليفة رئيس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، والسيد فارس مصطفى الكوهجي الأمين العام للجنة الأولمبية البحرينية، اللذان كان لهما دور مؤثر في اتخاذ قرار استضافة البحرين لهذه الألعاب والعمل على تنفيذها وإخراجها بأفضل صورة.
أعتقد أن ما يميز تجربة البحرين في هذا الجانب هو عنصر السرعة والدقة، فبينما تحتاج غالبية الدول إلى أربع سنوات على الأقل للتحضير لهذا الحدث، نجحت البحرين في إنجاز كافة الاستعدادات خلال 10 أشهر فقط، وهو ما يعكس قوة الإرادة وروح الفريق والعمل المؤسسي المنظم، والاستثمار العظيم الذي ضخته المملكة في وضع هذا البلد الحبيب الصغير على مقام الدول العظمى، إذ إن معظم هذه الألعاب تتم استضافتها في دول كبرى ضمن آسيا مثل الصين واليابان والهند وما إلى هنالك، لذا فإن هذا الإنجاز لا يضع البحرين على خريطة الدول المنظمة للفعاليات الكبرى فقط، بل يرفعها إلى مستوى جديد من الثقة الدولية والتقدير لمكانتها.

بواسطة akmiknas

أضف تعليق