كره الجميع!

أمضيتُ الأيام الفائتة أبحث عن خلفيات مصطلحات مثل “السامية” و”معاداة السامية”، خاصة وأننا في كل مرة نتكلم وننتقد ممارسات الاحتلال الاسرائيلي على أرض فلسطين ضد الفلسطينيين العزل، يتهموننا بمعاداة السامية، وكأن التعبير الإنساني الطبيعي عن المجازر الحاصلة بحق الأبرياء أصبح تهمة جاهزة يطلقها الصهاينة لإسكات أي رأي مخالف. والحقيقة أن هذا الاتهام لا أساس له، فنحن لسنا أعداء للسامية ولا أعداء لليهود، بل لسنا أعداء لأي أحد.

بحثي في مفهوم السامية ومعاداة السامية، قادني إلى معرفة إلى أن الأمر أعمق مما يتم الترويج له، فالمصطلح في الخطاب الصهيوني أصبح أداة ضغط، لا مجرد توصيف تاريخي، والأغرب أن بعض غلاة الصهاينة يستندون إلى نصوص دينية يفسرونها بطريقة ضيقة ليطلقوا أحكاماً قاسية على باقي شعوب الأرض، وسمعت أن كلمة “غوييم” أو “Goyim” في الثقافة اليهودية التقليدية تشير إلى كل من هو غير يهودي، لكن حين تتحول هذه الكلمة إلى أساس لفكرة أن كل الشعوب الأخرى أدنى منزلة، فهذا ليس فقط خطأ دينياً بل هو انحراف فكري وأخلاقي.

فهل يعقل أن يختزل اليهودي المتشدد العالم كله في خانة الكراهية، وأن يعتبر كل من لم يولد يهودياً أقل منه شأناً؟ بل حتى من وُلد نصف يهودي، أو هناك شك في يهوديته مثل الأثيوبي والهندي، وهذا منطق يتنافى مع العقل والإنسانية، فقد خلقنا الله جميعاً، وخلق شعوب الأرض متساوية، ولم يقل أبداً إنه أحب شعباً وبغض شعباً آخر بهذه الصورة التي يروج لها الصهاينة، لكن الصهيوني يريد أن يتميز عن باقي خلق الله.

حتى إني أعتقد أن النازية، رغم بشاعتها، لكنها لم تتصرف كما تتصرف الصهيونية حاليا ضد الفلسطينيين والعرب وغيرهم الشعوب، حتى الفرس رغم أن لديهم تعصب لقومهم ويعتقدون أنهم أكثر من الشعوب الأخرى بما في ذلك الشعوب العربية، لكن لا يمكن أن يصل الغلو بشعب إلى درجة أن يصبح مثل الصهيونية، فالمشروع الصهيوني ليس بشعا وغير إنساني فقط، بل يضع نفسه في خانة من يملك الحق الإلهي والتاريخي، ويعامل الآخرين من شتى الأعراق وكأنهم درجات أدنى من الإنسانية.

من خلال بحثي وقراءتاتي عن الـ “غوييم” أو “Goyim”، وجدت أن الصهيونية ليست خطرا على العرب والمسلمين فقط، بل على الجميع بلا استثناء، وفي مقدمتهم المسيحيين، ففي فلسطين نال المسيحيون منذ نكبة 1948 مما ناله كافة أبناء الشعب الفلسطيني من انتهاكات واعتداءات، كما عمدت العصابات الصهيونية إلى انتهاج سياسة تقوم على تدمير وتخريب والمس بقدسية الكنائس في فلسطين.

أعرف كثيراً من اليهود الذين التقيت بهم خلال حياتي، وكلهم لا يؤمنون أبداً بهذه النزعة الصهيونية، بل يرفضونها رفضاً قاطعاً، لذلك من المهم الفصل بين اليهود والصهاينة، فالكثير من اليهود يرون في الصهيونية تهديداً كبيراً للإنسانية مثلنا جميعاً، يؤمنون بالعيش المشترك، ويعترفون بأن الاحتلال ظلم، وأن استغلال الدين لتبرير القتل والتهجير جريمة، وهذا دليل آخر على أن المشكلة ليست مع اليهود كأتباع ديانة، بل مع الفكر والتوجه الصهيوني كمنظومة سياسية استعمارية.

لا أحد ينكر الهولوكوست الذي تعرض له اليهود في أوروبا، ولكن هناك شعوب أخرى تعرضت للاضطهاد أيضاً عبر التاريخ مثل الهنود الحمر والأرمن وغيرهم من الأمم الأخرى التي عانت من القتل والتهجير والمجازر، ولكنهم لم يقتلوا غيرهم بناء على هذه المظلومية، ولم تبرر اضطهاد شعوب أخرى باسم المعاناة الماضية، فما لا يفهمه الصهاينة هو أن المأساة لا تعطيك رخصة لارتكاب مآسٍ جديدة بحق غيرك.

بعض الساسة في الغرب يتفاخرون بدعم الصهاينة ليس عن قناعة، ولكن لتحقيق مصالح شخصية، فبنو صهيون يملكون نفوذاً واسعاً في الإعلام، والمال، وهوليوود، وهذا النفوذ يتيح لهم إسكات الأصوات المعارضة، وتشويه سمعة والقضاء على أي شخص يجرؤ على انتقاد سياساتهم، وفي المقابل، يبقى الصوت العربي ضعيفاً، محاصراً، لا يجد المساحة الكافية ليُسمع كما يجب.

المشين في الأمر أن تهمة “معاداة السامية” تحولت إلى سلاح جاهز في يد الصهاينة يستخدمونه كلما أرادوا تبرير جرائمهم أو إسكات أي شخص، وهذه هي عادتهم المتكررة، كلما ارتكبوا فعلاً لا يمكن الدفاع عنه بالمنطق أو بالقانون، لجأوا إلى لعب دور الضحية، وكأن العالم كله يتآمر عليهم، لكن الحقيقة أن هذه الاستراتيجية ما هي إلا محاولة لتغطية سياسات الاحتلال والقتل والتهجير، وإظهار المعتدي في صورة المظلوم.

في الواقع، العرب والمسلمون عبر التاريخ عاشوا في مجتمعات متنوعة ومناطق مختلفة الأعراق والأديان والطوائف، لم نعرف في تاريخنا الطويل حملات تطهير عرقي ممنهجة كما عرفتها أوروبا في عصور مختلفة،…

بواسطة akmiknas

أضف تعليق