هل لهذا الإجرام حد؟

من المنطقي والطبيعي أنه إذا لم يجد القاتل من يردعه فإنه سيتمادى في القتل، وسيوسع حقل جرائمه يوماً بعد يوم، وهي حقيقة أثبتها التاريخ في أكثر من موضع، فالمجرم حين يطمئن إلى غياب العقاب، وإلى أن العالم يقف متفرجاً، فإنه يزداد شراسة ويواصل اعتداءاته من دون حساب، وفي عالمنا لا نجد مثالاً أوضح على ذلك من إسرائيل التي ما زالت حتى اللحظة تتصرف وكأنها كيان فوق القانون، لا يخشى محاكم دولية ولا مجلس أمن ولا جامعة دولية ولا حتى استنكار العالم حكومات وشعوباً، ويفعل ما يشاء بلا حسيب أو رقيب.

مؤخرا هوجمت قطر، وسقط ضحايا قطريين وفلسطينيين، وكان مشهداً صادماً يطرح أسئلة كثيرة حول حدود الغطرسة الإسرائيلية، ولم تكتف إسرائيل بهذا الفعل، بل صرحت بوضوح أنها قادرة على أن تضرب من تشاء وفي أي مكان تشاء، مذكّرة بما فعلته في إيران ومهددة بأنها ربما تفعل الشيء نفسه في تركيا أو مصر أو غيرها من بقاع العالم متى ما شاءت، وهي رسالة متعمدة لإشاعة الرعب، ورسالة أخرى مفادها أنها لا تخشى أحداً.

وجاء الرد القطري ولأول مرة في القمة العربية الإسلامية، حيث اتُخذت قرارات وصدرت مواقف تُعتبر سابقة في وضوحها وصلابتها، وكانت تلك لحظة فارقة جعلت الجميع يرى أن المسألة لم تعد مجرد خلاف سياسي ومناوشات، بل أصبحت قضية وجود وأمن لكل العرب والمسلمين.

المهم هو أن الكثيرين بما فيهم عرب قد أدركوا أخيراً أن أمريكا لا تحبنا، وأنها لم تكن يوماً في صفنا، وأن الصديق الوحيد لأمريكا هو اسرائيل، فأمريكا لا ترى في المنطقة سوى مصلحة واحدة، وهي حماية إسرائيل، حتى ولو جاء ذلك على حساب دماء العرب والمسلمين، فالكل يعرف أن أمريكا تخاف على إسرائيل وتدافع عنها بلا حدود، بينما نحن في نظرها مجرد أرقام في معادلاتها يمكن التضحية بها متى دعت الحاجة.

وطبعا الكل يخاف من أمريكا، وإسرائيل تضرب غير مبالية بما سيحدث، وقد بات واضحاً للجميع أن إسرائيل تضرب بسيف أمريكا، وتتصرف بثقة مطلقة بأنها لن تُحاسب، فهي لم تلتفت يوماً لأي قرار صادر عن الأمم المتحدة، ولم تحترم أي اتفاقية دولية، ولم تقف عند أي تحذير من مجلس الأمن، فهذا هو الواقع المؤلم، إسرائيل فوق القانون، لذلك لا ينبغي لأحد أن يطمئن إلى أن المؤسسات الدولية ستحميه أو ستردع المعتدي، الرادع الوحيد هو الله سبحانه وتعالى ثم أمريكا. ولعل أهم فوائد ونتائج القمة العربية الإسلامية ومثل هذه المؤتمرات هي أن الكثير يعرفون الآن أن اسرائيل هي فوق القانون، فلا تطمئنو لها أبداً.

والواقع أن الجميع بات يعيد النظر في علاقاته مع اسرائيل، وأصبحا ندرك أن هذا العدو لا يضمر لنا سوى الشر والموت، وهذا وحده مؤشر على أن الدول والشعوب معاً يدركون اليوم أن إسرائيل لا يرجى منها سوى الخراب والدمار، مهما حاولت أن تظهر بوجه آخر أو تلمع صورتها عبر الشعارات والإعلام، حتى أصبحنا نحن عامة الناس نخاف من إسرائيل ونترقب ما ستدمره في اليوم التالي، وأنا شخصياً أدعو الله ألّا أُستهدف في بيتي بدرون اسرائيلي.

أذكر حين قال الرئيس التركي إنه يجب ردع اسرائيل عبر العقوبات، لكن عفواً سيدي، إسرائيل لا تهاب العقوبات، فهذا الكيان لا يكترث بقرارات العزل أو بيانات الشجب أو حتى بفرض قيود اقتصادية، ما لم يكن هناك ردع حقيقي قائم على القوة والإرادة الصلبة، فلن يتوقف. فإن لم تردعك إنسانيتك ولم توقفك قوة عند حدك فستتمادى بكل ما أوتيت من قوة.

لقد قال رئيس وزراء ماليزيا في القمة الإسلامية في الدوحة إن الإدانة وحدها لا توقف الصواريخ، ولا تحرير فلسطين ينتظر بيانات شجب فقط، يجب ان تكون هناك عقوبات حقيقية وفعلية على إسرائيل كخطوة ضرورية لتحقيق العدالة، وأنا اتوقع أنها عقوبات مثل المقاطعات السياسية، وقيود على التعاون العسكري والاستخباراتي، وإجراءات قانونية دولية تُلزمها بتحمل تبعات انتهاكاتها، فهذه العقوبات قد تكون وسيلة لردع التمادي وفتح طريق للعدالة وإنهاء الظلم المستمر الذي يعانيه الشعب الفلسطيني، إن لم نترجم الإدانة إلى إجراءات صارمة وملموسة فلن تكون سوى كلمات تتبخر، أما العمل الجاد فهو وحده القادر على خلق ضغط يفرض التغيير ويردع من يعتقد أنه فوق القانون.

كما يجب أن نتذكر أن القضية ليست مجرد صراع جيش مقابل جيش، بل حياة بشرية يجب حمايتها الآن، لذلك من الضروري فتح ممرات إنسانية آمنة وتوفير مساعدات طبية وغذائية عاجلة للمدنيين المتضررين، مع ضمان وصول المنظمات المستقلة دون عوائق، فحماية الأبرياء وإعادة الإعمار ورفع المعاناة لا تقل أهمية عن السياسات والعقوبات، فبدون إنسانية واضحة وعمليات إغاثة فعّالة سيبقى ثمن الصراع يدفعه الضعفاء وحدهم، وستبقى الكراهية تنمو وتغذي دوامة العنف المستقبلية.

ومن زاوية أخرى، علينا أن ندرك أن التضامن لا يُبنى فقط في القمم والمؤتمرات، بل يبدأ من تماسك الشعوب نفسها، فحين تتوحد المجتمعات وتدعم القضية بوعي ومسؤولية، فإن الحكومات تجد نفسها مضطرة إلى ترجمة هذا الزخم الشعبي إلى مواقف عملية، وهذا هو ما يجعل القرارات الرسمية أكثر جدية وأكثر ثباتاً، فالقضية في النهاية ليست قضية دول فقط، بل قضية أمة بأكملها.

أصبحنا نعي جميعاً بأن الخطر لم يعد مقتصراً على الفلسطينيين وحدهم، ولا على بلد عربي دون آخر، بل أصبح تهديداً يطال الجميع، عرب ومسلمين، سنة وشيعة، فإسرائيل لا تفرق بين المذاهب ولا الانتماءات، بل هي عدو لكل من يقف في وجه مشروعها، وبعد العرب والمسلمين، سيأتي الدور على الجميع، لأن من اعتاد الإفلات من العقاب يرى العالم كله ملعباً مفتوحاً أمامه، يسرح ويمرح فيه كيفما يشاء.

أملنا الوحيد اليوم هو أن نعي خطورة المرحلة وأن نضع أنفسنا في أسوأ السيناريوهات، بلد صغير مثل قطر، رغم أنه يحتضن قاعدة أمريكية كبرى، لم يسلم من الهجوم، فما الذي يمنع أن تستهدف إسرائيل غيره؟ هذا السؤال وحده يجب أن يكون جرس إنذار للجميع، يذكرنا بأن لا أحد في مأمن إذا استمر الصمت والتهاون.

بواسطة akmiknas

أضف تعليق