تمرُّ الأيام وتتجدّدُ الذكرى، وها هي سنةٌ كاملة قد انقضت على رحيلك، أخي وصديقي الغالي، عبدالرحمن جمشير، لم تكن مجرد سنةٍ عابرة؛ بل كانت عاماً من التفكير العميق، واستعادةِ شريط الذكريات التي جمعتنا، منذ أيامِ الطفولة وحتى لحظةِ الفراق التي أوجعت قلوبنا جميعاً، ففي كل يوم يمضي، أجد نفسي أسترجع الوجوه والأماكن واللحظات التي عشناها سوياً، وكأن الزمن لم يمر. كانت صداقتنا كشجرة عتيقة، جذورها عميقة وراسخة لا تهزها الرياح، وفروعها تمتد لتشمل كل جوانب حياتنا؛ كانت تجربة فريدة، حيث كنا نكبر معاً ونفهم العالم من خلال بعضنا البعض.
أتذكر كل التفاصيل، يا صديقي! كيف كانت أيامنا في لبنان مزيجاً فريداً من الجد والمرح، والعمل الشاق الذي لم يخلُ من المتعة والرفاهية، كنا نعمل بجد في مشاريعنا وندرس بتركيز، لكننا كنا نعرف أيضاً كيف نستمتع بالحياة، ولم يكن ليومٍ أن يمرّ دون أن نلتقي أو نتحدث، حتى أن من حولنا اعتاد على رؤيتنا معاً، وكأننا جزء لا يتجزأ من بعضنا البعض، لقد كانت تلك الأيام مزيجاً من المغامرة والتعلم، حيث كنا نستكشف الأماكن ونتبادل الأفكار والأحلام، كنا نستمد من بعضنا القوة والطموح، ونتشارك الأسرار والضحكات التي لا تنسى.
لم يكن اختلاف تخصصاتنا الجامعية عائقاً أمام استمرار صداقتنا؛ بل على العكس، كان ذلك يضيف لها عمقا وثراء، وكانت النقاشات بيننا لا تنتهي، حول دراستنا وحياتنا ومشاريعنا المستقبلية، كما كانت كل مناقشة فرصة للتعلم من الآخر، وفهم وجهات نظر مختلفة، وحتى بعد أن تخرجنا وبدأ كل منا مسيرته المهنية، بقينا على تواصل دائم، وكأننا لم نفترق أبداً، وكنت أنتظر مكالماتك بفارغ الصبر، لأنها دائماً ما تحمل البهجة والنصيحة الصادقة.
عندما جئتُ إلى البحرين، كان أجمل ما وجدته فيها هو وجودك يا صديقي عبدالرحمن؛ وجودك جعلني أشعر وكأني في وطني الثاني، لم أشعر يوماً بالغربة أو الوحدة، لأنك كنت هناك، دائماً سنداً وعوناً لي في كل الأوقات؛ لقد كنت خير صديق، وأكثر من ذلك، كنت أخاً حقيقياً، و مستعداً دائماً للمساعدة، وتقدّم لي يد العون دون أن أطلبها، لقد كان منزلك بيتي الثاني، وعائلتك عائلتي الثانية، وتلك الأيام في البحرين، بوجودك، كانت من أروع أيام حياتي.
فقدان صديق حديث العهد بالصداقة هو أمر صعب، لكن فقدان صديق الشباب الذي كبرنا معاً، وترعرعنا معاً، وخضنا معاً معارك الحياة، هو أمر لا يوصف! لقد كنت شاهداً على أجمل أيام حياتي، وعلى لحظات الفرح والحزن، والنجاح والفشل، وكانت رحلتنا معا رحلة نضوج وتكوين للشخصية، تعلمنا فيها من بعضنا البعض الكثير، وكلّ ذكرى، من أبسطها إلى أعظمها، تذكرني بفراغ كبير لا يمكن ملؤه.
إلى عائلة جمشير الكريمة، وإلى كل من أحبّ عبدالرحمن، أقول إن فقدهُ ليس فقداً لكم وحدكم، بل هو فقد لكل من عرف طيبته وأخلاقه العالية. أفتقده بشدة، أفتقد صوته وضحكته، أفتقد نصائحه الغالية، وسيبقى ذكراه حياً في قلبي ما حييت، وستبقى صداقتنا قصة لا تنتهي!
رحم الله أخي وصديقي عبدالرحمن جمشير وأسكنه فسيح جناته
أكرم رشاد مكناس

