في كل يوم، وكل مناسبة، يجب أن نؤكد على الدور المهم بل والمصيري الذي تقوم به المرأة من أجل نهضة مجتمعها وبناء وطنها، بما في ذلك الأم التي تنشأ الأسرة الصالحة، والموظفة والعاملة التي تنتج وتبدع، وكذلك الفتيات اللواتي يتم إعدادهن للمشاركة في بناء مستقبل أكثر ازدهارًا للجميع.وفي الثاني والعشرين من أغسطس هذا العام، تحتفل مملكة البحرين بمرور أربعة وعشرين عامًا على تأسيس المجلس الأعلى للمرأة، الصرح الوطني الذي يمثّل المظلة الرئيسية المعنية بشؤون المرأة البحرينية وتمكينها ودعمها في مختلف المجالات، فمنذ صدور الأمر الملكي السامي بإنشائه عام 2001، حمل المجلس على عاتقه مهمة استراتيجية لبناء سياسات وطنية متكاملة تعزز من مكانة المرأة وتوسع من مشاركتها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، ليصبح اليوم أحد أبرز النماذج الإقليمية في مجال تمكين المرأة.
منذ انطلاقه، لم يقتصر دور المجلس على الجانب الرمزي أو الاستشاري، بل تجاوز ذلك إلى صياغة السياسات العامة، ووضع البرامج والخطط، والعمل بشكل مباشر على إزالة العوائق والتحديات التي قد تواجه المرأة في المجتمع وسوق العمل، وهذا الدور الاستراتيجي جعل منه شريكًا أساسيًا في صياغة مستقبل البحرين الحديث، حيث أصبحت قضايا المرأة جزءًا أصيلاً من السياسات الوطنية وخطط التنمية، وأصبحت مبادئ المساواة والتمكين والعدالة وتكافؤ الفرص مبادئ أساسية في صلب جميع مؤسسات القطاعين العام والخاص.
ولا شك أن ما تحقق من نجاحات للمجلس الأعلى للمرأة ما كان ليستمر لولا البيئة الخصبة التي تتميز بها البحرين، والتي قامت منذ البداية على نهج واضح يركز على تمكين المرأة وصون حقوقها، فالسياسات الوطنية والتشريعات الحديثة، إلى جانب الدعم المستمر من القيادة الرشيدة، وفَّرت الأرضية الصلبة التي سمحت للمجلس بأن يؤدي دوره بكفاءة ويواصل مسيرته التنموية، وهذه البيئة الحاضنة جعلت من المملكة نموذجًا متقدمًا في المنطقة.
ولا يمكن الحديث عن مسيرة المجلس دون التوقف عند ما حققته المرأة البحرينية خلال العقدين الماضيين، فقد استطاعت أن تثبت وجودها في كل المجالات، بدءًا من الميادين السياسية وصولاً إلى المناصب التنفيذية العليا ومجالس الإدارة، واليوم نرى المرأة البحرينية تمثل نصف قوة العمل الوطنية تقريبًا، وتشغل مواقع قيادية مؤثرة في القطاعين العام والخاص، وهذه المكاسب لم تكن لتتحقق بالطبع لولا العمل المؤسسي الذي تبناه المجلس، والدعم الملكي السامي له، والدعم المباشر من الحكومة الموقرة، إضافةً إلى إصرار المرأة البحرينية نفسها على إثبات قدرتها وكفاءتها.
ولا يخفى علينا أنه كان لتولي صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة عاهل البلاد المعظم حفظها الله مسؤولية الملف النسائي في مملكة البحرين الدور الأساسي في تشكيل الحراك الرسمي النسائي، ليكون مكملاً للعمل الأهلي النسائي في البلاد والذي بدأ منذ أوائل القرن العشرين، ونشط بشكل واضح في العقد الخامس من القرن الماضي، وذلك بفضل رؤية سموها الاستراتيجية وتوجيهاتها السديدة التي كانت حجر الأساس في نجاح واستدامة مسيرة تقدم المرأة في البحرين.
اللافت لجميع الأنظار إقليميًا ودوليًا هو أن المجلس الأعلى للمرأة لم يكتفِ بالتركيز على تمكين المرأة مهنيًا وسياسيًا فقط، بل أولى اهتمامًا خاصًا بالجانب الاجتماعي والأسري، فالتوازن بين دور المرأة في الأسرة والعمل ظل أحد التحديات الكبرى أمام النساء في كل المجتمعات حول العالم، وقد عمل المجلس على اقتراح تشريعات وتدابير عملية تقلل من هذه التحديات وتدعم استقرار الأسرة البحرينية، فضلاً عن إطلاق المبادرات التي تدعم الأم العاملة، وتشجع سياسات مرنة في سوق العمل تلبي احتياجات المرأة، وذلك في إطار الخطط الوطنية لنهوض المرأة البحرينية المنبثقة من اختصاصات المجلس واستراتيجياته الرامية إلى الارتقاء بالمرأة البحرينية إلى آفاق واسعة من الريادة والتميز.
كما لا يمكن إغفال الدور الذي لعبه المجلس في دعم المرأة البحرينية على الصعيد الدولي، فخلال السنوات الماضية، نجحت البحرين في إبراز إنجازات نسائها على المنابر العالمية، وحصدت العديد من الجوائز والاعترافات الدولية في مجال تمكين المرأة، وهذه المكانة عززت من صورة البحرين كدولة رائدة في المنطقة في ملف حقوق الإنسان، ورسَّخت فكرة أن المرأة البحرينية شريك فاعل في التنمية وليست مجرد متلقٍ للقرارات أو المستفيد من السياسات.
كثيرًا ما أبهرتنا المرأة البحرينية من خلال توليها مناصب قيادية وتلقيها أوسمة وجوائز واعترافات دولية في جميع المجالات النادرة والتي يُنظر إليها في الكثير من المجتمعات على أنها حكر على الرجال، سواء في مجالات التكنولوجيا الحديثة أو الفضاء أو الذكاء الاصطناعي والروبوتات، وأنا مؤمن بأن الطريق أمام المرأة البحرينية ما يزال مفتوحًا لمزيد من الإنجازات، خاصةً في مجالات الاقتصاد الرقمي، والمجلس الأعلى للمرأة، بما يملكه من خبرات متراكمة ورؤية استراتيجية، سيكون الركيزة الأساسية في إعداد المرأة البحرينية لهذه المرحلة الجديدة، عبر تطوير المزيد من برامج التدريب، ودعم ريادة الأعمال النسائية، وتشجيع الانخراط في المجالات التقنية والعلمية المتقدمة.
ومن الجانب الاجتماعي، يبرز دور المجلس أيضًا في تعزيز الوعي المجتمعي بدور المرأة وقيمتها، فالمجتمع البحريني شهد خلال العقود الماضية تغيرات ثقافية كبيرة، تزامنت مع انفتاح عالمي متسارع، والمجلس من خلال برامجه التوعوية وحملاته الإعلامية، ساهم في بناء ثقافة جديدة قائمة على الشراكة بين الرجل والمرأة، وعلى ترسيخ قيم العدالة والمساواة التي تصون النسيج الاجتماعي البحريني.
إن استذكار الذكرى الرابعة والعشرين لتأسيس المجلس الأعلى للمرأة لا يقتصر على الاحتفال بالإنجازات التي تحققت، بل يمثّل أيضًا محطة لتجديد العزم والتفكير بالمستقبل، محطة نشارك فيها جميعًا، فالنجاحات التي تحققت حتى الآن تبعث على الفخر والاعتزاز، لكنها تضع على عاتق الجميع مسؤولية مضاعفة الجهود للمحافظة عليها وتطويرها.
تجربة المجلس الأعلى للمرأة خلال ما يقارب الربع قرن هي تجربة وطنية رائدة، تعكس إرادة سياسية واضحة ورؤية تنموية شاملة، وقد أصبح هذا المجلس مرجعًا رئيسيًا لكل ما يتعلق بقضايا المرأة في البحرين، ونجح في أن يحول المبادئ إلى سياسات، والسياسات إلى برامج ملموسة، والبرامج إلى نتائج واقعية نرى أثرها في الحياة اليومية، وما نراه اليوم من حضور لافت للمرأة البحرينية في كل الساحات ما هو إلا ثمرة لهذه المسيرة المتميزة.
وبينما نحتفي بهذه الذكرى المهمة، فإننا ننظر إلى المرأة البحرينية بكل فخر وسرور، فهي اليوم رمز للإرادة والنجاح عالميًا، وعنوان لقدرة البحرين على الجمع بين الأصالة والمعاصرة، وبين التمسك بالقيم والانفتاح على المستقبل.
