ما أجملها من رحلة

أنا مستقر في البحرين منذ نصف قرن تقريبا، الـ 25 سنة الأولى منها تحت كنف وبرعاية المغفور له بإذن الله تعالى صاحب العظمة الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة طيب الله ثراه، والـ 25 الأخرى تحت كنف وبرعاية خير خلف لخير سلف، حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظهُ الله ورعاه.

خلال هذه الأعوام الطويلة، كنت محظوظا جدا لكوني شاهد عيان عايشت عن قرب كل الإنجازات العظيمة التي تحققت، وكيف انتقلت البحرين إلى دولة عصرية حديثة، وبتنا ننافس الدول المتقدمة في المؤسسات وفصل السلطات والتعليم والصحة والتجارة والصناعة والبنية التحتية وغيرها الكثير.

ولا أنسى طبعا الحريات، والمسيرة الديمقراطية التي تتطور وفقا لمتطلبات المرحلة، والتي تستند إلى ركائز راسخة مستمدة من تاريخ وثقافة وقيم وأصالة البحرين والشعب البحرين، وهو ما ضمن لها التموضع والنمو والقبول من الجميع، وليست الديمقراطية المعلبة المستوردة التي قيل لنا إنها ستسهم في ازدهار دول لكنها أسفرت عن خرابها وتشريد وتجويع شعبها.

خلال الأعوام الـ 25 الماضية برزت مسيرة التنمية الشاملة التي شهدتها المملكة على مختلف الأصعدة، والتي قادها جلالة الملك المعظم وسط زخمٍ من الإنجازات الهامة التي تحققت تحت قيادتهِ برؤية حكيمة ورائدة، من بينها ميثاق العمل الوطني ودستور العام 2002 ومجلسي الشورى والنواب والمجلس الأعلى للمرأة وفصل السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية، وهو ما أسهم في تعزيز الأمن والاستقرار في البحرين، ومهد لتنمية دائمة ينعم بها الجميع.

ويستطيع القاصي والداني التأكد من أن الاقتصاد البحريني شهد قفزة نوعية خلال العقود الماضية، تمثلت في تنوّع مصادر الدخل، وزيادة مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي، وتحسين بيئة الأعمال، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتعزيز دور القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية.

ولعلّ أحد أهم الجوانب الرئيسية التي تمّ التركيز عليها من قبل جلالة الملك هو تعزيز الاستثمارات وتنويع قاعدة الاقتصاد البحريني، حيث تمَّ تطوير العديد من القطاعات الاقتصادية المختلفة مثل الخدمات المالية المبتكرة، وقطاع السياحة، واللوجستيات، والتكنولوجيا، والصناعات الثقافية، وقد أسهمَ هذا التنوع في جعل الاقتصاد البحريني أكثر مرونة وقدرة على مواجهة التحديات العالمية.

ولا يجب أن ننسى مسألة وضع تشريعات تعزّز المناخ الاستثماري في البحرين، وتقدّم الحوافز والتسهيلات للمستثمرين الداخليين والأجانب، وبفضل هذه الإجراءات، شهدت البحرين جذب استثمارات كبيرة من شركات عالمية كبرى ورجال الأعمال الناشئة، مما أدى إلى تعزيز قدرات الابتكار وخلق فرص عمل جديدة.

ولقد نجحت البحرين في أن تكون أول دولة خليجية تنوع اقتصادها بعيدا عن النفط، فنحن نريد لأبنائنا أن يعيشوا في نفس رغد العيش حتى وإن لم يكن هناك نفط، ولد تمّ تحقيق هذا الهدف بشكل كبير من خلال التركيز على تنمية القطاعات غير النفطية مثل السياحة والخدمات المالية والصناعية، وجذب الاستثمارات الأجنبية في هذه القطاعات، ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تلعب دوراً هاماً في تنويع الاقتصاد وزيادة الناتج المحلي الإجمالي.

مسيرة التنمية الشاملة ركزت على الإصلاحات الاقتصادية الهادفة لتحسين بيئة الأعمال في البحرين، مما جعلها وجهة جاذبة للمستثمرين الأجانب، وقد شملت هذه الإصلاحات تسهيل إجراءات تأسيس الشركات وتقليل المعوقات الإدارية، وتوفير البنية التحتية اللازمة مثل الكهرباء والمياه والطرق والمواصلات، وتطوير القوانين والتشريعات المتعلقة بالاستثمار، بالإضافة إلى جذب الاستثمارات الأجنبية.

وبالتوازي مع مسيرة العمل الحكومي، تمّ اعتماد رؤية استراتيجية تهدف إلى تعزيز دور القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية للبحرين، وبفضل هذا التوجه، شهدَ الاقتصاد البحريني تنوّعاً وتوسعاً ملحوظاً، حيث تمّ إتاحة الفرص للشركات الخاصة للمساهمة في تطوير القطاعات المختلفة، وشمل ذلك خصخصة في بعض جوانب القطاعات الاقتصادية الحيوية، مثل قطاع الاتصالات والطيران، بهدف زيادة الكفاءة وتعزيز المنافسة، وقد أثمرت هذه الخطوة عن تحسين جودة الخدمات المقدمة وتوفير فرص عمل جديدة للمواطنين.

بالإضافة إلى ذلك، قامت الحكومة بتقديم دعم مالي وحوافز للشركات الخاصة، بهدف تعزيز قدرتها على النمو والابتكار، وتمّ توفير التمويل والقروض بشروط ميسرة لتمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة من تحقيق نجاح مالي وتوسيع نطاق أعمالها.

لم يترك جلالة الملك المعظم أي قطاع من القطاعات الاقتصادية دون اهتمامه، فقد تمّ العمل على تعزيز السياحة في البحرين كقطاع اقتصادي مهم، وشهدت البحرين خلال الـ 25 سنة الماضية نهضة سياحية كبيرة، تمثلت في تنوع الفعاليات السياحية من مهرجانات ثقافية وفنية ورياضية إلى فعاليات ترفيهية وعائلية مثل جائزة البحرين الكبرى للفورمولا وان، مهرجان البحرين الدولي للموسيقى، ومعرض البحرين الدولي للطيران، وغيرها، مما ساهمَ في جذب السياح من مختلف أنحاء العالم من خلال الترويج للبحرين كوجهة سياحية مميزة، إضافة إلى الاستثمار في البنية التحتية السياحية مثل الفنادق والمنتجعات والمواقع السياحية.

ولا يفوتنا هنا التأكيد على أن سمو ولي العهد رئيس الوزراء الموقر يترجم بكل كفاءة واقتدار توجيهات جلالة الملك المعظم، من خلال منهجية برنامج الحكومة على ترسيخ مبادئ الاستدامة والتنافسية، والعدالة، لتنفيذ كافة برامج التطوير وفق أعلى المعايير في جميع مسارات العمل الوطني، وتعزيز مكانة مملكة البحرين في الريادة والابتكار في المجالات كافة، ومواصلة العمل بروح الفريق الواحد تحت شعار (حب التحدي وعشق الإنجاز)، وذلك بالتعاون البنّاء بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وبمواصلة تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص.

اليوبيل الفضي فرصة مواتية أمام الشعب البحريني المخلص الوفي ليجدد الشكر لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البلاد العظم حفظهُ الله ورعاه، على رؤيته الحكيمة وإدارته الفعالة للشؤون الاقتصادية في البحرين، فقد أسهمت جهوده وقيادته في تعزيز التنمية الشاملة وتحقيق نمو اقتصادي قوي، وخلق فرص عمل وتوفير مستقبل أفضل للمواطنين، كما يتطلعون إلى مستقبل مشرق يستند إلى الإنجازات الماضية، ونموذج للتنمية والازدهار في المنطقة.

نحن الآن لا نحتفل بالماضي بقدر ما نتطلع إلى المستقبل، ولقد أطلق جلالة الملك المعظم في العام 2008 رؤية البحرين 2030، والآن نحن مدعون جميعا للمساهمة في صياغة رؤية البحرين الاقتصادية 2050، لنؤكد لجلالة الملك المعظم، ولسمو ولي العهد رئيس الوزراء حفظه الله أننا على العهد باقون، وأننا لا ندخر جهدا للمساهمة في نهضة واستقرار وازدهار مملكة البحرين العزيزة.

بواسطة akmiknas

أضف تعليق