لنرسم معا مستقبل أطفانا وأحفادنا

تلقيت بسعادة وفخر نبأ توجيه صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله ورعاه للبدء بصياغة رؤية البحرين الاقتصادية 2050، في إطار التوجيهات السامية لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، وأتوقع أن تتحول البحرين خلال المرحلة القادمة إلى ورشة عمل لصياغة هذه الرؤية، تشارك فيها السلطة التشريعية والقضائية والتنفيذية وجمعيات المجتمع المدني، والأهم من ذلك كله: القطاع الخاص، لأن هذا القطاع برجاله وسيدات في صميم هذه الرؤية التي هي اقتصادية قبل كل شيء.

ويجب أن ندرك جميعا مسؤوليتنا في الاستجابة لدعوة سمو ولي العهد رئيس الوزراء في كتابة رؤية البحرين الاقتصادية 2050، لأن هذا الموضوع أمانة في أعناقنا، ومهم جدا لمستقبل أولادنا وأحفادنا، بل إن هذه الدعوة تشكل بمعنى أو بآخر أحد أوجه المشاركة الشعبية والديمقراطية المتجسدة في مملكة البحرين، والمعادلة هنا بسيطة: هذا مستقبلكم، شاركوا في رسم معالمه، وتحملوا مسؤولياتكم، واحصدوا ثمار جهودكم.

وهنا نقطة الأصالة ومربط الفرس، فعندما تنبع القرارات والخطط من الناس، وبالتشاركية معهم، فإنهم يصبحون أكثر حماسة لتنفيذيها، وتحقيق الأهداف الطموحة التي تحملها، لأنهم يشعرون أن هذه الخطة ملكهم، وبمعنى أدق هم حملة أسهم فيها، لذلك يصبح نجاح الخطة نجاحهم، وتعثرها لا سمح الله تعثرهم.

ولا ننسى أن أشقائنا في دول الخليج لديهم خططا وطنية طموحة أيضا، والمملكة العربية السعودية بدأت أصلا في رسم معالم ما بعد رؤية 2030 بعد أن حققت هذه الرؤية كثيرا من مستهدفاتها، وهذا في الواقع يشكل فرصة مواتية أمامنا للاستفادة من الخطط الوطنية الخليجية، وأن نكون جزءا منها، وأن نرسم خطتنا 2050 بالتوائم معها، والسبب بسيط، هو تشابه شكل الاقتصاد بين مختلف دول الخليج، اقتصاد يبحث عن الابتعاد عن النفط والوصول للرقمنة والحداثة، كما أن طموحات دول الخليج واحدة.

المهم أن نمتلك خطة تركز على الثوابت الوطنية من جهة، وفيها من المرونة ما يمكننا من مجاراة التغييرات الاقتصادية المتسارعة من حولنا من جهة أخرى، لنقل خطة أساسية وخطط تنفيذية، وأن نتمكن من العودة للخطة الأساسية ونطورها كلما اقتضى الأمر، خاصة وأن البحرين دولة صغيرة جغرافيا واقتصاديا، وهذا الصغر في كثير من الأحيان يكون ميزة، بحيث يمكنك تغيير الاتجاه بسهولة، وكأنك تقود قاربا صغيرا سريعا، وليس سفينة عملاقة كالتايتنك التي اصطدمت بالجليد رغم كل المحاولات التي بذلها طاقمها من أجل تغيير الاتجاه.

واعتقد أن رؤية البحرين الاقتصادية 2050 هي خير ترجمة صادقة لاستعدادات مملكة البحرين للمستقبل، والتي تتواصل وفق فكر استباقي ومنظومة عمل متكاملة، بهدف توفير المقومات والعوامل اللازمة لاستمرار المسيرة التنموية الشاملة، هذه المسيرة المضيئة والحافلة بالأحداث والمهام الكبيرة والإنجازات، على الرغم من المتغيرات والتطورات الإقليمية والعالمية، وهي خطة متكاملة ومحكمة لتحقيق آمال وتطلعات المواطن البحريني، واستمرار وطن العطاء ومسيرة التقدم والازدهار على مختلف المستويات والصعد كافة.

هذه الرؤية تعكس طموحات وتطلعات المجتمع البحريني ككل، والحرص على تحقيق كل ما هو أفضل لحاضر ومستقبل الوطن وكافة مواطنيه، وتنطلق من خلال شراكة مجتمعية شاملة، تضم الحكومة، والقطاع الخاص والسلطة التشريعية والجمعيات المهنية ومؤسسات المجتمع المدني وشركاء التنمية كافة، وهو ما يؤكد لنا اهتمام الحكومة بإشراك القطاع الخاص، واعتباره جزءًا مهما من استراتيجيات التنمية الاقتصادية للبلاد، وأن لديه من الرؤى والإمكانيات والطاقات ما يؤهله للمشاركة بفاعلية في صياغة السياسات الاقتصادية الحالية والمستقبلية، وما يؤهله لتبني استراتيجيات جديدة تتوافق مع رؤية المملكة الجديدة.

ولا شك في أن صياغة رؤية البحرين الاقتصادية 2050 تمنحنا نظرة أكثر وضوحًا على صورة المستقبل وما يحمله، فهي تعبر عن الجهود التي تبذلها الحكومة الموقرة لتحقيق تطلعات القطاعات والمضي قدمًا في مسيرة التنمية والازدهار، إنها فرصة للعالم أن يعرف ويدرك حجم الجهود التي تبذلها القيادة الرشيدة في البحرين من أجل تحقيق التقدم والتنمية المستدامة على المستوى العالمي، وبفضل التزام الحكومة الجلي في هذه الرؤية بالتحول الاقتصادي والتنمية المتوازنة، ستتمكن البحرين من بناء مستقبل قوي ومزدهر، وستشهد تنوعًا اقتصاديًا مستدامًا، وستشكل كذلك هذه الرؤية إطارًا استراتيجيًا يوجه الاستثمارات ويعزز الشراكات بين القطاع العام والخاص، مما يفتح آفاقًا جديدة للنمو والتطور.

وبفضل النهج الحكيم الذي تعتمده الحكومة الموقرة، فقد تحققت العديد من مكامن رؤية البحرين 2030 لتحقيق مستقبل أفضل وحياة أسعد وأجمل للجميع على أراضي المملكة، وبفضل استمرارية الإبداع والإنتاج في جميع المجالات، ومع توجيهات جلالة الملك المعظم التي تضيء الطريق أمامنا وتوجّهنا، وكلنا أمل أن هذه الرؤية الجديدة ستفتح آفاقًا واسعة للبناء على ما تم إنجازه، وتطوير قطاعات جديدة وناشئة، مثل التكنولوجيا والابتكار وريادة الأعمال والسياحة والطاقة المتجددة، بما يعزز التنوع الاقتصادي ويقلل من اعتماد المملكة على القطاعات النفطية، والقطاع الخاص البحريني يمتلك بالفعل الكفاءة والمرونة اللازمة للمساهمة الفاعلة في تحقيق هذه الرؤية الاقتصادية الطموحة والدفع بها نحو مستويات أرحب.

نحن متفائلون جداً بهذه الرؤية الحكيمة، ودورها في استمرار السير ضمن مسيرة الخير والازدهار والنهضة المباركة لمملكة البحرين، برؤى استشرافية لمستقبل أكثر ازدهاراً ونماءً، وتوسيع دور القطاع الخاص كشريك رئيسي ومؤثر في كل خطط التنمية الاقتصادية المستدامة وتشجيعه على القيام بواجباته ومسئولياته تجاه المجتمع، وحث الجميع من أفراد وشركات على العمل على كل ما من شأنه تحقيق صالح الوطن وتحقيق الخير والنماء للمواطنين، والمساهمة في بناء نهضة تنموية واقتصادية شاملة في المستقبل القريب.

ونحن جاهزون ومستعدون للاستثمار في الإمكانات والقدرات والابتكار وتطوير المهارات وتبني أفضل الممارسات العالمية تحقيقاً لهذه الرؤية، من خلال العمل بروح الشراكة والتعاون والفريق الواحد من أجل الوصول إلى مراحل أعلى من التقدم في مجمل القطاعات في المملكة، وتحقيق كل ما هو أفضل حاضرًا ومستقبلًا للوطن، ونتطلع لتفعيل دورنا في القطاع الخاص لنكون شريكاً أساسياً في نجاحات وإنجازات مملكتنا الغالية وجعلها موطن الريادة والإنجاز وواحة الأمان والتعايش.

بواسطة akmiknas

أضف تعليق