ما أجمل التكريم

مساءٌ جميل لم أتمكن من حضوره مع الأسف. مساءٌ حظيت به بالتكريم من قبل الجمعية الدولية للإعلان IAA في لبنان، أنا وعدة شخصيات لبنانية لديها تاريخ حافل في مختلف مجالات صناعة الإعلان بما فيها الوكالات والمؤسسات الإعلامية والمعلنين والمؤسسات الأكاديمية.

التكريم الذي تم في حفل ضخم في العاصمة بيروت كان محصورا بالأفراد الذين تمتد حياتهم المهنية في صناعة الإعلان لـ 35 عامًا على الأقل والذين قدموا مساهمات كبيرة في تطوير وسمعته الإعلانية داخل لبنان أو الشرق الأوسط، وجاء هذه المرة تحت اسم “قاعة المشاهير Hall Fame”، وهو الأول من نوعه في مبادرة سنوية تهدف تكريم والاحتفال بالشخصيات الأسطورية التي لعبت دورًا رائدًا في تشكيل وتطوير صناعة الإعلان والإعلام في لبنان والشرق الأوسط.

لقد قارب عمري المهني الآن على الـ 60 عاما تقريبا، بدأتها في بيروت، وانتقلت إلى دبي بعد الحرب الأهلية في لبنان، ثم البحرين في العام 1976. كنت انتقل بشخصي، لكني أحافظ على أعمالي قائمة تنمو وتتوسع، حتى وصلت اليوم لبناء شركة قابضة “بروموسِفِن” التي تملك نحو أربعين شركة، أحبها وأقربها إلى قلبي هي شركة التواصل التسويقي “MCN” التي تملك حاليا مكاتب في كل الدول العربية ومعظم دول المنطقة والعالم.

في العام 2000 قررت الخروج من مضمار صناعة الإعلان إلى مضمار صناعات أخرى من بينها الضيافة والعقار. في الواقع أنا لم أفقد قدرتي على الجري، لكني شعرت أنه آن الأوان لتسليم الراية إلى الجيل الجديد من الرياديين في الشركة الذين استقطبتهم وتأكدت أنهم على قدر الكفاءة والأمانة في مواصلة المسيرة وتحقيق التوسع والنجاح، ولقد كان رهاني عليهم في مكانه، وهم الآن يحققون ما هو أكثر من تطلعاتي وتطلعات الموظفين والعملاء والأسواق منهم.

التكريم ليس هدية تهبط من السماء، بل أزهار تصعد من الأرض، تسقى بالعرق والجهد والمثابرة والابتكار، وفي الواقع لا زلت أتذكر البدايات، البدايات الصعبة جدا، لا زلت مثلا أذكر محاولاتي تعريف السوق السعودي على صناعة الإعلان في سبعينات القرن الماضي، حيث كانت إعلانات كريمات الجسم والشعر مثلا من المحرمات التي يمنع عرضها في التلفزيون، فابتكرت مع صديق لي طريقة أخرى تقوم على تقديم هذه الإعلانات للجمهور عن طريق إعلانات تتضمنها أفلام الفيديو المستأجرة، والتي كانت تقريبا مصدر الترفيه الوحيد للناس حينها.

بمرور الوقت توسعت أعمالنا، وأستطيع القول بثقة إن معظم العلامات التجارية الكبرى في العالم عملت معنا لتطوير وإرسال رسائلها الإعلانية بطريقة يتقبلها وينجذب إليها المستهلك المحلي، ونجاحنا في ذلك جعل الشركات تتهافت للعمل معنا، وقد ربحنا الكثير من الجوائز لأننا استطعنا توصيل هذه الرسائل رغم كل التحديات.

لقد ذكرت سابقا أنه في السنوات الأخيرة، هوت كثير من شركات الصف الأول حول العالم بعد كشف ممارساتها الضارة بالبيئة مثلا، أو انتهاجها أعمال غير أخلاقية أو انتهاكها حقوق العمال، لذلك يجب التركيز على استراتيجية ترويجية طويلة الأجل تتماشى مع مبادئ وأخلاقيات الشركة التي يجب وضعها عند التأسيس، وذلك لتعزيز وضعها أمام المنافسين وتلافي أية عقبات سلبية تتعلق بالسمعة مستقبلا.

لذلك يجب على المعلنين مراعاة ذلك إلى أقصى درجة، من حقهم التركيز على تحقيق أقصى قدر من المبيعات عبر انتاج إعلان تلفزيوني لثلاثين ثانية، لكن مع التركيز أيضا وبذات القدر من الاهتمام على وضع هذا الإعلان ضمن الأطر الأخلاقية المستدامة للشركة، والتي يجب أن تظهر وتكرَّس في كل مرة تخرج فيها إلى الجمهور، وعندما يستطيع المعلنون تضمين مثل تلك الرسائل في حملات ترويجية بين شرائح المستهلكين، تبدأ سمعة المنتج بخلق الزخم من تلقاء نفسها، وهذا ما يضطر الشركات المنافسة لاعتماد رسائل ذات قيم أخلاقية مستدامة أكثر، وهذا ما يعود بالخير على المجتمع ككل وليس على زيادة المبيعات والأرباح فقط.

والتسويق الفعال يجب أن يعتمد حوارا مستمرا مع العملاء، والعنصر الرئيسي في هذه العلاقة هو رفع مستوى الوعي باستراتيجية الاستدامة لدى الشركة، وتثقيف الشرائح الواسعة من المجتمع عبر الصحفيين ذوي النفوذ والخبراء وقادة الرأي حول التزامات الشركة الأخلاقية ومبادئها، ولم يكن أبدا مفهوم العلامة التجارية مهما كما هو الآن، ويجب على الشركات التفكير وفقا لاستراتيجية طويلة الأمد لتحقيق أقصى قدر من التأثير والمصداقية للعلامتها التجارية، ويجب أن يصبح نهج الشركة تجاه الاستدامة جزءا لا يتجزأ من إدارة سمعة تلك العلامة التجارية.

وأؤكد هنا على كلام السيد ناجي بولس، رئيس فرع IAA في لبنان، والشخص الذي يقف وراء مبادرة التكريم، بشأن الدور الذي لعبه ولا زال يلعبه العاملون اللبنانيون في مجال الإعلان في سد الفجوة بين الأسواق الغربية والعربية، حيث لم تقتصر خبرتهم على دفع العلامات التجارية فحسب، بل حققت نجاحًا غير مسبوق، وأثرت أيضًا بشكل كبير على سلوك المستهلك واتجاهات الصناعة على المستوى الإقليمي. كم أناس فخور بهذا التكريم في لبنان، البلد الذي انطلقت منه للعالم، وأشكر جميع القائمين عليه، وفي الواقع لطالما كان محترفو الإعلان اللبنانيون روادًا ومبتكرين في تشكيل المشهد الإعلاني، ليس فقط في لبنان ولكن في جميع أنحاء المنطقة، وفي دول الخليج بشكل خاص، ولقد كان لتألقهم الإبداعي واستراتيجياتهم المبتكرة ورؤاهم الثقافية العميقة دور محوري في إنشاء وكالات إعلانية ناجحة وإطلاق حملات إبداعية يتردد صداقها في الآفاق

بواسطة akmiknas

أضف تعليق