ما أبشعها من كلمة

يقول نيلسون مانديلا: «ليس حرًا من يهان أمامه إنسان ولا يشعر بالإهانة»، وأنا شخصيًا أعتقد أن أي إنسان سوي، يتحلى بالمروءة والأخلاق والشعور بالآخرين، يتألم -على أقل تقدير- عندما يرى إنسانًا مثله في أي مكان بهذا العالم يعاني، سواء من الجوع أو الفقر أو المرض أو الجهل أو الاضطهاد.
ونحن نرى أن الإنسان يجتهد غالبًا لسنوات طويلة في التعليم، ثم العمل، وربما يضحي بالغالي والنفيس بما في ذلك صحته في رحلته نحو جمع الثروة، أو على الأقل يسعى لتوفير مبلغ من المال يعتاش منه أو راتب تقاعدي عندما لا يصبح قادرًا على العمل كما كان، فما الهدف من وراء ذلك كله؟ إنه ببساطة الحرص على العيش بكرامة.


الكرامة هي عكس الاضطهاد، هذه الكلمة البشعة، والشعور المقيت، والتي تتخذ صورًا مختلفة، من بينها الاضطهاد الديني، والعرقي، والذي يسفر عاجلاً أو آجلاً عن صدامات دموية، لأن المضطهدين، شعوبًا كانوا أو أفرادًا، لن يوفروا أي فرصة للثأر، والحصول على حقوقهم، بل والذهاب أبعد من ذلك من خلال القضاء المبرم على من اضطهدهم، وهناك قصص كثيرة لعبيد قتلوا أسيادهم، وشعوب قدمت تضحيات كبيرة حتى طردت المستعمرين.
ومن أخطر أنواع التعصب في الاضطهاد هو التعصب القومي أو التعصب الديني الذي تمارسه بعض الأنظمة والجماعات وتشجع الآخرين على مخالفة القوانين ومخالفة الديانات السماوية والقيم الإنسانية النبيلة ومخالفة التسامح والاعتراف بحقوق الإنسان، مما يجعل هذا المجتمع لا يعيش في سلام، فالتعصب يجعل الإنسان غير مستقر حيث يحظر التعصب حرية العبادة أو الاختيار بسبب عدم اعتراف الشخص الآخر بها.
بل أنا أعتبر أنه حتى التعصب لرأي ما هو شكل من أشكال الاضطهاد تجاه الآخرين، فلا يجب أن ننحاز لجماعة معينة بشكل أعمى وننغلق على مبادئها ونتعصب من أجلها، لأن هذا التعصب ربما يسفر عن عواقب وخيمة. إنه كالنار تحت الرماد، ما أن تهب ريح فتنة حتى تشتعل وتحرق الأخضر واليابس.
لقد تواصلت مع صديق لي في غزة قبل أن يحدث ما حدث، قال لي: أنا لم أعد إنسانًا، أرى الذل والمهانة كل دقيقة، وفي كل ما يحيط بي، لست قادرًا على توفير حياة كريمة، ولست قادرًا على الاطمئنان على مستقبل عائلتي، لا أنا كفرد، ولا الفلسطينيين في غزة كمجموعة.
في الواقع، الفلسطينيون لا يتعرضون لاضطهاد عرقي فقط، بل اضطهاد ديني أيضًا، وهو الأخطر والأعنف، وهذا الاضطهاد يطالنا نحن أيضا كمسلمين، ومن الأمثلة البارزة على ذلك اقتحامات المستوطنين المتكررة للمسجد الأقصى وسط حماية الشرطة الإسرائيلية التي تدخل لا تتوانى عن الدخول بأحذيتها وكلابها إلى المسجد.
هل تعتقد أن ما يمكن تسميته بالاضطهاد اليهودي يتم ممارسته بحق الفلسطينيين المسلمين فقط؟ اسمح لي أن أقول لك إنك مخطئ، ويمكن هنا التذكير بأن مجلس الكنائس العالمي في القدس انتقد الاضطهاد الذي يتعرض له المسيحيون من قبل جماعات إسرائيلية متطرفة وصمت الحكومة الإسرائيلية إزاء ذلك، وقد جاء ذل ردا على «بصق» متطرفين إسرائيليين على الأرض أثناء خروج مسيحيين وهم يحملون الصليب من كنيسة بالبلدة القديمة في القدس.
ومن أشكال الاضطهاد الذي يتعرض له الفلسطينيون الإبعاد القسري ونزع الملية، وعزلهم في مناطق مفصلة، وحرمانهم من الحق في مغادرة الوطن والعودة إليه، والسلطات الإسرائيلية تعمد على الدوام على نزع ممتلكات الفلسطينيين، وإخضاعهم، وعزلهم، وفصلهم قسرًا بحكم هويتهم، وحتى تقارير منظمات حقوق الإنسان أكدت أن هذا الحرمان شديدًا إلى درجة أنه يرقى إلى مستوى الفصل العنصري والاضطهاد، وهما جريمتان ضدّ الإنسانية.
الاضطهاد في إسرائيل لغير الإسرائيليين أو اليهود ممنهج، ويكفي أن نشير إلى أن «الكنيست» الإسرائيلي أقر قبل نحو خمس سنوات قانونًا ذا مكانة دستورية أكّد أن إسرائيل «دولة قومية للشعب اليهودي»، وأعلن أن حق تقرير المصير داخل تلك المنطقة «خاص بالشعب اليهودي»، واعتبر «الاستيطان اليهودي» قيمة وطنية.
هنا يجب القول إنه لا يمكن تخدير الشعوب المناصرة للقضية الفلسطينية من خلال القول إن الاحتلال الإسرائيلي مؤقت، وأن «عملية السلام» ستضع حدًا للانتهاكات الإسرائيلية قريبًا، وأن الفلسطينيين يتحكمون حقًا في حياتهم في الضفة الغربية وغزة، وأنّ إسرائيل ديمقراطية قائمة على المساواة داخل حدودها.
أعتقد أنه بإمكان الجميع التعلم من التجربة البحرينية في التعايش والتسامح وتقبل الآخر بعيدًا عن الاضطهاد والكراهية، فنحن بحمد لله في مملكة البحرين وبتوجيهات جلالة الملك المعظم أصبحنا معروفين في العالم بأننا من بين أكثر البلدان تسامحا، حيث إن قبول الآخر وتفهم وجوده ومعتقداته ينبع من الثقافة والعلم، ومن وعي وتقدم ورقي الشعب، ووجود قيادة تحرص على ترسيخ كل ذلك، والبحرين هي جزء من نسيج الخليج العربي ككل، الذي يسوده السلام والأمن، ولا بد من الإشارة هنا أيضا إلى المملكة العربية السعودية التي تحرص كل الحرص على تكريس مبادئ المساواة في الحقوق والواجبات بين الجميع.
في الواقع لن تستطيع إسرائيل القضاء على الفلسطينيين بقوة السلاح، لذلك على قادتها أن يدركوا أهمية التعايش بدل الظلم والحروب، ورسالتي لإسرائيل التي تصالحنا معنا، بأن تتصالح معنا، وتحترمنا ولا تتعالى علينا، وفي العديد من المرات قال لي إسرائيليون اجتمعت معهم بالصدفة بأنهم الأعلم والأفضل، فقلت لهم هل تعتقدون أنني الأغبى والعبيد لكم؟ تقريبًا قالوا نعم بشكل أو بآخر. قلت لهم إنكم لستم شعب الله المختار، الله سبحانه وتعالى خلق الجميع، ولا يمكن أن يميز خلقًا عن آخر.
لقد شاهدت تسجيلاً ليهودي ولد في بغداد في أربعيانات القرن الماضي وعاش فيها سنوات طويلة من عمره، قال إنه لم يكن يشعر بالتفرقة والظلم التي يشعر بها عندما انتقل للعيش في الغرب ثم في إسرائيل، ولا شك أن قصة هذا اليهودي يجب أن تلهمنا جميعًا لاستعادة تلك الأيام التي كان الجميع يعيشون فيها بإخاء ومحبة، لا همَّ لهم سوى مزيد من التنمية، وجعل اليوم أفضل من الأمس، والغد أفضل من اليوم.

بواسطة akmiknas

أضف تعليق