في خدمة الوطن

كان لي شرفا كبيرا تكريمي من قبل معالي الفريق أول معالي الشيخ راشد بن عبداالله آل خليفة وزير الداخلية خلال الحفل الذي أقامته الإدارة العامة لتنفيذ الأحكام والعقوبات البديلة، بمناسبة تخريج الدفعة الأولى من المستفيدين من برنامج السجون المفتوحة، هذا البرنامج الذي يعد إحدى ثمار النهج الإنساني والحضاري الذي أرسى ثوابته حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، من خلال سن التشريعات والقوانين الحديثة، التي جعلت مملكة البحرين اليوم نموذجًا متكاملًا يحتذى بها في تعزيز وحماية حقوق الإنسان.


وكم هو جميل أن نرى وزارة الداخلية المعروف عنها ببعض البلدان بأنها وزارة عقاب وقد أصبحت في البحرين وزارة الإرشاد والنصح والتصحيح والتنبيه، ولا بد من التوقف عند دلالة الحضور الشخصي لمعالي وزير الداخلية لتخريج الدفعة الأولى من المستفيدين من برنامج السجون المفتوحة في رسالة مؤداها التأكيد على حرص الوزارة على تنفيذ برنامج السجون المفتوحة بعزم وإصرار، وعلى الاحتفاء بمنجزات هذا البرنامج مرحلة تلو الأخرى، حيث إن التدابير العقابية الحديثة التي تكرسها مملكة البحرين ترتكز على قيم الإنسانية ومبادئ التسامح وتفتح للمحكوم عليه أبواباً جديدة من الأمل بإمكانية البدء مُجدداً في مجتمع يتقبله ويحتويه بعد أن تم إصلاحه وإعداده ليكون عضواً فاعلاً وعنصر بناء في المجتمع.


ولقد عملت على دعم هذا البرنامج انطلاقا من قناعتي الراسخة بأهميته على جميع الأصعدة، وفي الدرجة الأولى بالنسبة للمحكومين أنفسهم، فأنا أؤمن أن الإنسان يولد وهو محب للخير، ولنا في براءة الطفولة أكبر برهان على ذلك، لكن ظروفا معينا قد تجرف البعض إلى طريق الخطأ، طريق ارتكاب جناية من نوع ما يسيء فيها للآخرين ولمجتمعه ولوطنه، ولنفسه قبل كل شيء، لذلك رأيت هذا البرنامج وكأنك تخلق إنسانا جديدا صالحا.


وكان حضوري هذا الحفل فرصة لي تعرفت خلالها عن قرب على أهداف برنامج السجون المفتوحة، كمشروع حضاري وإنساني يمثل واجهة مضيئة لحقوق الإنسان في مملكة البحرين ونموذجا مشرفا لتحقيق أهداف منظومة العدالة الجنائية، كما لا بد لي من الإشادة بالأداء المهني للإدارة العامة لتنفيذ الأحكام والعقوبات البديلة والقائمين على البرنامج من خلال تطوير البرامج التأهيلية وتعزيز التعاون مع المؤسسات المجتمعية، ودورها في تأهيل وتدريب المستفيدين متوسطي وشديدي الخطورة بشكل أفضل وفق أعلى المعايير الدولية لإعادة دمجهم في المجتمع، الأمر الذي يجعل مملكة البحرين نموذجا يحتذى به في مجال حقوق الإنسان.


وقد التقيت بالفعل في أروقة الحفل بعدد من خريجي البرنامج الذين يستعدون للعودة إلى حياتهم الطبيعية بعد تدريبهم ووضعهم على المسار الصحيح، وشعرت بهم نسيان الماضي، وطموح كبير لبدء صفحة جديدة من العطاء لعائلاتهم ومجتمعهم، فالوقوع في الخطأ ليس نهاية المطاف بل بالإمكان النهوض مرة أخرى والاستفادة من الأخطاء السابقة وتصحيحها، وسمعت منهم كلاما حول عزمهم المساهمة في بناء الوطن بعد أن أُعطيت لهم فرصة العودة إلى الطريق القويم والاندماج في المجتمع والمشاركة الايجابية من خلال الفعاليات والأنشطة التي تعزز من قيم المواطنة وإقامة المشاريع والاندماج في سوق العمل.


ولا شك برنامج السجون المفتوحة نقلة نوعية في تطبيق العقوبات والتدابير البديلة، خاصة وأنه البرنامج الأول من نوعه على مستوى منطقة الشرق الأوسط وبذلك يؤكد الريادة البحرينية في هذا المجال، ويمثل تطورا نوعيا في تطبيق السياسة العقابية في مملكة البحرين، ونهوضها بدور المؤسسات العقابية من أجل إعادة تأهيل المحكومين وإدماجهم في المجتمع وإعادتهم إلى جادة الصواب كمواطنين صالحين قادرين على خدمة وطنهم، وبما يعزز الأمن المجتمعي.


وبينما كنت أحضر الحفل، كنت أفكر أيضا في العطاء الذي نقدمه جميعا من أجل الوطن، لكنه عطاء مهما بلغ حجمه لا يقارن بعطاء الشهيد، الذي قدم روحه فداء للوطن وللذود عنه، ذلك بعد أن قدمت البحرين أربعة شهداء خلال الهجوم الحوثي الأخير الغادر على الحد الجنوبي في المملكة العربية السعودية. لقد اختبار شهداء البحرين أن يحموا الوطن ويدافعوا عنه، تلك هي قناعاتهم وهدفهم الوطني السامي، في سبيل الوطن ودفاعاً عن الأرض وعن الدين والشرف والعرض والمال وعن استقرار المجتمع.


لقد أكد حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم أن كل شهيد من هؤلاء الأبطال هو شهيد لكل بيت بحريني، وأن أسر الشهداء ضربوا أروع الأمثلة في حب الوطن بثباتهم ووطنيتهم العالية، كما كان التشيع المهيب للشهداء خير دليل على حب وإخلاص وتفاني جميع أهل البحرين.


كل ذلك في سبيل الوطن، الوطن الذي يشعر فيه الإنسان بالأمان، والانتماء، والغد الأفضل، بغض النظر عن مكان مولده، الوطن هو أوسع من مجرد مكان، إن الوطن علاقة بين الجغرافيا والتاريخ، الوطن هو الحضارة وإبداع الإنسان عبر القرون، كما أنه عبارة عن مشاعر، ومن يعرف المعنى الحقيقى للوطن يتولد فيه الانتماء إليه، وتتولد عنده طاقة إيجابية تحثه على العمل والإنتاج والتفاؤل.
هناك أنواع كثيرة ومتعدّدة من الحب، مثال حبّ الأم لابنها، والحبيب لحبيبته، والزوج لزوجته، والطفل للعبته، والطالب لمعلمه، والفارس لفرسه، والموسيقي لآلته، والطبيب لأدواته، والتشكيلي لألوانه ولوحته، والمسافر للعودة والحنين إلى وطنه.. فأنواع الحب كثيرة، وإذا ما حاولنا أن نقف عند مفهوم حبّ الوطن فربما يعتبر أساس كل ذلك الحب، لأنه بدون وطن لن يكون لأي شيء آخر معنى.


إن المواطنة يا أصدقائي هي أن تعرف قيمة الوطن، وأن نكون مستعدين للقيام بواجباتنا تجاهه، إنه ليس كلمة جوفاء من ثلاث أحرف، ونحن لا نعلم قيمة الوطن إلا عندما نفقده ونصبح لا سمح الله مهجرين، إنه المظلة الكبرى التي تحمي كل منها، وتخلق لنا الأمن ثم الأمن ثم الأمن.


وما أجمله أن نرى في البحرين وقد التحمت قوة الدفاع وقوة الداخلية وهما يتجهان بقيادة ورؤية وضعها جلالة الملك لهاتين المؤسستين الأكثر أهمية في كل بلد، لحماية الناس من شر أشرار الداخل، وأعداء الخارج، وكل الشكر والتقدير لجهود قادة هاتين المؤسستين وجميع منتسبيهما، فوجدهما وجهودهما نرى وطننا البحرين آمنا مستقرا ننعم فيه جميعا بالرخاء والازدهار.

بواسطة akmiknas

أضف تعليق