سلمت يا سلمان

ليست لدينا في البحرين موارد بحجم ما لدى جيراننا، لكن لدينا المورد الأهم الذي لا ينضب، وهو العنصر البشري «المحب للتحدي والعاشق للانجاز»، كما وصفه صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي والعهد رئيس الوزراء حفظه الله.

حبّ التحدي وعشق الإنجاز صفة متجذرة في البحريني منذ قديم الزمن، والشواهد كثيرة وكثيرة جدًا على ذلك: القلاع والأسواق والغوص وتجارة اللؤلؤ والتقدم الصناعي والمصرفي والنتاج الفني والفكري والأدبي ما هي إلا شواهد على ذلك، وأنا في الواقع كان لي الشرف والفخر بأني تعاملت على مدى أكثر من خمسين عامًا مع شخصيات بحرينية فذّة قدّمت وتقدم الكثير لنفسها ولقيادتها ووطنها والإنسانية جمعاء.

وفي الآونة الأخيرة كان لي شرف التعرف والتعامل على سيدة بحرينية لا زلات في مقتبل العمر، لكنها لديها الكثير الكثير من «حب التحدي وعشق الإنجاز»، والثقة بالنفس والخبرة والقدرة على تحمل المسؤولية، وشحن من يعمل ويتعامل معها بطاقة إيجابية كبيرة، ورؤية واضحة حول أين نحن، وأين يجب أن نكون.

عن وزيرة السياحة، الأخت العزيزة والبنت الغالية فاطمة الصيرفي أتكلم، والتي استطاعت أولاً أن تحظى بثقة قيادتنا عندما جرى تعيينها وزيرة للسياحة، واستطاعت ثانيًا أن تثبت أنها أهل لهذه الثقة والمسؤولية الوطنية الكبيرة، وثالثًا أن تضع الأسس السليمة للعمل داخل الوزارة التي أنشأتها الحكومة بعد فصلها عن وزارة الصناعة والتجارة.

نصل إلى رابعًا، وهو الأهم، وهو مناسبة كتابتي لهذا المقال، وهو أن الوزيرة الصيرفي التي تجلس على رأس الهرم التنفيذي الخاص بصناعة السياحة والمعارض في البحرين ويقع على عاتقها كل ما يتطلبه منصبها من مهام عمل يومي وأسبوعي وسنوي ندرك بعضها ونجهل بعضها الآخر، لم تنسى أنها زوجة وأن من مسؤولياتها أيضا بناء أسرة صالحة.

هل من السهل على امرأة أن تحمل وتلد وهي في منصب وزيرة؟ أنا أعرف جيدًا أن فاطمة الوزيرة ظلت تعمل حتى ما قبل ولادتها بأيام، وأن فاطمة الأم تتابع عملها من المستشفى بعد ولادتها، ومن المنزل حاليًا، حيث تمضي إجازة أمومة لا اعتقد أنها طويلة.

مجلس الوزراء في جلسته قبل فتر برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد حفظه الله، تمنى للوزيرة الصيرفي التي كانت حينها حاضرة بالجلسة بإجازة أمومة سعيدة، والأهم من ذلك أنه تم نشر هذه المعلومة في الصحف، وتناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا أمر يدل على مدى تحضر قيادتنا حفظهم الله وإيلاء المرأة البحرينية كل الرعاية والاهتمام، ويعكس أيضا تقدير الحكومة الموقرة لانجازات وعطاء الوزيرة الصيرفي.

لدى معلومة مؤكدة أن وزيرة السياحة في مملكة البحرين، فاطمة الصيرفي، هي أول وزيرة على مستوى الشرق الأوسط تحمل وتضع مولودًا وهي في المنصب، وهذا أيضًا انجاز تسجله البحرين في أن نسائها يثقن بأنهن بإمكانهن القيام بواجبات الأسرة والأمومة من جهة، والمحافظة على ثقة صاحب القرار والرأي العام بهن في الوقت ذاته.

ولقد وضع جلالة الملك المعظم ثقته في المرأة البحرينية وبقدرتها على تسريع خطى التنمية والازدهار الوطني المنشود في مملكة البحرين، وكان ذلك واضحًا وجليًا بإنشاء جلالته للمجلس الأعلى للمرأة برئاسة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة جلالته حفظها الله، والذي كان العامل الأهم والأبرز في تسريع وتيرة عطاء المرأة البحرينية.

فمما لا شك فيه أن البيئة المتقدمة التي تحظى بها المرأة البحرينية على مختلف المستويات وفي جميع المجلات هي نتاج لتراكمات حضارية ثقافية وتاريخية لأجيال متعاقبة من النساء البحرينيات الرائدات، لكن وجود مؤسسة المجلس الأعلى للمرأة مهد الطريق أمام كل فتاة بحرينية لتحقق ذاتها وتسهم أكثر في تنمية وطنها، خاصة وأن المجلس يتبنّى استراتيجية وطنية واضحة، ونجح في بناء نموذج وطني بحريني لدعم وتقدم المرأة البحرينية، وبات هذا النموذج يحظى باهتمام إقليمي وعالمي.

وأنا أكرر دائما أني لا أقول ذلك من موقع المتابع عن بُعد، بل عن خبرة ودراية لعقود طويلة في الدور الحاسم والأساسي في نهضة الأمم وحضارتها، هذا الدور الذي يبدأ من تنشئتها لأسرة صالحة، فكما يقال: المرأة تلد نصف المجتمع وتربي كل المجتمع، فهي حجر الأساس الذي تُبنى عليه كل خطط التنمية المستقبلية، وعندما تصلح يصلح المجتمع كله وتنطلق الأمة إلى مستقبل أكثر رغدًا ورفاهيةً وأمنًا واستقرارًا وازدهارًا.

هذه الدراية والخبرة تكونت لدي، وأنا طفل صغير، رأيتها في وجه أمي رحمها الله، والتي زرعت في داخلي بذرة ما أنا عليه الآن، ورغم أنها توفيت وأنا في سن المراهقة، إلا أنني لا زلت حتى اليوم أنهل من حنانها، بل أتحدث إليها أحيانًا، واستشيرها وأشعر أن روحها تلهمني قراراتي وتوجهاتي المستقبلية. ومن خلال أمي أدرك أن صلاح المرأة وتحررها العقلي والفكري والثقافي يجعلها تُنشئ عائلة تسهم إيجابًا في تنمية ورقي المجتمع.

أعتز بأختَيّ أيضًا، بارعة وأمل، وبناتهن بمن فيهن أمل علم الدين كلوني، المحامية الدولية الشهيرة، وبزوجتَي أولادي، اللتين يحققن النجاح تلو النجاح في مجالات كثيرة، وغيرهن في محيط عائلتي وعملي، أفخر بهن جميعًا، وأرى أن الحياة تبتسم عندما يبتسمن، وأشعر بأني مطمئن أكثر على المستقبل لأن فيه أشخاصًا مثلهن.

والصيرفي تمثل جيل الشابات البحرينيات بنات وأحفاد سيدات لم يكن يومًا رهنية العادات والتقاليد والثقافات البالية، بل منذ أيام الغوص عندما كان الرجل يذهب لأشهر في رحلة غوص بعرض البحر، تتولى المرأة خلالها ليس مسؤولية رعاية الأبناء والقيام بالأعباء المنزلية، وتخرج أيضا للعمل في الزراعة وتذهب للأسواق وتقوم بكل ما يقوم به الرجل من أعمال، وما والسيدات البحرينيات الناجحات اللواتي نراهن اليوم هن أحفاد تلك النساء الشجاعات متفتحات الذهن، المتمسكات بالعادات البحرينية الأصيلة دون أن تحد من قدرتهن على العمل والإنتاج.

أهنئ سعادة الوزيرة الصيرفي، التي اختارت أن تسمي مولودها البكر «سلمان»، ويا زين الاختيار، سائلاً المولى عز وجل أن يبارك فيه، ويجعله بارًا بوالديه ووطنه، سائرًا على درب والديه وقيادته في العمل بإخلاص والتفاني في العطاء.

بواسطة akmiknas

أضف تعليق