المرأة هي الأساس

بمناسبة احتفاءِ مملكة البحرين هذه الأيام بذكرى مرور 22 عامًا على تأسيس المجلس الأعلى للمرأة، لا بد لنا أن نستذكر فيها بفخر واعتزاز الإسهامات الجليلة للمرأة البحرينية في شتى المجالات، وأن نُهنئ صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة جلالة الملك المعظم حفظها الله على نجاح جهود سموها من خلال المجلس في نقل المرأة البحرينية إلى فضاء أرحب من العطاء والمساهمة الوطنية؛ لأن المرأة هي ركيزة وأساس كل تقدم على جميع المستويات وفي مختلف المجالات.

ويحسب للمرأة البحرينية أنها، وعبر مسيرتها التاريخية، لم تخرج إلى الشوارع للمطالبة بحقوقها كما هو حال النساء في كثير من الدول، بل على العكس، تقدم البحرين دائمًا نموذجًا يحتذى في تكامل منظومة الحقوق التي تحظى بها نسائها. هذا الأمر يرجع إلى العديد من العوامل في اعتقادي، في مقدمتها وجود إرادة سياسية للحكام من آل خليفة عبر التاريخ بأهمية حضور المرأة في الحياة العامة ومشاركتها في مختلف المجالات، ثم قدرة المرأة ذاتها وجدارتها بتحمل المسؤولية على صعيد الأسرة والعمل والابتكار والإنجاز، والعامل الثالث الذي لا يقل أهمية هو ثقافة وتحضر ووعي الرجل البحريني، الأب والأخ والابن والمدير والزميل، وتعامله المتزن والمتوازن مع المرأة.

وقد أعربت في مقال سابق عن اعتقادي أن التجربة البحرينية في دعم المرأة تتميز عن نظيراتها في باقي الدول مثل مصر أو تونس أو سوريا أو لبنان في أن من يقوم عليها ليسوا دعاة تحرر وانسلاخ عن الدين أو الإرث أو العادات الأصيلة، فليست مشاكل المرأة هنا التحرر أو الحجاب أو المساكنة أو الاغتصاب أو العنف أو عدم المساواة في الأجور وغيرها من القضايا المجتمعية التي تشكل مقدمة مطالب المدافعات عن حقوق النساء، فالجميع متفق في البحرين على أن الدور الأساسي للمرأة هو تربية النشء تربية صالحة والحفاظ على الاستقرار الأسري والمجتمعي، جنبًا إلى جنب مع نهوضها بأدوار أخرى في مجالات مثل العمل والإنتاج والابتكار وخدمة المجتمع.

والبحرين لا تدعي الكمال في مسألة حقوق المرأة، انطلاقًا من حقيقة تطور المجتمع ذاته، وبالتالي تطور وتبدل احتياجات المرأة السياسية والاجتماعية والثقافية والقانونية والأسرية وغيرها، فالتكنولوجيا الحديثة مثلاً فرضت واقعًا جديدًا على بيئة العمل حمل معه تحديات مختلفة بشأن تكافؤ الفرص، وباتت إجازة الأمومة ذاتها محل نقاش في ظل التوسع بتطبيق أنظمة العمل عن بُعد.

إذًا، السؤال بشأن حصول المرأة على حقوقها كاملة لم يعد دقيقًا أو مطروحًا كما كان في السابق، وإنما تطور بتطور احتياجات المرأة والمجتمع والبشرية ذاتها، رغم أن الحقيقة التي بقيت ثابتة هي أهمية المرأة ككائن يمثل نصف المجتمع، ويلد ويربي كل المجتمع.

وعندما نحرم المرأة من المشاركة في العمل لمجرد أنها امرأة، وتحت أية ذرائع اجتماعية مثل الحفاظ على الشرف والرجولة، أو دينية مثل قول إن صوت المرأة عورة، أو شخصية خوفًا من تفوق المرأة علينا، فإننا نعمل ضد الطبيعية التي بنيت أساسًا على وجود امرأة ورجل يتكاملان مع بعضهما البعض لضمان استمرارية البشرية، فلولا حواء لما استطاع آدم أن يفعل شيئا بمفرده، كما إننا نهدر فرصًا كبيرة في التنمية عندما نعطِّل نصف المجتمع عن العمل والإنجاز.

لا أقول ذلك من موقع المتابع عن بُعد، بل عن خبرة ودراية لعقود طويلة في الدور الحاسم والأساسي في نهضة الأمم وحضارتها، هذا الدور الذي يبدأ من تنشئتها لأسرة صالحة، فكما يقال: المرأة تلد نصف المجتمع وتربي كل المجتمع، فهي حجر الأساس الذي تُبنى عليه كل خطط التنمية المستقبلية، وعندما تصلح يصلح المجتمع كله وتنطلق الأمة إلى مستقبل أكثر رغدًا ورفاهيةً وأمنًا واستقرارًا وازدهارًا.

هذه الدراية والخبرة تكونت لدي، وأنا طفل صغير، رأيتها في وجه أمي رحمها الله، والتي زرعت في داخلي بذرة ما أنا عليه الآن، ورغم أنها توفيت وأنا في سن المراهقة، إلا أنني لا زلت حتى اليوم أنهل من حنانها، بل أتحدث إليها أحيانًا، واستشيرها وأشعر أن روحها تلهمني قراراتي وتوجهاتي المستقبلية. ومن خلال أمي أدرك أن صلاح المرأة وتحررها العقلي والفكري والثقافي يجعلها تُنشئ عائلة تسهم إيجابًا في تنمية ورقي المجتمع.

أعتز بأختَيّ أيضًا، بارعة وأمل، وبناتهن بمن فيهن أمل علم الدين كلوني، المحامية الدولية الشهيرة، وبزوجتَي أولادي، اللتين يحققن النجاح تلو النجاح في مجالات كثيرة، وغيرهن في محيط عائلتي وعملي، أفخر بهن جميعًا، وأرى أن الحياة تبتسم عندما يبتسمن، وأشعر بأني مطمئن أكثر على المستقبل لأن فيه أشخاصًا مثلهن.

وأنا فخور أيضا بأن المرأة رافقتني في جميع نجاحاتي المهنية كإدارية وملهمة وشريك منتج وفاعل ووفي، وأحرص أن يكون رأي المرأة حاضرًا في قراراتي الكبيرة، بل أنا في الواقع ميال للأخذ برأيها إيمانًا مني بصوابيته. وعندما كنت متفرغا للعمل في حقل الإعلانات كنت أقول لعملائي إن عليهم التوجه بخدماتهم ومنتجاتهم نحو المرأة، لأنها غالبا هي من يتخذ قرار الشراء، حتى لو كان المنتج بدلة رجالية، فعلى الأغلب ستقوم المرأة بدور ما في إقناع الرجل بشرائها من عدمه.

والمرأة البحرينية لم تكن يومًا رهنية العادات والتقاليد والثقافات البالية، بل منذ أيام الغوص عندما كان الرجل يذهب لأشهر في رحلة غوص بعرض البحر، تتولى المرأة خلالها ليس مسؤولية رعاية الأبناء والقيام بالأعباء المنزلية، بل تخرج أيضا للعمل في الزراعة وتذهب للأسواق وتقوم بكل ما يقوم به الرجل من أعمال، وما والسيدات البحرينيات الناجحات اللواتي نراهن اليوم هن أحفاد تلك النساء الشجاعات متفتحات الذهن، المتمسكات بالعادات البحرينية الأصيلة دون أن تحد من قدرتهن على العمل والإنتاج. فدور المرأة كأم هو ما خُلِقت لتنهض به، والأم ليست مجرد السيدة التي تحمل وتنجب الأطفال، بل هي التي تربي وتثقف وتوعي وتكبر، وتحرص على صحة أولادها النفسية والفكرية والجسدية، وتضمن صلاحهم لبناء مستقبل أفضل لهم ولوطنهم، وهو دور لا يستطيع الرجل مهما كان أن يقوم به كما تقوم به المرأة، فالأم المثقفة تخلق جيلاً مثقفًا فاعلاً معطاءً، أما الأم الجاهلة فتخلق جيلاً منغلقًا هدَّامًا يودي بنفسه وبمجتمعه ووطنه في الهاوية، لذلك أقول إن المرأة نصف الحاضر وكل المستقبل. 

نحن مطمئنون إلى مسيرة تقدم المرأة البحرينية، وفخورون بما حققته المرأة البحرينية من إنجازات تعكس التنوع الحضاري والثقافي العريق في البحرين، ونطلع معًا إلى مستقبل مزدهر تنعم فيه بناتنا وننعم جميعًا بمزيد من التنمية والازدهار.

بواسطة akmiknas

أضف تعليق