أوروبا هذا العام؛ حيث أمضي إجازتي السنوية؛ أكثر سخونة في بحرها وشواطئها ومعالمها السياحية ومدنها بشكل عام، وهي بالطبع ليست استثناءً عن باقي مناطق العالم التي تشهد معدلات ارتفاع في درجات الحرارة غير مسبوقة منذ مئات السنوات.
هل أعلن كوكبنا «الحرب المناخية» انتقامًا من البشر؟ هل الموضوع جديّ إلى هذا الحد؟ في الحقيقة نعم، فما شهدناه مؤخرًا من تزايد اندلاع حرائق الغابات في أوروبا وحول العالم، على وقع ظاهرة الاحتباس الحراري، وما تشهده اليونان حاليًا من حرائق خانقة وأدخنة سامة حولت أجمل بقاعها وإحدى أكثر الوجهات السياحية اليونانية والأوروبية جذبا وشهرة، جزيرة رودس، إلى جحيم لا يطاق، يؤكد على اشتداد هذه الظواهر ووجوب التصدي لها، وأن موجة من ارتفاع الحرارة تضرب بصورة غير مسبوقة مختلف مناطق العالم، والتي يبدو أنها إحدى الكوارث الطبيعية ضمن تداعيات تغير المناخ التي تشير إلى أن حياة البشرية بدأت تتأثر، واقتصادات الدول ستعيد تشكلها.
وقد تسببت هذه الحرائق المتزايدة في تدمير مساحات شاسعة من الغابات منذ اندلاعها، وفي إلحاق الأضرار بمنشآت سياحية ومرافق مدنية وخدمية، ويعود سبب هذه الحرائق إلى الاحتباس الحراري الذي تعاني منه الكرة الأرضية، والذي يتسبب في ارتفاع درجات الحرارة وتغير المناخ، وهو ما يؤدي إلى جفاف الأراضي وانخفاض نسبة الرطوبة، وبالتالي يزيد من احتمالية اندلاع الحرائق، ويتفاقم هذا الأمر بسبب الأنشطة البشرية الضارة التي تؤدي إلى تلوث البيئة واختلال التوازن البيئي.
لست خبير مناخ، لكني مهتم بأخباره، بما في ذلك ظاهرة «النينو» المعلنة أخيرًا، والتي أدت إلى سلسلة انهيارات مناخية، وتضخيم تواتر وشدة درجات الحرارة المرتفعة، مما ستكون له تأثيرات خطرة للغاية على صحة الإنسان وسبل عيشه، حيث إن نحو 60 ألف شخص توفوا بسبب درجات الحرارة الشديدة في أوروبا هذا الصيف، على رغم وجود خطط قوية للإنذار المبكر والعمل الصحي بالقارة، مما يستدعي ضرورة تكييف البنية التحتية لتحمل درجات الحرارة المرتفعة لفترات طويلة وزيادة الوعي بالأخطار بين الفئات الضعيفة.
يتزامن هذا مع تسجيل العديد من دول العالم، بما في ذلك إيطاليا وإسبانيا والعديد من الدول الأوروبية الأخرى، درجات حرارة مرتفعة جدًا تفوق الـ 50 درجة مئوية، مما يزيد من خطر اندلاع الحرائق ويؤثر على صحة الإنسان ويزيد من احتمالية الإصابة بالجفاف والإجهاد الحراري.
العلماء يؤكدون أن هذه الظاهرة تعود إلى التغير المناخي وزيادة انبعاثات الغازات الدفيئة، وهو ما يشير إلى أهمية اتخاذ إجراءات للحد من هذه الظاهرة والمحافظة على البيئة والكوكب. وبالنسبة للعالم العربي، تعاني حالياً الدول العربية مستويات غير مسبوقة من الحرارة، تجاوزت في بعض البلدان 50 درجة مئوية، وتعاني بعضها مثل مصر ظاهرة القبة الحرارية، ورغم أن دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أقل الدول إسهامًا في الانبعاثات المتسببة في الاحترار العالمي وتغير المناخ؛ فإنها تُعَد الأكثر تأثرًا بتداعيات تغير المناخ، خاصةً في صورة ارتفاع الحرارة والجفاف وتأثر هطول الأمطار.
ومن الواضح أن ما يحدث في العالم خلال الفترة الماضية أمر غير طبيعي، وستتأثر عديد من الدول السياحية بتلك التغيرات، ومنها مصر وتركيا وفرنسا واليونان وإيطاليا والبرتغال وإسبانيا، حيث ستتقلص الأمطار بنسب كبيرة بتلك المناطق في المستقبل، ومن المتوقع أن تفوق درجات الحرارة فيها 50 درجة مئوية، إضافة إلى تزايد حدوث ظاهرة الهجرة المناخية من أوروبا إلى المناطق ذات الطقس أكثر استقرارًا.
وتشكل الحرائق الكارثية والموجات الحرارية القاسية والأحوال الجوية الشديدة التي يشهدها العالم بأسره تحذيرًا جديًا لنا جميعًا، حيث تعكس تأثيرات التغير المناخي والتدهور البيئي، وتشير إلى أنه يجب علينا العمل بجدية للحد من هذه الظاهرة والحفاظ على البيئة والكوكب. ولكن، للأسف، تبقى العديد من الحكومات والشركات والأفراد مترددين في تبني التدابير اللازمة للحد من التغير المناخي، وهذا يؤدي إلى تفاقم المشكلة وزيادة التهديد على الحياة البشرية والحيوانية والنباتية في الكوكب.
أسمع لكثير من الخبراء في أنحاء العالم يقولون إن ارتفاع الحرارة بات واقعًا سيستمر في السنوات المقبلة، ما سينعكس على قدرات الدول الاقتصادية سلبًا ما لم تستعد للسير قدمًا في ضوء تلك الحقيقة، حيث تؤثر الظروف المناخية القاسية على الإنتاجية الزراعية والتجارية وقطاعات الطاقة والأعمال والنقل والسياحة، مما يزيد من التحديات التي تواجه الدول والشركات والمجتمعات في مواجهة تغير المناخ وإيجاد حلول لهذه الأزمة، ولذلك، يتطلب التصدي لتحديات تغير المناخ التخطيط والتحضير لمواجهة مستقبل أكثر سخونة وجفافاً، واتخاذ إجراءات وقائية واستباقية، وتعزيز الاستدامة في جميع القطاعات والأنشطة الاقتصادية.
لا شك أنه يتعين على الحكومات والشركات والمنظمات العالمية الاستيقاظ والتحرك لمواجهة هذه الأزمة البيئية، واتخاذ إجراءات للحد من الاحتباس الحراري وتغير المناخ، والعمل على تشجيع استخدام الطاقة المتجددة والتخلي عن الوقود الأحفوري، كما يتعين علينا جميعاً العمل على تعزيز الوعي بأهمية المحافظة على الكوكب والبيئة، وتشجيع السلوكيات المستدامة والمسؤولة، باعتبار أن كوارث وتداعيات تغير المناخ الطبيعية ستصبح متكررة ودورية.
ومع ذلك، لا يزال الأمل حليفنا ما إن اتخذنا إجراءات جادة وعملنا معًا كمجتمع عالمي للحفاظ على الكوكب ومستقبلنا، ويمكننا نحن الحكومات والمؤسسات والأفراد أن نتعاون معًا لتحقيق هذا الهدف، وذلك من خلال تبني السلوكيات المستدامة وتشجيع الابتكارات البيئية ودعم الأبحاث العلمية في هذا المجال، وتعزيز التعليم والتوعية بأهمية الحفاظ على البيئة وتقليل الانبعاثات الضارة، وتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة وزيادة الاستثمار في الطاقة المتجددة وتحسين التخطيط الحضري والزراعي والحفاظ على الغابات والأراضي البرية وتحسين كفاءة الاستهلاك للطاقة والموارد.
يقول داعية حقوق الإنسان الشهير مارتن لوثر كينغ «علينا أن نتعلم كيف نعيش سويا كالأخوة، أو أن نهلك معًا كالحمقى». هذه المقولة يمكن أن تنسحب على مختلف التحديات التي نواجهها نحن البشر، ويجب أن ندرك جميعًا أننا بحاجة إلى تغيير أساليب حياتنا ونمط استهلاكنا وإنتاجنا من أجل المحافظة على كوكبنا وتأمين مستقبل أفضل للأجيال القادمة، ومن خلال العمل المشترك والتزامنا بتحقيق الأهداف البيئية والمناخية، يمكننا بناء مستقبل مستدام وأفضل للجميع.
