اغلق البلد تختنق

بعض الدول أو المؤسسات أو الأشخاص تفكر بأن حماية التجارة والمنتجات والخدمات المحلية من المنافسة العالمية هي الطريق الأسلم لتنمية الاقتصاد والنجاح، والغريب في الأمر أنه رغم فشل جميع الدول التي طبقت نهج الحمائية هذا، خاصة الدول الشيوعية التي انهارت اقتصاديا قبل أن تنهار سياسيا، لا زال البعض يطالب أو يعتقد أنه يجب على الدولة أن توفر له الحماية من المنافسة، وأن تغلق البلد على أهله.

الصين تقدم مثالا حيا عن الدولة الشيوعية التي تمكنت من تجاوز الانهيار بالانفتاح، وتحرير الاقتصاد، وها نحن نراها تفتح أجوائها وتجارتها وكل ما عندها من أرض ومصانع للاستثمار العالمي، وهذا كان من أهم أسباب إطلاق ونجاح المارد الصيني.

كذلك الحال في دول الخليج العربي، ونحن في البحرين قررنا منذ زمن طويل أن نسير على خطى الانفتاح على العالم من أوسع أبوبه، وإن كان ثمة تحديات، لكننا في الطريق الصحيح، والكل يتفاعل مع هذا الانفتاح بصورة إيجابية.

المثال البارز هنا أيضا هو إمارة دبي، التي قالت ولا زالت للعالم بأسره: حياك الله، تعال واستثمر بحرية شبه مطلقة، وسنعمل بحرص على توفير كل أسباب النجاح لك، وضمان حريتك، وهكذا تحولت رمال دبي إلى ناطحات سحاب، وطرق وبنية تحتية عملاقة وإكسبو وغيرها الكثير الكثير.

لنأخذ مثالا على ذلك نجاح دبي في مجال النقل الجوي، فلقد ارتكزت نهضة هذا القطاع العملاق في دبي على فكرة بسيطة، الأجواء المفتوحة. لقد قالت دبي لكل شركات الطيران في العالم: طالما أنكم تضمنون أن باستطاعتكم تعبئة طائرتكم بالركاب من مطار دبي، حياكم الله.

لم تخف دبي من المنافسة مع عملاقة الطيران مثل الخطوط التركية أو المصرية أو غيرها من خطوط الطيران العريقة والكبيرة في الشرق الأوسط، ولا حتى من الطيران الفاخر مثل لوفتهانزا وغيرها، بل قررت الدخول في منافسة شريفة مع تلك الخطوط من خلال طيران الاتحاد، وفلاي دبي، إضافة إلى طيران الإمارات، والعربية، وغيرها.

وهكذا وجد القائمون على شركات الطيران الوطنية في الإمارات أنفسهم في سباق مع الزمن، لا حل أمامهم سوى التميز والابتكار وتقديم أعلى جودة بأفضل سعر، وهذا ما تحقق لهم بمرور الوقت. لم يطالبوا حكومتهم بحمايتهم من المنافسة، بل ما حصل هو العكس، باتت باقي الحكومات وشركات الطيران تخشى منافسة الطيران الإماراتي لها في عقر دارها، بما فيها طيران الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وبتنا الآن نرى حتى الراكب الأمريكي والأوروبي والصيني يفضل خطوط شركات الطيران التي تحمل علامة الإمارات، سواء دبي أو أبوظبي أو الشارقة، وتمكنت شركة طيران الإمارات أن ترفع إيراداتها 131% محققة نحو أربعة مليارات درهم، في دليل آخر على نجاح سياسة فتح الأجواء مع رفع الجودة والكفاءة.

قال لي صديق إنه كان يخطط برحلة مع عائلته خلال العيد، فوجد أن بإمكانه الحصول على تذكرة ذهاب وإياب إلى دبي بستين دينارا، ستين دينارا فقط، وإن كان ذلك بدون أمتعة أو وجبة، لكن لا بأس، إنها أقل تكلفة حتى من الذهاب إلى هناك بالسيارة. ووجد أيضا أن بإمكانه الذهاب في برنامج سياحي متكامل إلى الإمارات شامل الإقامة والإفطار والتنقلات مقابل 225 دينار للشخص الواحد.

هذا الصديق، فكر بتغيير الوجهة هذه المرة، نحو مصر العزيزة على قلوبنا جميعا، والتمتع بجمالها وغناها التاريخي والأثري والحضاري، لكنه تفاجئ أن أرخص تذكرة سفر إلى هناك يتجاوز سعرها الـ 250 دينار!، وعندما تحرى الأمر وجد أن السبب هو إغلاق الأجواء المصرية أمام كثير من شركات الطيران بهدف حماية الناقلة الوطنية، طيران مصر، من المنافسة.

أنا لا أعرف ما هي الأسباب التي دفعت المسؤولين في مصر لاتخاذ مثل هذا القرار، لكن يمكنني أن أقول لهم بوضوح: نعم يا سادة، لقد وفرتم الحماية لشركة طيران مصر من المنافسة، وربما حافظتم بذلك على مدخول مليون أو عشرة ملايين دولار تحققهم الشركة أسبوعيا أو شهريا لا أدري، لكنكم خسرتم الكثير، خسرتم حركة إشغال أكثر نشاطا في الفنادق، وفي مختلف منشآت القطاع السياحي، وخسرتم كثير من الزوار والسياح الذين ربما يضخون مئات ملايين الدولارات في اقتصاد البلد.

لعل هذا مثال واضح من ضمن أمثلة كثيرة في مجالات عديدة مثل الصناعة والتجارة والزراعة والنقل والبناء وغيرها. ولنأخذ العقوبات الغربية على روسيا كمثال على حجم الضرر الذي يمكن أن يلحق بدولة وبالاقتصاد العالمي في ذات الوقت من الانغلاق، حيث اعترفت روسيا بأنها تأُثرت سلبا من عزلتها الاقتصادية والمالية، فيما تعاني الدول الأوروبية من أجل توفير الغاز، لكن أنا متأكد من أنه عاجلا أو آجلا سنعود إلى عالم واحد يجمع الجميع.

نحن من هذا العالم، علينا أن نتفاعل معه بإيجابية، أن نأخذ الأفضل ونعطي الأفضل. أفتح عينيك للدينا تراها أكبر وأوسع ومجالاتها أكثر. ضع نظارة سوداء لا ترى إلا نفسك ومن حولك، أطلق صوتا فيعود لك الصدى، كمن يغني في طاحون.

الإعلان
بواسطة akmiknas

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s