اقتصاد الذهب

لدي أعمال في دول عديدة، وقد نرى أن هناك «هبَّة» في اقتصاد هذه الدولة أو تلك نظرًا لمواردها الضخمة وأسواقها الواسعة، ولكن إذا نظرنا للأمر كحزمة واحدة تتضمن ليس الجوانب الاستثمارية فقط، بل الأسرية والاجتماعية وحتى الراحة النفسية للمستثمر أيضا، سنجد أن البحرين في مكانة متقدمة جدا على هذا الصعيد.

وتأتي «الرخصة الذهبية» التي أعلنت عنها مؤخرًا الحكومة الموقرة برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء لتعزز من جاذبية البحرين الاستثمارية، وتمنح المزيد من التسهيلات أمام كبار المستثمرين، وتشجعهم على إطلاق أعمالهم من البحرين، أو التوسع في أعمالهم القائمة.

واللافت في الأمر أن هذه الرخصة ليست حصرًا على المستثمرين الأجانب، بل المستثمرين البحرينيين أيضا، وهذا أمر مهم جدًا، لأنه يسهم في تشجيع التاجر ورجل الأعمال البحريني على تنمية أعماله داخل بلده بشكل أكبر، إضافة إلى تحفيز رؤوس الأموال البحرينية المستثمرة في الخارج على العودة إلى الوطن.

امتيازات الرخصة الذهبية هي ما يحتاجه المستثمر، امتيازات تقول لمن يرغب بالاستثمار في البحرين: فكر في كيفية تشغيل وتنمية أعمالك فقط، بينما سنتولى نحن كحكومة، مجلس التنمية الاقتصادية وتمكين وغيرها من الجهات، مهمة تسهيل وتجهيز كل شيء لك، حتى لو أردت تعديل القوانين، نحن على استعداد لذلك طالما أنه يصب في صالح تحقيق أهدافك.

ومن المهم جدًا هنا أن يكون جميع الموظفين المعنيين في مجلس التنمية الاقتصادية وتمكين ونظام «بيانات» وغيرها على أتم الاستعداد للتفاعل مع المستثمرين ومنحهم التسهيلات التي تضمنتها «الرخصة الذهبية» وتلبية احتياجاتهم بفاعلية وتحقيق ما هو أكثر من توقعاتهم. 

إن الشركات التي تشغل أكثر من 500 موظف هي شركات كبيرة بالنسبة لحجم السوق في البحرين، وتتسم بلا شك بقدر كبير من الاستقرار. إنها ليست شركات صغيرة أو متوسطة ربما تنطلق اليوم وتتعثر غدا أو بعد شهر أو عام. كما أن الشركات الكبيرة لديها القدرة ليس على المساهمة في تنمية الاقتصاد فقط، بل وقيادته أيضا اعتمادًا على قدرتها على البحث والابتكار وتقديم خدمات ومنتجات تنافسية.

هذه الشركات الكبرى تتأصل فيها عقلية التوسع، حيث أن مهمة تنميتها وتوسعة أعمالها جزء لا يتجزأ من الهاجس اليومي لمديريها وموظفيها، ومن الطبيعي أن نجاحها في مجال سيدفعها للاستثمار أكثر من أجل التوسع في ذات المجال أو في مجالات أخرى، وهكذا يتسارع النمو الاقتصادي وتخلق المزيد من فرص العمل.

فمن الطبعي أن تنشئ مصنعا وبعد تشغيله لفترة وجيزة ترى ضرورة إنشاء مصنع آخر ليكمل مصنعك الأول، أو تقوم بعمل تجاري تراه نجاحًا ويتطلب مشروعات أخرى تسانده، فتقوم بإنشائها، وكل هذا يصب في مصلحة المزيد من الاستثمار.

ماذا يعني خلق 500 وظيفة محلية في البحرين؟ لندرك ذلك دعونا نذكر أن أعداد العاطلين عن العمل في البحرين بحسب ما تعلنه وزارة العمل هو بحدود 14 ألفًا، وهذا يعني أننا لو نجحنا في استقطاب أو إنشاء 28 شركة من خلال «الرخصة الذهبية» فسنتمكن من حل ملف البطالة بالكامل.

وماذا يعني ضخ 50 مليون دولار في سوق صغير مثل السوق البحريني؟ إنه بلا شك رقم ليس بقليل ونسبة لا يستهان بها في دولة حجم الناتج المحلي الإجمالي فيها قرابة 38 مليار دولار، وهذا يعني أيضا أن شركة كبيرة واعدة طموحة يمكن أن تحدث فرقا واضحا في الاقتصاد الوطني.

ولا ننسى أن هذه الرخصة الذهبية جاءت بعد الإقامة الذهبية التي تمنح للمستثمرين أيضا، في إطار النهج الحكومي نحو تشجيع المزيد من المستثمرين على القدوم للبحرين والمساهمة في تنميتها اقتصاديًا وفكريًا وثقافيًا وحضاريًا.

أسمع بعض الأحاديث وأقرأ بعض التعليقات التي تشكك بأهمية جذب الاستثمارات الأجنبية، وأريد هنا أن أؤكد أهمية أن نرحب بالمستثمر الأجنبي لا أن ننفر منه، وأن يكون ذلك ثقافة عامة، وينطلق من قناعة أكيدة لدينا جميعًا بأهمية تلك الاستثمارات في تحسين مستوى معيشتنا والنهوض بوطننا بشكل عام.

وخير دليل على ذلك هو التنافس المحموم الذي يشهده العالم من أجل جذب الاستثمارات الأجنبية، فكلما قدمت دولة تسهيلات معينة، بادرت دولة أخرى إلى تقديم تسهيلات أكبر، فهل العالم كله على خطأ ومن ينتقد الاستثمارات الأجنبية وحده على حق؟ حتى أن الرئيس الروسي بوتين اعترف بمدى تأثر اقتصاد بلاده سلبًا بانسحاب الاستثمارات الغربية.

إن جذب الاستثمار الأجنبي المباشر يعتبر واحدًا من أهم استراتيجيات التنمية الاقتصادية لدى الدول، فهو يساعد على توفير فرص العمل، ونقل التكنولوجيا والخبرات الفنية، وتنشيط سلاسل الإمداد، فالشركة الكبيرة لن تعمل وحدها، بل ستحتاج إلى موردين ومنافذ بيع وتصدير وسيارات نقل وغيرها، وهذا يضاعف من فوائدها الاقتصادية على الأفراد والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

لذلك يجب أن نضمن اندماجًا سلسًا للشركات الأجنبية في اقتصادنا الوطني، وأن نواصل العمل على منح المزيد من التسهيلات وتوفير ظروف مفتوحة وشفافة يمكن الاعتماد عليها لجميع أنواع الأعمال، المحلية والدولية، بما في ذلك سهولة ممارسة الأعمال التجارية، وحماية الملكية الفكرية.

وللاستثمار الأجنبي المباشر دور كبير في خلق وظائف لائقة وذات قيمة مضافة، وتعزيز قاعدة مهارات الاقتصادات المضيفة، وتسهيل نقل التكنولوجيا والمعرفة والدراية الفنية، وتعزيز القدرة التنافسية للشركات المحلية والوصول إلى الأسواق، والعمل بطريقة مسؤولة اجتماعيًا وبيئيًا.

لا ننسى أن لدينا كل ما يلزم لنجاح المستثمر، من بنية تحتية عالية الجودة، وقوانين مرنة، ومرافق حديثة، وإمدادات طاقة كافية وموثوقة، وقوى عاملة ماهرة بشكل كافٍ، ومرافق للتدريب المهني للعاملين المتخصصين، ولا ننسى قربنا من السوق السعودي، أكبر سوق في الشرق الأوسط.

قرأت بتمعن عن «الرخصة الذهبية»، وأرى أنها متجر شامل لمتطلبات المستثمرين في البحرين، وتعمل كحافز في الاقتصاد المضيف، وتشجع على الاستثمار في البنية التحتية عالية الجودة والوصول السهل إلى الموظفين والفنيين والمهندسين والمديرين المؤهلين وتوفر رعاية ما بعد الاستثمار، وكسب رضا المستثمرين، وإمكانية إعادة الاستثمار مرات ومرات، بما يحقق مزيدًا من الفوائد للوطن والمواطن.

وأنا من موقعي كرجل أعمال يعيش ويعمل في البحرين، أوجه دعوة لجميع أصدقائي المستثمرين حول العالم للقدوم للبحرين، والاستفادة من مزايا «الرخصة الذهبية»، وإنشاء استثماراتهم في هذا البلد الطموح المرتكز على إرادة صلبة لقيادتنا الرشيدة في الاستقرار والتنمية والترحيب بالجميع.

الإعلان
بواسطة akmiknas

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s