المضحك المبكي

يتعرى الغرب أكثر يوما بعد يوم، وتصبح جميع أوراقه مكشوفة، بل وملطخة بالعار، فمن المسموح لدولة أوربية مثل بلجيكا أن تتخذ ما تراه مناسبا من إجراءات بهدف التعاون مع النظام الإيراني والقيام بعملية تبادل بين بلجيكي يعمل في المجال الإنساني وعميل للنظام الإيراني، أو أن تختطف الولايات المتحدة مواطنا ليبيا بدعوى الاشتباه بتورطه في تفجير لوكربي، أو أن تزود فرنسا الجماعات الموالية لها في مستعمراتها السابقة بإفريقيا بالمال والسلاح بهدف إثارة القلاقل أو حتى الاستيلاء على الحكم.

لكن من غير المسموح لدولة مثل البحرين أن تحمي أمنها من إرهابيي ومخربي الداخل والخارج، وتتخذ بحقهم الإجراءات القانونية اللازمة بعد خضوعهم لمحاكمات عادلة، بل المطلوب تركهم في الشوارع يحشدون الناس ويدفعونهم للتظاهر بدعوى المظلومية، ثم جر البلد إلى منازعات وفتن رأينا مآلاتها في سوريا والعراق وغيرها.

لقد بات البحرين أكثر رسوخا واستقرارا ووعيا، وأنا اتابع طريقة تعاملها مع التقارير الدولية والبيانات غير المنصفة كتلك التي صدرت مؤخرا عن البرلمان الأوربي، فالبحرين لا تتجاهل تلك التقارير كما كانت تفعل الدول ذات السياسات المتهورة مثل ليبيا القذافي والعراق صدام حسين، لكنها في نفس الوقت لا تسمح لتلك التقارير أن تستفزها، وإنما تتعامل معها بهدوء وروية.

وهذا يرجع بالأساس للرؤية الثاقبة لجلالة الملك المعظم، عندما قرر مع بداية مشروعه الإصلاحي وبشجاعة إدخال البحرين إلى الساحة العالمية، وتحمل تبعات ذلك من التوقيع على الاتفاقيات الدولية بما فيها المعاهدات ذات الصلة بحقوق الإنسان، وتيسير العلاقات مع المنظمات الدولية وعدم اعتبارها خصم للبحرين، والحرص على التفاعل مع المنظومة الدولية وما يصدر عنها من قرارات وبيانات.

لكن البحرين ترفض الابتزاز السياسي، وسوء النية، أو التدخل في شؤونها الداخلية، وإنما تركز على الإيجابيات في التقارير الدولية من أجل البناء عليها، والاستفادة من الملاحظات الواردة فيها، في تأكيد على حرص القيادة البحرينية على تطوير البلد نحو الأفضل في مجال الحقوق والحريات.

فليس بجديد على المنظمات الحقوقية التي تحمل أسماء دولية وعالمية أن تدافع عن الإرهابيين وتوفر لهم غطاء سياسي من خلال مجموعة من التقارير المغلوطة التي تعتمد على أرقام خاطئة ومصادر غير رسمية بغرض تشويه الصورة العامة والدفاع عن الإرهابيين والمجرمين والقتلة، بدلا من تنفيذ أحكام القضاء فيهم. بل إن بعض هذه المنظمات في لندن مثلا أصبحت منصة للكيانات الإرهابية والجماعات الخارجة عن القانون.

لماذا لا ترصد المفوضية الأوروبية أو البرلمان الأوروبي الإنجازات التي تحققها مملكة البحرين في ملف حقوق الإنسان مثل السكن والصحة والبنية التحتية؟ هل صدر عن هذه المنظمات أي بيان أو تقرير أو حتى تعليق على تويتر بشأن التقدم الذي تشهده المرأة البحرينية مثلا والذي ظهر في أحدث صورة له بفوز ثمانية نساء في مجلس النواب وتعيين عشرة نساء في الشورى وخمسة وزيرات؟

أنا أؤمن بحقوق الإنسان، وبحق كل إنسان في الحرية والكرامة والتعبير عن رأيه طالما أن ذلك ضمن القوانين المرعية ولا يؤثر على السلم الأهلي، لكن بالله عليكم، هل من عاقل لا زال يصدق ما كان يقال عن شفافية وحيادية ونزاهة المنظمات الدولية بعد أن أثبتت تلك المنظمات مرات ومرات أنها مخترقة ومرتهنة ومسيسة؟

من الملاحظ أن تلك المنظمات تخضع لعدة عوامل بحكم الواقع من حيث جنسيتها أي البلد التي أسست فيه ومن حيث قوة التمويل المالي ومن حيث كادر الكفاءات لديها، وهذا ما يجعل من المستحيل عليها الحفاظ على استقلاليتها حتى لو أرادت، فتلجأ لرفع شعارات شكلية لا تجسد الواقع.

والواقع والتجارب تؤكد أن غالبية المنظمات الحقوقية غير الحكومية تعتمد في تمويلها على التبرعات واشتراكات الأعضاء، وبعضها يحصل على تبرعات مادية ضخمة سواء من شخصيات اقتصادية وشركات وسفارات، وهذا ما يؤثر على استقلاليتها ويخضعها لرغبة مصادر التمويل.

وتعمل معظم المنظمات الدولية العاملة في المجال الإنساني في مختلف دول العالم على تنفيذ سياسات معينة وتحقق أهدافا ومصالح مرسومة مسبقا من قبل دول وهيئات ذات مصالح عالمية، وتتغير توجهات المنظمات وتقاريرها الصادرة عنها مع تغير علاقات الجهات والدول الراعية لهذه المنظمات مع الدول المستهدفة، وتقارير المنظمات الحقوقية الدولية لا تعمل بمهنية خالصة وبمعزل عن الأبعاد السياسية للقوى المهيمنة.

فيما يجب على قيادات هذه المنظمات الدولية أن تنتهج سياسية معتدلة ومتوازنة وأن تتخلى عن الجشع المادي وأن تناضل بضعف التمويل من أجل تحقيق غاية خدمة الإنسانية جمعاء وحماية حقوق الإنسان ونشر ثقافتها وتشجيع الحكومات على ذلك ولا سيما في العالم العربي بعد آثار ونتائج ما يسمى بالربيع العربي.

لن تنال منا تقارير وبيانات المؤسسات والمنظمات الدولية التي لا تصب في صالح البحرين، وذلك لسبب رئيسي، هو أن هذه التقارير تفتح الباب أمام الفتن والنعرات لتطل برأسها من جديد، وتسلبنا أمننا واستقرارنا وراحة بالنا، ولي في بلدي حيث ولدت، لبنان، خير مثال على ذلك: الكثير الكثير من الديمقراطية، والقليل القليل من الخبز والكرامة.

الإعلان
بواسطة akmiknas

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s