رقي الشعوب من رقي ممثليها

يوم غير عادي أبدًا في البحرين، يوم يجدد فيه شعب البحرين المخلص الوفي تأكيده على الالتزام بمسيرة التنمية والإصلاح التي أطلقها حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم قبل نحو عشرين عامًا، يوم نقول فيه جميعا كلمتنا: نعم للإصلاح والمصلحين، ولا للمقاطعين واليائسين، يوم عايشناه هذا العام كما لم نعايشه من قبل وحققت البحرين فيه نجاحًا منقطع النظير.

ها أنا ذا اتجه اليوم للمرة الثانية برفقة ابني نحو صناديق الاقتراع، بعد أن اقترعنا أول مرة السبت الماضي، لكن دائرتنا الانتخابية، ثامنة العاصمة، لم تحسم من الجولة الأولى، ولا أكشف سرًا إذا قلت إنني منحت السبت الماضي صوتي لأحد المرشحين بناءً على قناعتي ببرنامجه الانتخابي، فيما منح ابني صوته لمرشح آخر، لكن الاثنين لم يحالفهما الحظ بالفوز أو حتى أن يكون طرفًا في المباراة النهائية، لكن لا بأس، اليوم ننتقل لاختيار مرشح آخر، طالما أن الجميع يضع مصلحة البحرين والبحرينيين في مقدمة أولوياته.

وأود في هذا الصدد تسجيل بعض الملاحظات المهمة، في مقدمتها أنني رأيت إقبالًا جيدًا على الانتخابات في هذه الدائرة الكائنة في سترة، ولا بد من الإشادة هنا بجهود جميع القائمين على العملية الانتخابية والتي كانت كل يسير وسهولة وشفافية ونزاهة، والموضوع الآخر هو أن هذه الدائرة شهدت مشاركة تسعة مرشحين من بينهم سيدتان وقد تمكنت واحدة منهما، هي السيدة جليلة العلوي، من الوصول للدور الثاني.

ألا يدل هذا على نضج التجربة السياسية والديمقراطية رغم حداثة عهدها في البحرين؟ وألا يبعث برسالة حضارية للعالم حول مشاركة المرأة البحرينية في الحياة العامة والسياسية في بلدها؟ ثم الاستنتاج الأهم برأيي هو أن المجتمع البحريني واعٍ ومثقف وحضاري، يمنح ثقته لامرأة لتمثيله في مجلس النواب وتدافع عن مصالحه عن جدارة وكفاءة.

ربما يكون الشعار المناسب لأربع سنوات قادمة من عمل مجلس النواب هو «الأمان والاستمرارية»، حيث يشارك النواب الفائزون في مواصلة حمل المسؤولية الوطنية، ومساندة الحكومة الموقرة في تنفيذ خطة التعافي الاقتصادي، وتعزيز مستويات الرفاهية والعيش الكريم للمواطن البحريني. وبنظرة عامة نرى أن المجلس القائم يمثل جميع أطياف ومكونات الشعب البحريني، ويحمل همومه وتطلعاته.

والمؤشرات تدل في الوقت ذاته إلى أن المجلس القادم سيكون قويا بما يكفي ليس لإلقاء الخطب الاستعراضية الرنانة، بل لتحقيق تطلعات المواطنين، وساحة للنقاش الفكري وطرح المرئيات والمقترحات، وتطوير التشريعات، ومراقبة الأداء الحكومي، وحتى وإن احتدم النقاش، هذا أمر طبيعي يحدث في كل المجالس الشعبية المنتخبة حول العالم، طالما أن الهدف خدمة الوطن والمواطن.

لكنه لن يكون مجلس تعطيل، يعارض ليس لهدف سوى المعارضة بحد ذاتها، ولقد عشنا تجربة مريرة مع المعطلين والمخربين ذوي الأجندات الخارجية، حيث توقفت حينها المشروعات ومصالح الناس، وتحول المجلس النيابي إلى ساحة صراع خسر فيها الجميع، لكننا تعلمنا الدرس جيدًا، ولم نعد نسمح للمرتهنين للخارج وأعضاء الجمعيات السياسة المنحلة من تخريب حياتنا ووطننا مرة أخرى.

لدينا ديمقراطية في إطار ملكية دستورية نفخر بها، وعلينا أن نصونها ونحافظ عليها، خاصة ونحن نرى الديمقراطيات الغوغائية السائدة في دول مثل العراق ولبنان، حيث أصبحت المجالس التشريعية المنتخبة وبالًا على الناس، وطريقا لوصول المتنفذين وأصحاب المصالح الشخصية للسلطة، وأداة من أدوات نهب المال العام وقوت المواطنين.

لا ننسى أن تلك الديمقراطيات جاءت بعد ثورات يفترض أنها ستنقل الناس إلى مكان أفضل، لكنها عادت بالمصائب والويلات على الشعوب، وفرضت عليهم ما يمكن تسميته بديمقراطية المسدس بدل ديمقراطية الكرامة وحقوق الإنسان، فزادت هذه المجالس الناتجة عن الثورات مصائب على المصائب، وبدل أن تنجح وينجح معها الناس والشعوب تقهقرت وتقهقر معها الشعوب.

يقول رئيس الوزراء البريطاني السابق ونستون تشرشل «إذا أردت أن تعرف أي شعب في العالم، انظر إلى برلمانه ومن يمثله فيه.. وبعدها سوف تعرف أي الشعوب يستحق رمي الورود عليه أو ضربه بالأحذية»، لكن الشعوب العربية في العراق ولبنان مسكينة مغلوب على أمرها، وأحيانًا مستلبة فكريًا وثقافيًا يدفعها رجال الدين الطائفيين نحو اختيارات لا تصب في مصلحتها ومصلحة أبنائها.

لن أسهب في الحديث عن الديمقراطيات الفاشلة في وقت نحتفل فيه بقصة نجاحنا، فقد منحنا الله تعالى ملكًا حكيمًا ذو رؤية استباقية تثبت كل يوم صوابيتها، حيث رسم جلالته بوضوح منذ البداية النهج الديمقراطي الذي يناسب ثقافة وتاريخ وطبيعة البحرين والشعب البحريني، وأطلق ميثاق العمل الوطني الذي حظي بموافقة الأغلبية الساحقة من البحرينيين، ثم كان دستور العام 2002 الذي حفظ حقوق المواطنين الأساسية وأتاح لهم المشاركة في التنمية الوطنية من أوسع أبوابها.

المرشحين أنفسهم باتوا يدركون جيدًا أن الناخب البحريني أصبح أكثر تفهمًا ووعيًا ولن يمنح صوته للغوغائيين أصحاب الشعارات الرنانة الفارغة، ذلك نراهم يركزون في برامجهم الانتخابية على توفير المزيد من فرص العمل والخدمات الإسكانية والحفاظ على مكتسبات المواطن بشكل عام، ويعرف المرشحون أيضا أن الناخبين يراقبونهم وأن ذاكرتهم قوية، لذلك لا يلقون بالوعود الانتخابية جزافًا.

نريد أن يصل لسدة البرلمان مرشحين تكنوقراط من أصحاب الكفاءات والخبرات، وهذا أمر بالغ الأهمية، لكن ما أردناه أكثر وتحقق هو المشاركة الشعبية الواسعة في الانتخابات، والتي بلغت 73%، وهي النسبة الأعلى منذ انتخابات العام 2002، وقد تخطينا بذلك نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية في دول فيها الديمقراطيات قديمة جدا وراسخة مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا، فأي مجد حققناه بذلك، أي مجد.

وبالفعل، سطر البحرينيون كافة بأحرف من ذهب ملحمة جديدة من ملاحم الوطنية والانتماء، والشعور بالمسؤولية الهادفة، مستشعرين أهمية الدور الذي يقومون به في بناء بلدهم، والعمل على رقيه وتقدمه لاسيما في مجال المشاركة السياسية الحرة، ورفضوا كل الدعوات البائسة التي طلبت منهم مقاطعة الانتخابات.

لا أخشى على البحرين، فجسدها بحمد الله صحيح معافى، وقادر على طرد الفيروسات والميكروبات والتعافي من الأمراض، فقد مرينا سابقًا بصعوبات وتحديات لكننا تخطيناها وخرجنا منها أقوى بحمد الله وبحكمة جلالة الملك المعظم ومساندة صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس الوزراء الموقر، ونحن اليوم نبرهن مرة أخرى على صحة وقوة الجسد البحريني. فمبروك للبحرين ومبروك لنا جميعًا.

الإعلان
بواسطة akmiknas

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s