ليس هناك إجماع عالمي جاد حتى الآن تجاه دعم قضايا البيئة والمناخ، ولم يقدم زعماء العالم المؤثرين الحد الأدنى من التنازلات اللازمة من أجل ذلك، ولم نتخلَّ نحن كشعوب عن جزء من احتياجاتنا من الصناعات وغيرها، والتي قد تكون ملحة؛ حتى نحافظ على استدامة البيئة لنا وللأجيال القادمة، وهذا كله يبرهن على أن جشع الإنسان، وتغليب مصلحة الأفراد والجماعات على مصلحة البشرية ككل.
نعيش اليوم تقلبات مناخية عنيفة، درجات حرارة مرتفعة جدا على مدار العام، وحتى في الشتاء، وفيضانات في دول، وجفاف في دول أخرى، بما فيها الدول الأوروبية، لكن مع الأزمات المترابطة في العالم، وعلى رأسها العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، والتضخم الجامح وخطر وقوع ركود وأزمة الطاقة مع تجدد الدعم لمصادر الطاقة الأحفورية، وأزمة الغذاء، باتت أزمة التغيير المناخي مع الأسف ليست ضمن أولويات دول العالم. ولا شك أن الكبار هم الأكثر مسؤولية، خاصة إذا عرفنا أن الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مسؤولون بشكل مشترك عن أكثر من نصف الانبعاثات العالمية.
سمعت الكثير من التصريحات من قبل المشاركين في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في مصر، وبعض الخطب الرنانة، وأدركت أن الجميع يفهم مدى خطورة الموقف، لكن قلائل جدا هم المخلصين في العمل من أجل إنقاذ البيئة، وخرجت بانطباع أن الحكومات تدعي حرصها على البيئة، لكنها تستنزف الخيرات والموارد إلى أبعد حد بهدف تحقيق أكبر أرقام نمو ممكنة، حالها حال الإنسان الذي يريد أن يأكل الكعكة، وأن يحافظ عليها في الوقت ذاته، وهذا غير منطقي، بل ومستحيل.
يجب أن تكون حربنا من أجل الطبيعة، وليس عليها، وأن ندرك أن غضب الطبيعة كارثي. إنها أم حنون تحتضن أطفالها وتطعمهم، لكنهم يرتكبون خطأ كبيرا إذا اعتقدوا أنها لا تغضب منهم وعليهم، وتزأر وتلفظهم، وهذا كلام منطقي وليس عاطفيًا. تمامًا كحال الفلاح الذي وجد أن إحدى دجاجاته تبيض ذهبًا، ففرح بداية، لكن بمرور الوقت أصابه الطمع، فلم يعد يطيق الصبر لـ24 ساعة كاملة حتى يحصل على بيضة واحدة، فقرر ذبح الدجاجة واستخراج كل ما فيها من بيض دفعة واحدة، فخسر الدجاجة والبيض الذهبي إلى الأبد.
يجب أن يكون العالم مخلصًا لالتزاماته تجاه البيئة، وهناك الكثير من المرجعيات في هذا الصدد من بينها اتفاقية باريس للمناخ في العام 2016، وأن تدعم الدول الغنية الدول الفقيرة الأكثر تأثرًا بالتغييرات المناخية، لا أن يعد الكثير بالكثير، لكن القليل يفعل القليل.
المضحك المبكي أن الكل يعرف ما هي المشكلة، إنها الانبعاثات الكربونية التي يتسبب بها البشر بالدرجة الأولى، والنصر في حربنا على الكربون يتطلب خوض الكثير من المعارك، من بينها المعركة الأساسية وهي تخفيض الانبعاثات، والتحول نحو مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة.
ولا شك أن الإنسانية تخوض معركة بقاء في مواجهة التغير المناخي، ويجب أن يكون هناك اتفاقا جادا بين الاقتصادات المتقدمة والنامية والناشئة من أجل البيئة ولصالح البشرية، لاسيما الصين والولايات المتحدة، والتخلي عن الفحم كمصدر رئيسي للطاقة وتجنب أضراره الخطيرة، وحث المؤسسات الدولية على تغيير نهجها الاقتصادي وتوفير موارد مالية للحياد الكربوني.
بالتوازي مع ذلك، وأمام التوسع في الصناعات اللازمة لتلبية احتياجات البشر الاستهلاكية، تظهر الحاجة الملحة للابتكار في معالجة الانبعاثات الكربونية، ولا أكشف سراً إذا قلت نحن في شركتنا بدأنا منذ نحو خمس سنوات العمل مع كيميائيين اختصاصيين في مجال معالجة الكربون يقودهم عالم كبير متميز، والعمل يتم على تدوير الكربون ليصبح مادة مفيدة مرة أخرى بدل إطلاقه في الهواء، وقد حققنا نجاحات باهرة في هذا المجال، وأصبحنا في الأمتار الأخيرة من السباق مع الزمن لتقديم هذا الحل المبتكر للبحرين والعالم.
نحن نعمل من خلال ذلك على دعم جهود مملكة البحرين ذات الصلة بالاستثمار المباشر في تقنيات احتجاز الكربون، وتخفيض الانبعاثات من خلال مبادرات إزالة الكربون ومبادرات تعزيز كفاءة استخدام الطاقة ومضاعفة مصادر الطاقة المتجددة، وتبني الحلول المتقدمة في مجال التقاط الكربون واستخدامه وتخزينه، وتقليل كثافة انبعاثات الكربون بشكل عام، وصولا لانبعاثات صفرية.
لقد أكد صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء أن مملكة البحرين تواصل دعم المبادرات والمساعي كافة؛ من أجل مواجهة تحديات التغير المناخي، التي تتطلب تكثيف جهود المجتمع الدولي بما يحد من آثارها، وأشار إلى أهمية مواصلة البناء على ما تحقق نحو تعزيز الأمن البيئي من خلال تبني مزيد من المبادرات والخطط والحلول المبتكرة؛ لضمان مستقبل أكثر أمانًا وجودة انطلاقًا من المسؤولية المشتركة للجميع.
وأنا في الواقع سعيد برؤية البحرين أكثر خضارًا، خاصة مع نجاح الخطة الوطنية للتشجير الهادفة إلى مضاعفة عدد الأشجار في مملكة البحرين، وسعيد بسماع أخبار أنه تم هذا العام زراعة أكثر من 140 ألف شجرة في البحرين، إلى جانب زيادة أشجار نبات القرم بأربعة أضعاف، إضافة إلى زيادة مملكة البحرين من طاقتها المتجددة بنسبة 40% في العام الماضي.
ولا يخفى على أحد أيضًا المبادرات الضخمة جداً التي تقودها المملكة العربية السعودية من أجل دعم قضايا البيئة والمناخ ليس على مستوى المملكة فحسب، بل على مستوى العالم، والتي كان آخرها إعلان ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان تخصيص السعودية 2.5 مليار دولار من أجل «مبادرة خضراء» بالشرق الأوسط على مدار الـ10 سنوات المقبلة وستستضيف مقرها الرئيسي. وكذلك تشكل التجربة الإماراتية في مجال الحفاظ على البيئة واستخدام مصادر الطاقة المتجددة أحد أهم التجارب العالمية في هذا المجال.
في الواقع، لا يوجد مجال للتأخير في معالجة قضايا تغير المناخ، ولا بد من معالجة جدية وسرعة للقضايا التي تهدد كوكب الأرض مع ما يشهده من كوارث طبيعية، والعمل الجاد من أجل معالجة أزمة المناخ والاحترار العالمي، وينبغي لجميع البلدان أن تقدم أهدافا مناخية منقحة ومحسنة هذا العام.
فبعد الأمن بمفهومه العام، والأمن الاقتصادي، والأمن الغذائي، بتنا نسمع عن مصطلح «الأمن البيئي»، وهو جانب مهم من الأمن لا يقل على الجوانب الأخرى، فالكوارث الطبيعية والفيضانات أو موجات الجفاف الطويلة تؤدي إلى دمار المجتمعات وخراب الدول، والإنسان المشرد نتيجة تلك الكوارث لن يفقد المأكل والمأوى فقط، بل سيفقد الأمن أيضا.