حللتم أهلا ووطِئتم سهلا، قداسة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان وفضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب، ضيوفا أعزاء على مملكة البحرين استجابة لدعوة جلالة الملك المعظم، برفقة الكثير من الكرادلة والقساوسة وكبار المشايخ ورموز الطوائف الأخرى، وما يبشر بمرحلة جديدة من السلام العالمي تنطلق من بلد عاش أهلها بسلام منذ السنين، وقدموا وما زالوا يقدمون للعالم كله نموذجا في التسامح والتآخي والمحبة.
وبنجاح هذه الزيارة نثبت للعالم أننا بلد الاستقرار والتنمية والازدهار والانجاز، وليس الشعارات الفارغة. بلد تعمل قيادته الحكيمة على المساهمة في خلق مناخ عام لا يقوم على مجرد تقريب وجهات النظر، بل التفاهم والانسجام والانفتاح على عالم جديد أرادته البحرين أن يكون امتدادا لتجربتها، ونجحت في أن تكون حاضنة لانطلاقته، خاصة بعد أن أدرك الجميع أن مملكة البحرين نموذجًا عالميًا في احتضان التنوع الديني والمذهبي والتعايش السلمي بين أطياف المجتمع.
الجميع يرى هذه الأيام بوضوح كيف أننا في البحرين نتعامل مع بعضنا البعض بلا أي تمييز في اللون والعرق والدين والمذهب، بل تجمعنا إنسانيتنا التي هي أكبر من كل تلك الأمور، وعلى كل من يحاول النيل من مسيرة تقدمنا مستخدما تارة حقوق الإنسان وتارة الشفافية الدولية وغيرها، أن يرى التفاعل الشعبي مع زيارة البابا وشيخ الأزهر، ليس من قبل أهل البحرين فقط، بل من قبل المسيحيين والمسلمين الذين يزورون البحرين للمشاركة في جوانب من فعاليات هذا التجمع التاريخي.
كما أن هذا الحدث الفريد من نوعه على أرض البحرين، يؤكد أن على الدول الساعية خلف النزاعات والفتن ونشر التعصب والمذهبية أن تتعلم من تجربة البحرين، وكيف استطاعت أن تحقق أثرا ومكانة على الخارطة العالمية أكبر بكثير من مواردها ومساحتها الجغرافية المحدودة، وذلك من خلال الدبلوماسية الحكيمة ومساعي نشر السلام والاستقرار وتعزيز مستويات الرفاهية للشعوب، وليس إدخالها في متاهات الحروب والشرور والفقر والجوع.
وإن زيارة الحبر الأعظم البابا فرنسيس إلى مملكة البحرين ولقائه بالإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف أحمد الطيب من خلال ملتقى حواري فكري أمر لها دلالات كثيرة مهمة، ذلك أن بابا روما وضع على رأس باباويَته أن يعزز لغة الحوار والتعايش بين المسيحيين والمسلمين في كافة أقطار الأرض، وهذا ما نلمسه بشكل عام من زياراته حول العالم، وكذلك شيخ الأزهر الشريف الذي يؤمن بالحوار والتسامح بين الأديان.
وقد رأينا كيف أن «ملتقى البحرين للحوار.. الشرق والغرب من أجل التعايش» جسَّد نهج مملكة البحرين الدائم في الدعوة إلى نشر ثقافة السلام، والعمل المشترك مع الدول الشقيقة والصديقة لتحقيق كل ما هو خير للبلدان وشعوبها، وإن احتضان مملكة البحرين لهذا الملتقى يُعد برهانًا جليًا للإيمان المطلق لدى قيادتنا الرشيدة بأهمية الحوار والتعاون الوثيق من أجل وضع الحلول الناجحة والعمل على إحلال التعايش والسلام، وتنمية العلاقات مع الدول في محيطها الإقليمي والدولي.
إن اسم ومضمون الملتقى كان اختيارًا ذكيا وجامعًا لمفهوم السلام والتعايش، حيث جاء في وقت فيه العالم في أمس الحاجة إلى حوار سلمي وفتح قنوات للحوار لحل المشكلات الاقليمية والعالمية، ولقاء البابا فرنسيس وشيخ الأزهر هو علامة وحدة في فترة حساسة ومعقدة بل ومأساوية في تاريخنا، حيث يحمل الرجلان ذات الرسالة حول السلام وهو ما تجلى بوضوح خلال توقيعهما وثيقة «الأخوة الإنسانية» في مدينة أبوظبي في العام 2019، حيث دعيا من خلالها إلى نشر ثقافة السلام بديلا عن ثقافة الكراهية، وليس أفضل من مملكة البحرين مهد الحوار والتعايش بين الأديان منذ القدم، بأن تحتضن اللقاء الثاني بينهما.
واليوم يسير البابا فرنسيس وشيخ الأزهر خطوة أبعد على طريق تعزيز مبادئ وثيقة الأخوة الإنسانية، من خلال وثيقة إعلان البحرين وخلق أرضية مشتركة تقوم على القيم المشتركة وتعزيز الاندماج الإيجابي بين الجميع، وتوفير الجو العام الملائم لنشر ثقافة الأخوة والتعايش، إضافة إلى إرسال رسائل مهمة للعالم لإمكان التعايش في سلام وتسامح سواء داخل الدولة الواحدة أو دول مختلفة تنتمي لحضارات مختلفة، وتعتمد على فكرة التعددية وتقبل وجهات النظر والحوار والتسامح والبعد عن الصدام والتطرف.
فالبحرين تقدم للعالم نموذجا رائعا ورائدا حول إمكانية التعايش والسلام والازدهار في بلد متعدد الإثنيات والثقافات والأديان، وترسل رسالة وحدة وتناغم وسلام في عالم تطبعه التوترات والمواجهات والنزاعات. كما أن هذه الزيارة كانت أيضا مناسبة رأى فيها الجميع كيف يمارس الناس على أرض البحرين شعائرهم الدينية واحتفالاتهم العقائدية بكل حرية ومحبة وأمان، وكيف أن المملكة باتت تحتضن الكنيسة الكاثوليكية الأكبر في منطقة الخليج وهي كاتدرائية العذراء سيّدة الجزيرة العربية في منطقة عوالي، إلى جوار مساجد وكنيس ومعابد متنوعة.
نحن نكن كل الاحترام والتقدير لمساعي البابا وشيخ الأزهر من أجل ترسيخ أسس السلام في منطقة الشرق الأوسط ككل، ودعواتهم لدول العالم لتغليب لغة الحوار دائما بدل اللجوء إلى المنازعات. وخلاصة الرسائل التي وصلتنا من فعاليات هذه الزيارة أن هناك تناقضا تاما بين الإيمان بالله والكراهية، بين الدين والعنف، وأن مَن يقبل الكراهية والعنف ينزع عن الدين طبيعته، والتوقف تمامًا عن محاولات التلاعب بالدين واستغلاله لأغراض غير دينية، وتوحيد الجهود حيث بإمكان الدين أن يكون عاملا للمصالحة والسلام والاندماج والتناغم.
وإن أرقى رسالة على هذه الأرض هي التعايش حيث يتم قبول الآخر، وحين نقبله نرفض كل أسباب الكره وما ينجم عنه من بغضاء وعنف وإرهاب، وهو ما يتوافق تحديدًا مع رسالة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه حول التعايش والسلام، وعلينا أن نكون فاعلين في نقل هذه الرسالة، وعلى كل من يعيش على هذه الأرض القيام بهذا الدور، وأنا أدعو السادة السفراء من أصدقاء وزملاء ومعارف أن ينقلوا إلى بلادهم هذه الصورة المشرقة عن بلدي.
شكرًا جلالة الملك المعظم وسمو ولي العهد رئيس الوزراء الموقر وكل من فكر وخطط ونفذ هذا الحدث العظيم الذي سيذكره التاريخ طويلاً، ويمثل علامة فارقة وركيزة أساسية لترسيخ التفاهم والاستقرار والازدهار لنا وللأجيال القادمة.