لا شك أن قرارات صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس الوزراء بإلغاء تصريح «العمل المرن» ورسوم استرداد تكلفة البنية التحتية، تؤكد قرب سموه من التاجر وصاحب العمل والمواطن البحريني، وحرصه على التفاعل مع مرئياتهم ومناشداتهم والاستجابة لها، كما أنه تنم عن مرونة كبيرة في العمل الحكومي، وقدرة على مجاراة تطورات ومقتضيات كل مرحلة من المراحل، في إطار الرؤية الاستراتيجية العامة التي تضع مصلحة الوطن، والمواطن، أولا وقبل كل شيء.
فعندما سمحت الحكومة الموقرة بالفيزا المرنة، وفرضت رسوما على البنية التحتية، كان ذلك مبررا، بل وضروريا، حيث كانت أسعار النفط في الحضيض، وجائحة كورونا قد استنزفت كثيرًا من الموارد، والآن تبدلت الأحوال للأفضل، وسجلت ميزانية الدولة فائضاً مالياً لأول مرة منذ العام 2008، مع معدلات نمو اقتصادي مرتفعة فاقت الــ 6%، وبالتالي أصبح من الممكن التخلي عن بعض الرسوم لصالح المواطن البحريني.
هذه القرارات جاءت في وقتها، وكانت بشارة خير، وأشاعت أجواء السعادة والتفاؤل في ربوع البحرين عمومًا ولدى القطاع الخاص وأصحاب الأعمال بصفة خاصة، وعكست هذه القرارات مرة أخرى حرص سمو ولي العهد رئيس الوزراء على ترسيخ نهج التعاون والتشاور مع رجال الأعمال والشارع التجاري ومدّ جسور التواصل ومراجعة القرارات كافة في ضوء التقييم المستمر وإعادة التقييم والاستماع لمرئيات المختصين والعاملين في القطاعات التجارية المختلفة.
لقد كانت الفيزا المرنة حلاً عملياً للقضاء على ظاهرة العمالة غير النظامية، ولأكون صريحا أكثر، ظاهرة بيع بعض الشركات إقامات للعمال الأجانب، وعند هذه النقطة أقول إنه يجب مضاعفة عقوبة أصحاب السجلات، أيا كانوا، الذين يتربَّحون من تجارة الفيز، خاصة أولئك الذين يستقدمون العمالة من الخارج ويسرحونها في السوق بلا أدنى مسؤولية. إذا لم تكن قادرا على العمل والربح من النشاط التجاري الذي يسمح لك سجلك بممارسته من خلال أداء عمل حقيقي وتنفيذ مشروعات حقيقية، فالأجدر بك الجلوس في بيتك، وألا تسيء إلى وطنك وغيرك من الناس.
لكن مع الأسف أساء البعض فهم غاية ومقصد وتطبيق هذه الفيزا، واستخدموها بطرق ملتوية، وبعض من اعطي الفيزا المرنة أساء التصرف، وقد تعاملت هيئة تنظيم سوق العمل مع هذا الموضوع بإيجابية وتفاعل وتفهم ومشاركة رأي أصحاب الأعمال، والقرار جاء اليوم ليضع حدا للتجاوزات والمخالفات التي يمارسها حاملي الفيزا المرنة، ويوقف إساءة استخدامهم لها، ويخفف الضغط على صغار التجار البحرينيين ورواد الاعمال اللذين يتطلعون لحمايتهم من المنافسة مع أصحاب الفيزا المرنة.
تفصيل صغير لكنه في غاية الأهمية تضمنه قرار إلغاء الفيزا المرنة، وهو إلزامية الحصول على رخصة مزاولة المهنة، ولأول مرة في البحرين سيكون لدينا مراكز تمنح العمالة الأجنبية شهادات تؤكد احترافهم لهذه المهنة أو تلك، وهذا ما يحمي المواطنين والمقيمين من العمالة غير النظامية التي لا تمتلك المهارة والخبرة، فعندما أطلب «بايب فيتر» لإصلاح عطل سباكة في منزلي، سأكون متأكدا من أنه سيؤدي العمل المطلوب على أكمل وجه، وليس مجرد عامل هارب من كفيله يؤدي جميع الأعمال دون أن يتقن أيا منها.
واعتقد أن العوائد الحكومية من رسوم الفيزا المرنة لن تتأثر كثيرًا، وإنما سيتغير شكلها، فبدل أن تستوفي الحكومة تلك الرسوم من صاحب الفيزا المرنة مباشرة، ستستوفيها من خلال الشركة التي سيتوظف فيها التي تدفع رسوما عن كل عامل أجنبي لصالح هيئة تنظيم سوق العمل، دون أن ننسى فائدة العمالة الأجنبية لصندوق التأمينات الاجتماعية.
أما بالنسبة لقرار إلغاء استرداد رسوم تكلفة البنية التحتية، فلا مجال للشك بمدى مساهمة هذا القرار في انتعاش سوق العقارات والمقاولات، هذا القطاع المهم الذي يعتبر محركا أساسيا للنمو الاقتصادي وترتبط به أكثر من 40% من الأنشطة التجارية الأخرة مثل النقل والمفروشات وغيرها، فالقرار خطوة إيجابية تساعد كثيرًا من المستثمرين والمواطنين على المبادرة للبناء دون الخوف من الكلفة الزائدة للبنية التحتية، وهذا يسهم بلا شك في تنشيط سوق العقار أكثر، وأتوقع أن يكون هناك إقبال أكبر سواء من المواطنين الذين يبنون للسكن او بالنسبة للمستثمرين الذين كانو يدفعون عشرات الالاف من الدنانير، وبالتالي تخفيض كلفة البناء.
وأنا في الواقع لا أستبعد قيام الحكومة الموقرة بمزيد من الإعفاءات والتسهيلات، واسمحوا لي لأن أذهب أبعد في هذا الموضوع، وأعرب عن تفاؤلي بقرب مراجعة قرار رفع رسوم الكهرباء والماء الذي أدّى هو الآخر إلى تأثير سلبي واضح على حركة السوق العقارية والقطاع التجاري بشكل عام، خاصة وأن الرسوم المرتفعة وما تسبّبه من خفض للعوائد الاستثمارية لا تعطي الحافز للمستثمر المحلي والخارجي على التوسّع ومواصلة إنشاء المشاريع الجديدة بزخم كبير.
لا بد أيضًا من الإشادة بالدور الذي تقوم به غرفة تجارة وصناعة البحرين في تمثيل أصحاب الأعمال والدفاع عن مصالحهم من خلال رفع مرئياتهم للحكومة الموقرة، وتسليط الضوء على نتائج القرارات ورسم خارطة الاحتياجات الاقتصادية المستقبلية.
لقد طوينا بنجاح وبهمة وعزم «فريق البحرين» صفحة جائحة كورونا التي فرضت في حينها واقعًا اقتصاديًا جديدًا استلزم اتخاذ بعض القرارات، وها نحن اليوم نرى أن الأمور تسير للأفضل، خاصة في ظلّ خطة التعافي الاقتصادي التي أطلقتها مملكة البحرين، والتي جاءت في ضوء مراجعة للأوضاع المالية والتجارية المستجدة وضرورة التكيّف معها، وقد تمكنت البحرين من تحقيق إنجازات غير مسبوقة على المستوى الاقتصادي على الرغم من التداعيات والمتغيرات العالمية الراهنة.
ولقد أثبت سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله دائمًا بأن سموه رجل دولة من الطراز الرفيع، من خلال قيادته الفذة وكفاءته العالية في محطات العمل الوطني كافة، وكان آخرها وقبلها تميّز سموه في إطلاق خطة التعافي الاقتصادي وقيادة فريق البحرين للتغلب على آثار جائحة كورونا، إذ أثبتت المؤشرات الاقتصادية المعلنة مؤخرًا نجاح خطة التعافي وتحقيق معدلات متقدمة في التنمية الاقتصادية خصوصًا في القطاعات ذات الأولوية، بما يعكس المكانة الراسخة للاقتصاد البحريني.
علينا جميعًا إعلاء مصلحة الوطن على مصالحنا الفردية، وأن نثق بقدرة ربان سفينتنا، حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم، وبهمة ومساندة صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس الوزراء، على قيادتنا إلى شواطئ أفضل من الازدهار والتنمية، ليس لحاضرنا فقط، بل لمستقبل الأجيال القادمة.