ماذا لو كان الخبر أن طائرة إندونيسية من دون طيار قتلت مواطنًا كوريًا تعتبره جاكرتا إرهابيًا؟ هل سيتلقى العالم هذا الخبر ويتعامل معه بنفس الطريقة التي تلقى فيها وتعامل مع خبر قتل طائرة أمريكية من دون طيار للمصري أيمن الظواهري في أفغانستان للأسباب ذاتها؟
ليس الأمر دفاعًا عن الإرهابي الظواهري، فأنا والعالم كله يعتقد أن العالم بعد قتل الظواهري أكثر أمنا، وأن اجتثاث تنظيم القاعدة أمر ملح ليس للولايات المتحدة فقط، بل لجميع الدول. ليس تنظيم القاعدة فقط، بل كل التنظيمات الإرهابية التي تستغل الدين أو المذهب أو العرق من أجل نشر الكراهية وتبرير القتل.
لكن الحديث هنا عن الحرية المطلقة ليد واشنطن في قتل من ترى أنه يجب قتله، وحماية من ترى يجب أنه يجب حمايته، دون أدنى اعتبار لمؤسسات المجتمع الدولي مثل مجلس الأمن الدولي ومحكمة العدل الدولية ومنظمات حقوق الإنسان وغيرها من الكيانات التي يفترض أن أمريكيًا المدافع الأول عنها وعن أسباب وجودها.
وبات من الواضح أن هناك برنامجًا أمريكيًا لتصفية أعضاء تنظيم القاعدة في الخارج، ربما تديره المخابرات الأمريكية بالتعاون مع البنتاجون، وهذا البرنامج مستمر مهما تبدلت إدارات البيت الأبيض، ويمكن تسميته بأنه «برنامج للقتل خارج القانون».
هذا البرنامج يبرهن على ازدواجية المعايير الأمريكية، وأن السياسة الأمريكية تستند إلى البراغماتية عمليا، وحقوق الإنسان ظاهريا، أو لنقل إن واشنطن تقدم المصلحة على المبادئ عندما يتعارضان، فلا ننسى أن الظواهري نفسه كان أحد الأدوات الأمريكية في مواجهة السوفييت في أفغانستان، عندما سهلت له ولعشرات الآلاف غيره دخول هذا البلد وقتال الاتحاد السوفيتي «الملحد» وإقامة شريعة الله في أرضه. في ذلك الوقت كان ما يقوم به الظواهري وزملائه يسمى «جهادًا» يمد بالمال والسلاح وليس إرهابا طالما أنه يستهدف أعداء واشنطن.
ضمن هذا البرنامج، قتلت إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما في العام 2011 مواطنًا أمريكيًا هو أنور العولقي بعد أن اتهمته واشنطن بأنه «إرهابي عالمي›› تسعى لاعتقاله أو قتله، والعولقي هذا من أصول يمنية، ويبدو أنه قتل حينها في اليمن بطائرة أمريكية مسيرة أيضًا. حينها قالت ماري إيلين اوكونيل، أستاذ القانون الدولي بمدرسة القانون في جامعة نوتردام، إن قتل أنور العولقي لا ينتهك القانون الدولي فقط، بل القانون الأمريكي أيضًا، كونه يحمل الجنسية الأمريكية ويحظى بحماية الدستور الأمريكي.
بالمقابل، يرى البعض أن قتل الولايات المتحدة الأمريكية لأعدائها من الإرهابيين المفترضين يستند على أرضية قانونية صلبة، فطالما تملك الحكومة الأمريكية أدلة تثبت أنهم يشكلون تهديدًا لها، وأنه من الصعب اعتقالهم، فإن لواشنطن الحق القانوني باتخاذ إجراء حيالهم، بمعنى قتلهم.
نحن نعرف أن كثير من أجهزة المخابرات حول العالم كانت ولا زالت تنفذ برامج قتل واغتيال سرية داخل وخارج حدود دولها لأسباب مختلفة، لكنها لا يمكن أن تصرح بذلك أبدا، أما في حالة الولايات المتحدة الأمريكية، فإن مخابراتها لا تخفِ ذلك، والسبب هو امتلاك واشنطن للقوة والعنجهية والاعتقاد بامتلاك الحق المطلق والشرعية وعدم الخوف من العقاب أو ردود الفعل العالمية.
لقد اغتالت إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش بلدا كاملا هو العراق بذريعة كاذبة هي امتلاكه أسلحة دمار شامل، وهي تعلم أنها كاذبة، لكنها أصرت على تحطيم العراق العظيم، بل أرغمت الكثير من دول العالم على مساندتها في ذلك عسكريا وسياسيا ولوجستيا.
والواقع أن مشكلة العنجهة الأمريكية في اعتقال وقتل من تعتقد أنه يجب اعتقاله وقتله بدأت تأخذ طابعًا منهجيًا منظمًا منذ ذلك الوقت، بعد أن بالغت إدارة بوش الابن في ردة فعلها على أحداث 11 سبتمبر، وقال بوش حينها بالحرف الواحد «من ليس معنا فهو ضدنا»، وسير جيشه العرمرم واحتل العراق، وأفغانستان، وأصبح كالثور الهائج يضرب يمينًا ويسارًا والكل يخشاه، حتى حطم المكان فوق رؤوس أصحابه، وفوق رأسه هو أيضًا.
منذ ذلك الوقت بات القانون الدولي هو القانون الأمريكي، والصحيح هو ما تراه واشنطن، والخطأ هو ما تعتبره خطأ، وتخلت الولايات المتحدة الأمريكية عن مبادئ الحرية والعدالة والمساواة التي قامت عليها وكسبت بناءً عليها احترام العالم، وأصبحت هذه المبادئ مجرد أدوات لتمرير مصالحها الخارجية، وابتزاز الكثير من الأنظمة والدول ليس العدوة فقط، بل الحليفة أيضا.
إنها لغة القوة، وليست لغة القانون، فالظواهري ذاته، وقبله الإرهابي الآخر أسامة بن لادن، ومن هم على شاكلتهما، يرون وفقا لمرجعيتهما العقائدية والدينية أن الولايات المتحدة عدو، وأنه يجب تدميرها، والولايات المتحدة تبادلهما نفس الموقف، والعقائد لا تموت بموت الأشخاص، بل ربما تشتد في الأجيال اللاحقة التي تتوسع في دائرة الثأر والنار، ويبقى التهديد قائما للولايات المتحدة أولا، فكيف للولايات المتحدة أن تنسحب من أفغانستان وتفاوض طالبان كممثلين عن هذا البلد ثم تستحل أرضه وسمائه تنفذ فيها ما تشاء من عمليات دون تنسيق مع من يفترض أنهم شركاء في السلام المزعوم هناك؟
هل لغة القوة تمنح الدول الكبرى ما لا يحق لغيرها؟ هل تسمح لدول مثل روسيا والصين رخصة قتل أشخاص خارج الحدود كائنا من كانوا بطائرة درون أو صاروخ أو مسدس كاتم صوت؟
أنا لا أخفي إعجابي بالغرب والحضارة الغربية، الأوروبية والأمريكية، بل وأعتقد أن الدول التي وضعت يدها في يد أمريكا مثل اليابان وكوريا الجنوبية وحتى دول الخليج العربي تمكنت من الحفاظ على أمنها واستقرارها أولاً، واللحاق بركب الحضارة العالمية ثانيًا، أما الزعماء الشعبويين الغوغائيين أمثال القذافي وصدام حسين وهوغو شافيز وملالي إيران فتبين أنهم لم يختاروا الجانب الخاطئ من التاريخ فقط، بل أذاقوا دولهم وشعوبهم ويلات الحرب والجوع بعد أن سيطروا على عقولهم بالعنتريات الفارغة أمثال «الشيطان الأكبر» و«طز في أمريكا».
لكن بالمقابل على الولايات المتحدة التصرف انطلاقًا من مسؤولياتها الأخلاقية ومبادئها القانونية وموقعها القيادي العالمي، حتى تحافظ على احترامها لدى باقي الشعوب، ولا يجب أن تقابل إرهاب الأفراد بإرهاب الدولة، وإلا لكان ذلك تأكيدًا بأن شريعة الغاب هي السائدة في هذا العالم وليس شرعة القانون الدولي وحقوق الإنسان.