ليس أجمل من أن تصلك الأخبار السعيدة عن بلدك وانت بعيد عنه، وكأنها «مكتوب» وصلك من أهلك في غربتك. تنسى الناس والأماكن التي تحيط بك في بلد إجازتك فيما أنت تقرأ وتتمعن بالتقدم والتطور الذي يشهده بلدك.
هذا كان حالي عندما قرأت الأخبار عن برنامج التمويلات الإسكانية الجديدة في البحرين وأنا أمضي حاليا إجازتي في أوروبا، ليبدأ ذهني مرة أخرى بالمقارنة بين ما نعيشه في البحرين والخليج العربي من نعمة تشمل حتى رعاية الحكومات لسكن مواطنيها، مقابل ما يعانيه الكثير من المواطنين -حتى في دول أوروبا الغنية- من تحديات في توفير متطلبات الحياة الأساسية من طعام ووقود وغيرها.
حرصت على أن أهنِّأ كثير ممن رأيت صورهم في الصحف خلال المؤتمرات الصحفية للإعلان عن التمويلات الإسكانية الجديدة: سعادة وزير الإسكان آمنة الرميحي، والأصدقاء الأعزاء الشيخ خالد بن حمود وكيل الوزارة، والدكتور خالد بن عبد الله مدير عام بنك الإسكان، وغيرهم، على هذا الإنجاز الكبير، ونجاحهم في ترجمة توجيهات حضرة صاحب الجلالة الملك المفدى وتعليمات سمو ولي العهد رئيس الوزراء حفظه الله في توفير السكن اللائق للمواطنين.
وفي الواقع عندما تخبر صديقا إيطاليا أو ألمانيا أو بريطانيا مثلاً أن المواطن البحريني يمكنه الحصول على تمويل مدعوم من الحكومة يصل لـنحو 180 ألف دولار من أجل وحدة سكنية يسدد أقساطها على مدى 25 أو 30 عامًا، سيتفاجأ بلا شك، خاصة وأن بعض الأوربيين يمضون عمرهم يسددون أقساط دراستهم الجامعية!
وبات من الواضح أن البحرين تمكنت على مدار السنوات الماضية من وضع منظومة فاعلة لتوفير خدمات الإسكان للمواطنين، أطرافها كل من وزارة الإسكان والتخطيط العمراني وبنك الإسكان وشركات التطوير العقاري والبنوك التجارية، حتى أصبحت ثمار عمل هذه المنظمة أنموذجا يحتذى.
واسمحوا لي أن أؤكد هنا بكل فخر وسرور، أن مجموعة بروموسِفِن القابضة عضو أصيل وفاعل في هذه المنظومة، وقدمت وتقدم العديد من المشروعات الإسكانية المتكاملة، للمواطنين والمستثمرين، بما فيها حدائق الديه، وأبراج اللولو، وحالياً مشروع ديار الخير في منطقة السنابس والمقرر أن يضم قرابة أربعة آلاف شقة عند اكتماله.
ولا ننسى أن الحكومة الموقرة قدمت الكثير من التسهيلات للمضي قدمًا في تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص، ومن بينها منصة استثمار الأراضي الحكومية إلى جانب توفير العديد من الأراضي وطرحها للقطاع الخاص لبناء بيوت وشقق تناسب الأسر البحرينية، كما أتاحت المجال للجميع دون استثناء بالشراكة معها في تنفيذ المشاريع الإسكانية.
ولا نستطيع الحديث عن التطورات الكبرى في القطاع العقاري ككل في البحرين دون الإشارة إلى جهد اللجنة الوزارية للمشاريع التنموية والبنية التحتية برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء معالي الشيخ خالد بن عبدالله آل خليفة، والتي تمكنت من حلحلة جميع المشاريع العقارية المتعثرة، كما لا بد من الإشادة بإنشاء مؤسسة التنظيم العقاري، برئاسة معالي الشيخ محمد بن خليفة بن عبدالله وما تقوم به هذه المؤسسة من دور رائد في تنظيم السوق العقاري، وتنظيم العلاقة بين المطور والمستفيد بما يضمن مصلحة الاثنين معًا.
ومن الأسباب الرئيسية التي تدفعنا للاعتقاد بالأثر الإيجابي الكبير المرتقب لبرنامج التمويلات الإسكانية الجديدة على قطاع المقاولات والإنشاءات ككل هو أن السوق المحلي في البحرين يعتمد بالدرجة الأولى على المواطنين، خلافًا لمناطق أخرى في العالم مثل دبي التي يأتي الإماراتيون في المرتبة الثالثة أو الرابعة في تملك العقارات فيها بعد الهنود والصينيين وغيرهم. كما أن سوق العقارات في مملكة البحرين يتسم بالجاذبية والشفافية والتنظيم وتحقيق عوائد مجزية للمستثمرين بعيدًا عن الفقاعات العقارية
وكرجل إعلان وعلاقات عامة، شد انتباهي أسماء برامج التمويل الإسكاني الجديدة: «تسهيل» الذي يندرج تحته «تسهيل عقاري»، و«تسهيل البيت العود»، و«تسهيل تعاون»، وهي أسماء موفقة في اختيارها، ومطابقتها لوظيفة ونوعية القرض. والمواطنون المدرجة أسمائهم في قائمة الانتظار بوزارة الإسكان، وحتى أصحاب الطلبات الإسكانية الحديثة، أصبحوا اليوم أمام المزيد من الخيارات التمويلية الميسرة والفورية والمتنوّعة.
النهضة الكبيرة المرتقبة في سوق العقارات والمقاولات في البحرين ليست بمعزل عن تطورات كبرى تشهدها قطاعات أخرى، في مقدمتها القطاع السياحي، وهذه مناسبة أجدد فيها دعوة زملائي المستثمرين إلى تعظيم النشاط السياحي من خلال بناء مدينة سياحية متميزة تزيد من قدرة البحرين التنافسية على استقطاب السياح والزائرين، وإقامة مشاريع تخلق الطلب في السوق.
بالمقابل، لا بد من التأكيد أن حلول أزمة الإسكان لا يجب أن يعتمد فقط على توفير وحدات إسكانية بمعدل يفوق الطلب عليها، وأجدد هنا دعوتي لتكون مساحة المقسم السكني أقل من 200 متر حتى، لماذا لا تكون 150 أو حتى 100 متر؟ خاصة وأن هندسة البناء الذكي تتيح توفير الإضاءة والتهوية وغيرها من الشروط المطلوبة في مساحات أقل من ذلك.
وكما أسلفت، أكتب هذا المقال وأنا حاليا في أوروبا أمضي إجازتي السنوية، ولا شك أن الناس هنا – في لندن مثلاً – تطمح إلى السكن في بيوت مستقلة، بل وقصور، لكنهم يدركون صعوبة ذلك، لذلك لا مشكلة لديهم أبدا في السكن في شقق مراعاة لظروفهم الاقتصادية وعدم وجود فائض من الأراضي. هذا التفكير يصح في البحرين أيضا، فبدلاً من أن يهدر الشاب من عمره سنوات في انتظار بيت الإسكان، ربما يكون من الأنسب له تكوين أسرة والسكن في شقة، ثم العمل والاجتهاد للحصول على بيت، بل وقصر.
وإذا كانت الحكومة ابتكرت وقدمت لنا كمطورين عقاريين هذه التمويلات الإسكانية الجديدة، فنحن كشركات تطوير عقاري مدعوين أيضًا للابتكار، ولا بأس هنا من الإطلاع على التجارب العقارية المختلفة في دول العالم، والاستفادة منها بما يتناسب مع واقع السوق المحلي، بحيث تكون أفكار خلاقة وإبداعية تستفيد منها البحرين والبحرينيين.