وصلني العديد من الردود الإيجابية المشجعة من معارف وأصدقاء ومتابعين حول مقالي السابق الذي تناولت فيه التعديل الوزاري الأخير تحت عنوان «البحرين.. تجدد مستمر»، ممن يشاركونني الأفكار والتوجهات ذاتها، ويشعرون بالرضا، بل الحماسة والتفاؤل، إزاء ميسرة التنمية والازدهار بالبحرين.
لكن هذا المقال ذاته أثار أيضًا عددًا من التعليقات غير الودودة وغير المشجعة من قبل أشخاص وإن كانوا قلائل، اتهموني بأني أحابي الحكومة دائمًا، وأسهب في إطرائها، والثناء بسرعة على جميع قراراتها واجراءاتها ومشاريعها وأعمالها، بل والسير خلفها «على العمياني» كما يقال.
وأريد أن أوضح اليوم في هذا المقال موقفي من تلك التعليقات، من خلال سرد عدد من الحقائق، من بينها أنني كاتب رأي غير متفرغ نتيجة ازدحام جدولي اليومي بكثير من الأعمال، ولا أكشف سرًا إذا قلت إنني لا أملك الكثير من الوقت للرد على تلك التعليقات وتفنيدها، أو التعاطي مع جميع أو معظم القضايا المطرحة، وتقديم موقف ورأي بشأنها، منطلقا في هذا الاعتراف من مقولة «رحم الله امرئ عرف قدر نفسه».
لذلك أنا أختار من خلال مقالي الأسبوعي واحدة تشكل باعتقادي أهم قضايا الساعة، اقتصاديًا أو سياسيًا أو تنمويًا أو فكريًا أو ثقافيًا، محليًا أو إقليميًا أو دوليًا، وأدون رأيي بشأنها، في نحو 850 كلمة، أعتقد أنه تحظى باهتمام جيد، لكن لا أزعم أنني سأغير العالم من خلالها.
ثم إنني مؤمن بدور الصحافة التنموي، التثقيفي والتوعوي، ومساعدة الناس على تحسين ظروف حياتهم، وعرض القضايا والأفكار أمامهم بما يساعدهم على فهم أعمق وأشمل لها، وضمان مشاركتهم في اتخاذ القرار حتى يكونوا إيجابيين تجاه الالتزام به وتنفيذه، وتوجيههم نحو البناء والتنمية، وتعزيز تماسك المجتمع وتلاحمه وأمنه واستقراره وازدهاره.
بالمقابل أنا لست، أو لم أعد، مؤمنًا بالصحافة الساعية خلف إثارة النعرات والفرقة والشقاق، صحافة الحزب والعقيدة والإيديولوجيا، الصحافة التي تمولها جماعة أو حزب لتضرب من خلالها جماعة أو حزب آخر، الصحافة التي تستغل الحرية من أجل تخريب النظام والدولة والمجتمع.
لكن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن تتخلى الصحافة عن دورها كسلطة رابعة، تتكامل مع السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية وتساعدها على أداء مهامها، وتسلط الضوء على النواقص والثغرات ومواطن الهدر والخلل والفساد، شرط أن تكون رفاهية المجتمع واستقراره هي الهدف وليس العكس، بمعنى أن تكون الصحافة معول بناء وليس معول هدم.
أنا لست قياديًا برلمانيًا أو ممثلاً لجمعية سياسية ولست قوة تغيير، وليس هدفي من الكتابة أن أصبح قائد رأي وفكر وأحشد خلفي الاتباع حتى يطالبني أحد ما بأن أكون سليط اللسان في كتاباتي، بل أنا أقدم نفسي، وبكل صراحة، على أنني مواطن صالح يعيش في مجتمع يقبله كما هو، يرى فيه الكثير من الإيجابيات التي يجب أن يشعر بها ويعمل على تعزيزها، وبالطبع هناك تحديات يساعد في تجاوزها. وإن هدفي الأساسي من كتابتي هو مشاركة مجتمعي الذي أعيش به أفكارًا من الممكن أن تفيده وترفع مستويات الرضا والإيجابية فيه، وتحفزه على العمل والعطاء.
لقد عشت وعملت في أماكن كثيرة حول العالم، لكن أستطيع التأكيد أن البحرين هي أكثر مكان أشعر فيه بالطمأننية، الطمأنينة على حياتي وحياة عائلتي من حولي، وعلى رزقي وأملاكي وأعمالي، وأعرف أن حقوقي مصانة، لا يعتدي أحد عليها، ولا يمكن لي بالطبع الاعتداء على أحد، وأتعامل مع الناس بثقة وأريحية كاملة، لا أخافهم ولا يخافونني، بل احترمهم ويحترمونني إلى أبعد حد.
وفي كل يوم أشعر أن بلدنا يتطور نحو الأفضل، حتى في أصعب المواقف والأزمات السياسية والاقتصادية والصحية التي مررنا بها، كنت مطمئنا في قرارة نفسي ألا شيء يدعو للقلق، وأن قيادتنا قادرة على التصدي لمختلف التحديات، وأن دفة السفينة بيد ربان ماهر أثبت لنا في كل مرة قدرته على العبور بنا نحو بر الأمان.
بالمقال، أنا لم أعد أفهم أو أرى سببًا مقنعًا للمعارضة بمفهومها القائم على نقد السلطة وكيل الاتهامات لها جزافا، خاصة بعد ما مررنا به من أحداث مؤسفة بل أليمة ودموية في منطقتنا، وبعدما رأينا كيف دمَّر الناس بلدانهم بينما كانوا يعتقدون أن المظاهرات والخروج إلى الشوارع سيجعل من دولهم مكانًا أفضل، ومن نافل القول إن المعارضة اليوم باتت أشخاصًا مرتزقة يسعون لخراب دولهم من خارج حدودها، إلا من رحم ربي.
ورسالتي لهؤلاء المعارضين ليست إقصائية، بل منطقية، مفادها أن الأوضاع التي نعيشها اليوم أكثر من ممتازة، خاصة إذا ما قارنا أنفسنا بكثير من دول العالم بما فيها الدول المتقدمة، فمستويات المعيشة والصحة والتعليم والعمل من بين الأعلى عالميًا، لذلك من أراد المعارضة بهدف المعارضة فقط، فليتركنا ويكف بلاه عنا.
لقد عشت في البحرين بالذات ودول الخليج العربي بالمجمل وخاصة دبي والكويت والسعودية بشكل دائم على مدى آخر نصف قرن، وفي كل من أيام حياتي كانت ابتسامتي وسعادتي وفرحي فيما أراه من تقدم ونمو تزداد وتكبر. وقد عايشت الكثير من حكام هذه المنطقة من الذين أعطوا لشعبهم الكثير الكثير بعطف وحنان وأبوة.
في البحرين لدينا تجربة ديمقراطية متقدمة، وهناك قنوات دستورية مثل مجلس النواب يمكن من خلالها مراقبة أداء الحكومة، ونقل مرئيات وتطلعات ومطالب الناس للمسؤولين، والناس أنفسهم مسؤولين عن انتخاب النائب الذي يمثلهم بحق، بما يسهم في مشاركة الجميع في الحياة العامة. وعند حدوث تقصير في الأداء هنا أو هناك، ويقصر مسؤول أو وزير عن النهوض بمسؤولياته يتم اتخاذ إجراءات تصحيحية مناسبة، وهنالك الكثير من الأمثلة التي يعرفها الجميع.
نعم أنا مع البحرين، وأحب قيادتها وحكومتها وشعبها وأرضها، وأريد أن أكون فاعلاً مساهمًا نشطًا في تحقيق تنميتها وازدهارها.
وأنا أؤكد لكل من يقرأ مقالاتي، سواء أعجبته أم لم تعجبه، أنني لا أجامل في كتاباتي، بل دعوني أقول إن ضميري مرتاح إلى ما أكتب، متمثلاً قول الكاتب والمفكر والدبلوماسي الكبير غازي القصيبي عندما ذكر ما معناه: «ربما لم أكتب كل الحقيقة، لكن على الأقل، أؤكد لكم أن كل ما كتبته حقيقة».