البحرين.. الأسعد عربيًا

أتى تقرير السعادة الذي الذي يصدر سنويا بإشراف الأمم المتحدة ليضع البحرين في طليعة الدول العربية سعادةً، وفي المركز الـ21 عالميا، وليذكرنا مرة أخرى بالنعمة التي نعيشها على هذه الأرض الطيبة بفضل من الله، ورعاية من قادتنا، وعمل وجهود القائمين على أمورنا الخدمية والصحية وغيرها، وطبعا تكاتفنا وتلاحمنا ومحبتنا بعضنا البعض.

في الواقع لم تكن نتائج هذا التقرير مفاجئة كثيرا بالنسبة لي، رغم أن جزيرة صغيرة جغرافيا بموارد ليست كبيرة، فأنا أدرك الأثر المباشر للمال والراحة المادية على السعادة، لكن ما هو أهم باعتقادي هو الاستقرار والأمن والطمأنينة، فالدولة مثل الجسد، والجسد المتناغم مع العقل هو جسد سعيد من الداخل، وينعكس ذلك إلى الخارج، تماما كما هي الأسرة السعيدة المتناغمة التي تعكس صداها على المجتمع ككل.

في البحرين الجميع يتحلى بالأمل بمستقبل أفضل، لا يمنعه من تحقيق ذلك أي عائق، وهذه الحرية الشخصية أساسية من أجل الشعور بالسعادة، وحتى أولئك الذين لا يملكون المال، تراهم يجتهدون من أجل الاستفادة من المزايا التي أتاحتها لهم الحكومة، وينامون كل يوم وهم واثقين بأن غدا سيكون أفضل، وأن حياتهم ستتقدم وتتغير للأفضل، لأن الطريق واضح والمسار جلي، والسفينة بيد ربان ماهر يبحر فيها نحو بر الأمان.

أنا لا أرسم من خلال هذا الكلام صورة وردية للأوضاع الاقتصادية والمعيشية لجميع الناس بلا استثناء في البحرين، فهناك نسبة بطالة وإن كانت ضئيلة، وهناك الحاجة لتسريع الحصول على الخدمات الصحية في مجمع السلمانية الطبي مثلا، واختصار زمن الحصول على الخدمات الإسكانية.

لكن لنأخذ مثالا على ما يعيشه العالم اليوم من تضخم وجنون في ارتفاع أسعار المواد الأساسية بما فيها المواد الغذائية وأسعار الوقود، هل نشعر في البحرين بذلك بنفس الشدة التي يشعر بها حتى المواطن الفرنسي أو البريطاني أو الكندي؟

لنتذكر معا أصعب أيام جائحة كورونا، وكيف كان الأمريكيون يصطفون في طوابير طويلة من أجل الحصول على وجبة غذاء من «بنوك الطعام»، فيما بادرت الحكومة البحرينية إلى الطلب من المواطنين والمقيمين الجلوس في منازلهم وتكفلت بفواتير الكهرباء والماء ورواتب القطاع الخاص وأجلت الأقساط وأعطت المساعدات لشركات القطاع الخاص، فضلا عن توفيرها لرعاية صحية قل نظيرها حول العالم، فهل علمتم لماذا تصدرت البحرين قائمة تقرير السعادة؟

تقدم البحرين على مؤشر السعادة العالمي يعكس أيضا ارتقاء البحرينيين علميا وثقافيا وعمليا ومهنيا، ولا أكشف سرا إذا قلت إنني كنت في السابق لا أكترث كثيرا لمسألة توظيف البحريني، خاصة في المناصب العليا الحساسة، لكني اليوم أدرك تماما أن البحريني أكثر عطاء وولاء وإخلاصا في العمل، وأنا كشركة تبحث عن الإنتاجية وتحسن الأداء لن أجد أفضل من البحريني للقيام بهذه المهمة.

نقطة مهمة أريد الإشارة إليها عند الحديث عن السعادة، وهي العدالة والإنصاف التي أجدها في البحرين ولا أجدها في كثير من الدول، حيث إن اللجوء إلى القضاء هو جزء ملازم لا محالة للأعمال والمشروعات، ولا يعترني أي شك بأن القضاء سينصفني ويأخذ لي حقوقي كاملة، كائنا من كان خصمي.

إن الجهود الطيبة المبذولة من أجل تطوير إجراءات التقاضي، وإدخال التقنية في معظم مفاصلها، وتعيين المزيد من القضاة والخبراء من أجل تسريع التقاضي وتنفيذ الأحكام، لا تنعكس إيجابا على الجهاز القضائي ذاته فقط، بل على جميع الناس، من تجار ومهنيين وموظفين وغيرهم، لأنه عندما يدرك ضعاف النفوس أنهم ليسوا في مأمن من العقاب فإنهم لن يسيئوا الأدب.

البحريني فخور بكونه بحرينيا، وفخور بالإنجازات الإقليمية والعالمية لبلده متوقفا بذلك على دول كبيرة جغرافيا وسكانينا. هل شاهدتم الصورة الرائعة لخيالة الحرس الملكي البحريني ترفع علم البحرين الغالي في احتفالات صاحبة الجلالة الملكة اليزابيث الثانية ملكة المملكة المتحدة وشمال ايرلندا مؤخرا؟

والبحريني محبوب في كل مكان، فالكل يحبه، يراه خلوقا وخدوما بكل معنى الكلمة، لأنه سعيد، وينقل سعادته للآخرين، والبحريني يسير في العالم رأسه مرفوع الرأس لا يعرف معنى الذل أو الإذلال، يعرف ما له وما عليه، يتعلم منذ صغره احترام أفراد أسرته وأصدقائه في الفريج والمدرسة ومحيط العمل، ويحب مجتمعه ويعيش معه باحترام متبادل.

بالمقابل، ومع الأسف الشديد، تذيل لبنان الترتيب العالمي لمؤشر السعادة، حيث جاء المركز قبل الأخير، لم يسبقه إلى هذا المجد سوى أفغانستان. لم يكن لبنان بهذا البؤس والشقاء من قبل، وكذلك سوريا والعراق واليمن، وهذا يؤكد أن سبب القهر والتعاسة في هذا الدول ليس داخليا، وإنما جاءها من الخارج، عندما شرعت أبوابها عن قصد أو بدونه أمام الغرباء الذين عاثوا فيها فسادا ولا يزالون، يقولون إنهم يناضلون لتحرير فلسطين، لكنهم يتوسعون في كل الاتجاهات عدا اتجاه القدس.

كان يقال «نيال من عنده مرقد عنزة في لبنان»، واليوم أصبح أسعد الناس من يستطيع السفر من لبنان، والتحدي أمام المواطن اللبناني ليس ماديا فقط رغم أن الفقر يزيد الطين بلة، إنما التحدي هو أن كل ما يراه حوله بعكس ما هو موجود في البحرين، الحكومة والقضاء والبنية التحتية والخدمات الصحية وفرص العمل..، كلها منهارة ومعدومة خلافا لما هو عليه حالها في البحرين.

أعود لأؤكد أن السعادة لا تعتمد على المال فقط، بل على الأمن والطمأنينة والتفاؤل بالمستقبل، انظر مثلا إلى المواطن المصري، ليس لديه الكثير من المال في وطنه، لكنه يبتسم ويغني متفائلا بالمستقبل، خاصة بعد أن تخلص من المتطرفين.

ما أجملها مقولة السيد جيفري ساكس أحد معدي تقرير السعادة العالمي عندما قال إن «الأمثولة التي يعطينا إياها هذا التقرير هي أن التضامن الاجتماعي والسخاء بين الأشخاص وصدق الحكومات أمور أساسية لرخاء السكان»، مضيفا «يجب على قادة العالم أخذ هذه العوامل في الاعتبار».

إنها رسالة قوية من السيد ساكس يجب أن يقرأها ويستوعبها كل قادة الدول والأحزاب والقوى السياسية وصناع القرار حول العالم، وأن يفهموا من خلالها أن سعادة شعوبهم لا تقوم على الحروب والدمار والغزو والتدخل بشؤون الدول الأخرى، وإنما التوجه نحو تنمية حقيقية وبناء حاضر ومستقبل مستقر ومزدهر يحقق تطلعات المواطن ورفاهيته، وأولا وقبل كل شيء يحفظ له كرامته الشخصية.

الإعلان
بواسطة akmiknas

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s