أعادني الحراك الانتخابي والتنافس الديمقراطي لمرشحي غرفة تجارة وصناعة البحرين هذه الأيام إلى ذكريات جميلة في العام 2002، عندما توجهت باكرًا إلى المركز الانتخابي متحمسًا للإدلاء بصوتي في أول انتخابات نيابية وبلدية تجري بالبحرين في الألفية الجديدة. ذهبت مبكرًا حينها مدفوعًا بحماسة كبيرة للمشاركة في رسم مستقبل البلد، ولأكون أيضًا مثلاً يحتذى لكل الدائرة المحيطة بي ومن يعمل معي.
وفي انتخابات غرفة التجارة المقررة في مارس القادم، سأحرص أيضًا على الذهاب مبكرًا للمشاركة فيها، ومنح صوتي للتاجر الذي يستحق أن يمثل القطاع الخاص ويستكشف أفق تطوره ويشخص مشاكله ويضع حلولاً لها، مدفوعا أيضا بذات الحماس الذي عشته في العام 2002؛ لأن التجربة الديمقراطية في البحرين واحدة، ولن تحقق النجاح الذي ننشده لها إلا بمشاركتنا جميعًا فيها.
سأمنح صوتي للمرشّح ذي السمعة الطيبة، والذي يستطيع إقناعي ببرنامجه الانتخابي، ويبرهن قدرته على فهم التحديات التي نواجهها كتجار، ولا يسعى لتحقيق مصالحه الخاصة فقط، وسأسعى للتقصي بشأن المرشحين للتأكد من مدى فاعلية من سأختاره، ومدى قدرته على تنفيذ ووعوده الانتخابية، فالعمل التجاري العام اليوم يحتاج إلى حسّ وطني عالٍ، ومساندة الخطط الحكومية للنهوض بالاقتصاد الوطني، بما فيها خطة التعافي الاقتصادي، والاستراتيجيات التي انبثقت عنها ذات الصلة بالقطاع السياحي والصناعي والمالي واللوجستي والتقني.
ولا يمكن التقليل من أهمية المشاركة في انتخابات غرفة التجارة بدعوى عدم فاعلية الغرفة وأثرها المحدود في الشارع التجاري، حيث إن الغرفة لديها إمكانات كبيرة جدا، وقادرة على المساهمة الفاعلة في تنمية الاقتصاد الوطني، وصولاً إلى دعم مسارات التنمية في البحرين ككل، لأن الاقتصاد هو قاطرة التنمية، ولأن الرخاء والازدهار يؤدي بالضرورة إلى التطور الاجتماعي والثقافي والعمراني والحضاري.
الجرأة مطلوبة في عمل غرفة التجارة، خاصة وأن أبواب الحكومة مفتوحة أمام التجار، وطالما أن الغرفة تمثل التجار فعليها نقل همومهم وتحدياتهم للحكومة، خاصة تلك التحديات ذات الصلة بالإجراءات الروتينية مع جهات رسمية كثيرة، فالتاجر يدرك أن الوقت من ذهب، وتأخر إنجاز معاملاته يضيع عليه فرصا كبيرة، والحل هنا لا يكون من خلال التوسط لتسريع هذه المعاملة أو تلك، وإنما من خلال تطوير نظام العمل ككل بما في ذلك التشريعات والأداء وإدخال نظم المعلومات الحديثة.
نحتاج أيضا كتجار، وفي مقدمتنا ممثلينا في غرفة التجارة، أن نكون أكثر انفتاحا تجاه زملائنا من المستثمرين من المنطقة والعالم، وألا ننغلق على أنفسنا وتجارتنا، ونكون أكثر شجاعة في الدخول بشراكات تجارية عابرة للحدود، وأقول ذلك لأني أسمع من مستثمرين زملائي تعليقات حول صعوبة بدء استثماراتهم في البحرين نتيجة عدم رغبة أو قبول تجار بحرينيين التعامل والعمل معهم، رغم محبة هؤلاء المستثمرين للبحرين بسبب انفتاحها وحضارتها ورقيها.
فغرفة التجارة يجب أن تكون نافذة لنا على الأسواق الإقليمية والعالمية، ونحن كتجار، لا يجب أن نكون منغلقين على ذاتنا، خاصة وأن العالم كله أصبح سوقا واحدا يبيع ويشتري أي شيء في أي مكان شئنا ذلك أم أبينا، لذلك لا بد من أن نمد يدنا للمستثمرين ونعمل معهم، وأن نسخر هذا العمل من أجل خدمة شركاتنا وموظفينا ووطننا.
دون أن ننسى أنه في بعض الدول يحق لجميع التجار المسجلين في غرفة التجارة، مواطنين وغير مواطنين، التصويت في الانتخابات، فحسابات الجنسية والإقامة ليست ذات اعتبار في الاقتصاد العالمي الحديث الذي تتنافس فيه الدول على جذب الأثرياء ورجال الأعمال.
وأؤكد أيضًا أنه لا شك أن امتلاك خبرات متنوعة ومتكاملة بين أعضاء مجلس إدارة الغرفة الـ18 ضروري جدًا من أجل اتخاذ قرارات صحيحة تمثل نتاج آراء الجميع، وعلى رئيس وأعضاء مجلس إدارة الغرفة القادم، أيًّا كانوا، أن يدركوا أنهم صوت جميع التجار، من انتخبهم ومن لم ينتخبهم، حتى أولئك التجار الذين ترشّحوا ضدهم، بل لا بأس من تضمين جميع البرامج الانتخابية المتنافسة في خطة عمل واحدة تسير عليها الغرفة، كما أنه لا بأس من إشراك الخاسرين بالانتخابات في لجان الغرفة المختلفة.
لن أكون مثاليًا وأقول إن على التاجر الذي سيفوز في انتخابات الغرفة القادمة أن يتخلى عن مصالحه ويترك أعماله ويتفرغ للعمل في الغرفة، لكن بالمقابل ليس من المنطق أن يستثمر منصبه في الغرفة في خدمة أعماله فقط، بل عليه أن يكون مفيدا لنفسه وللقطاع الاقتصادي الذي يعمل فيه ولكل التجار من حوله، ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
قديمًا كان التاجر البارز يسمى شهبندر التجار، ويعتبره التجار الأب الروحي لهم، وإليه يلجؤون لحل مشكلاتهم والتقاضي فيما بينهم، ومنه يستمدون الأسس الأخلاقية التي يقوم عليها العمل التجاري من صدق وثقة وتعاون، وكل عضو مجلس إدارة غرفة عليه أن يتقمص شخصية هذا الشهبندر طالما أن زملاءه التجار وضعوا ثقتهم به.
وكلما استطعنا إبعاد النزاعات الشخصية والتجارية والعائلية عن انتخابات الغرفة تمكنا من اختيار المرشح الأكثر جدارة وكفاءة في تمثيلنا، لأن عضوية مجلس إدارة الغرفة ليست وجاهة بقدر ما هي مسؤولية تنطلق أساسًا من رغبة شخصية لدى التاجر في مساندة أخوته التجار على اختلاف أحجام أعمالهم كبيرة كانت أو صغيرة، ومساعدتهم على تطويرها وتنميتها في إطار تطوير الاقتصاد الوطني ككل.
وأرى أن مصطلح العائلات التجارية بدأ بالتفكك منذ وقت طويل، وأن كثيرا من أفراد تلك العائلات باتوا يملكون أعمالا وشركات تعمل باستقلالية تامة عن العائلة، وإن كانت لا زالت تحمل اسمها، كما أن دولة الإمارات العربية المتحدة أنهت احتكار العائلات التجارية فيها لكثير من الوكالات التجارية، ولست بصدد مناقشة هل هذا الاتجاه صحي في البحرين أو لا، لكن ما أعرفه وأنا متأكد منه أن النجاح اليوم أصبح فرديا أكثر، كما أن سرعة تراكم الثروات الفردية في عصر الاستثمارات التكنولوجية الكبيرة اختصر الزمن كثيرًا، ولم يعد الفرد بحاجة لأجيال حتى يكون ثروته.
أعود لأؤكد أن التجربة الديمقراطية لا تتجزأ، وقد كان واضحا منذ بداية المشروع الإصلاحي لجلالة الملك المفدى أن مملكة البحرين تبني ديمقراطية حديثة، ونعمل في كل تجربة انتخابية على إنضاج هذه التجربة، ونأمل أن أهل البحرين الطيبين قد أصبحوا على درجة جيدة من الوعي ويدركون أهمية صوتهم والثقة التي يعطونها لمن يختارون سواء في انتخابات الغرفة في مارس القادم، أو في انتخابات المجلس النيابي والمجالس البلدية المرتقبة نهاية العام الجاري، عام الانتخابات في البحرين.