لم يفاجئني كثيرًا توجيه الشيخ هشام بن عبدالرحمن آل خليفة وكيل وزارة الداخلية لشؤون الجنسية والجوازات خلال اجتماعه مع مديري عدد من الفنادق مؤخرًا بإنشاء خط ساخن بهدف النظر بسرعة إنجاز التأشيرات بكافة أنواعها، خاصة لزوار المؤتمرات، أوفي حال وجود فعاليات أو مناسبات تتطلب السرعة في الإنجاز، وذلك بهدف الارتقاء في رفع كفاءة التسهيلات المقدمة للزوار وأصحاب الأعمال والمستثمرين لدفع عجلة التنمية، وتعزيز استدامة التعاون بين القطاعين الحكومي والخاص لدفع عجلة التقدم بما يتماشى مع سياسة الانفتاح التي تشهدها المنطقة.
فالشيخ هشام بن عبدالرحمن قريب جدًا من هموم التجار وأصحاب الأعمال، ويعلم جيدًا التحديات التي تواجههم، وأن الوقت عنصر حاسم بالنسبة لهم، خاصة أصحاب المنشآت السياحية والعاملين في قطاع الضيافة وشركات تنظيم المعارض والمؤتمرات والفعاليات ومكاتب خدمات الأعمال وغيرها من قطاعات الأعمال التي تعتمد بشكل كبير على الزائر والسائح والمستثمر الأجنبي.
ولا بد من التنويه بما أشار إليه معاليه خلال الاجتماع مع مديري الفنادق حول سعي شؤون الجنسية والجوازات والإقامة الدائم إلى تبني المبادرات الرامية لتعزيز وتطوير أنظمة العمل وتحسين الإجراءات في كافة المجالات، وفق متطلبات التطور والتنمية، مؤكدًا أهمية مواصلة السعي لتعزيز التعاون من خلال توفير كافة التسهيلات التي من شأنها رفع الاقتصاد الوطني والذي يساهم في جذب المزيد من السياح.
لقد أصبح تسهيل إجراءات الدخول ميدان تنافس شديد بين دول المنطقة والعالم، حيث تتسابق الدول على اقتناص أكبر عدد ممكن من السواح والزوار ورجال الأعمال والمستثمرين الأجانب، وتقدم لهم ما استطاعت من تسهيلات، بل إن كثيرا من الدول دخلت تحدي توفير الموافقة على طلب التأشيرة خلال يوم واحد أو ربما ساعة واحدة، بل وسمحت لأكبر عدد ممكن من الجنسيات الحصول على تأشيرة دخول في المطار، وليس بشكل مسبق، وقدمت في السياق ذاته أنواعا مختلفة جدًا من التأشيرات بمدد مختلفة، وصولا إلى تنويع الإقامات أيضا مثل إقامة الطالب أو المتقاعد أو غيرها، وذلك بهدف جذب أكبر عدد من الناس من خارج الدولة، وتشجيعهم على البقاء أطول وقت ممكن فيها.
هذا الموضوع مهم جدًا من الناحية الاقتصادية، ويمثل موردا مهما للدولة، حيث أن التأشيرات ليست مجانية، كما أن إقامة أطول تعني إنفاقًا أكثر، والكثير من الدول تحرص كل الحرص على أن يكون قدوم الأجانب إليها مصدرًا مهمًا لدخلها القومي، سواء أكان ذلك بقصد السياحة أو الدراسة أو العلاج أو تأسيس الأعمال وغير ذلك من الأسباب.
كما أن العالم كله اليوم سوق سياحي واحد، ماليزيا وتايون ومصر وتركيا وتونس وفرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة وقبرص وجزر سيشل كلها دول تتنافس بشدة في سوق السياحة العالمي من أجل اقتناص أكبر عدد ممكن من سياح الدول الأكثر تصديرًا للسياح مثل الصين وروسيا، وفي دول أوروبية عديدة ولبنان وغيرها أغلقت الكثير من المطاعم أبوابها خلال جائحة كورونا وما تم فرضه من قيود على السفر، وهذا دليل على أن تلك المطاعم تعتمد وبشكل شبه كامل على الزائر الأجنبي وليس ابن البلد، حالها حال الكثير من المنشآت والمرافق.
وفي ظل التكنولوجيا التي باتت أساسية في كثير من القطاعات، بات السائح يجلس اليوم خلف شاشة هاتفه يخطط رحلته بسهولة من خلال تطبيقات ومواقع تعطيه أنسب أسعار الطيران والفنادق والبرامج السياحية، ويتخذ قراره بالسفر قبل يوم واحد أو في ذات اليوم، ويبحث بالطبع عن الدول ذات الإجراءات الأكثر سرعة وسهولة في منح تأشيرات الدخول.
لقد وضعت الاستراتيجية السياحية الجديدة لمملكة البحرين 2022-2026 عددًا من المنطلقات الرئيسية في مقدمتها «تسهيل الدخول» وذلك كمرتكز أساسي لتحقيق الأهداف الطموحة لهذه الاستراتيجية وفي مقدمتها وصول عدد الزوار القادمين إلى البحرين لغرض السياحة بحلول 2026 إلى 14.1 مليون، وارتفاع نسبة مساهمة القطاع السياحي في الناتج المحلي الإجمالي إلى ـ11.4% بحلول العام ذاته.
وإن تسهيل التأشيرات ليس بهدف تشجيع السياحة فقط، بل الاستثمار والأعمال أيضا، وأعتقد أن هذا الموضوع يندرج في صلب خطة التعافي الاقتصادي التي أعلنت عنها الحكومة الموقرة مؤخرًا، وعامل حاسم في حصد ثمار مختلف الفعاليات التي تقام في البحرين وفي مقدمتها فعاليات كبرى مثل الفورملا1 ومعرض الطيران وغيرها، إضافة إلى أنه ركيزة أساسية لنجاح مشروعات البنية التحتية العملاقة التي نفذتها وتنفذها البحرين مثل مطار البحرين الدولي ومدينة المعارض الجديدة في منطقة الصخير والتي ستكون الأكبر من نوعها على مستوى المنطقة.
ولا شك إن مثل تلك الخطوات ستحقق المزيد من الانفتاح التجاري وتعزز من فرص النمو الاقتصادي في البحرين وفقا للرؤية الاستراتيجية صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس الوزراء الموقر، إضافة إلى تهيئة المناخ الاستثماري وتسهيل إتمام الأعمال والصفقات التجارية بسرعة وسهولة، وبالتالي جذب المزيد من الاستثمارات وخلق المزيد من فرص العمل، وما لذلك من انعكاس على المواطن البحريني.
هذا ولا يمكن المطالبة بتسهيل إجراءات الدخول وتسريعها دون الإشارة إلى الجانب الأمني، فالأمن أولا، وقبل كل شيء، قبل الاقتصاد حتى، وبدون أدنى شك لن يكون هناك ازدهار ونماء دون أمن واستقرار، خاصة وأن الهاجس الأمني يصبح أعلى في دول مستهدفة مثل دول الخليج العربي من قبل أشخاص يريدون دخولها بطريقة غير شرعية بهدف العمل أو التمتع بما توفره من مستويات معيشة مرتفعة، أو أولئك الذين يتربصون شرا بها من دول مصدرة للإرهاب والتطرف والتخريب.
لكن مقابل تزايد التحديات الأمنية تطورت أيضا الأنظمة التقنية والمعلوماتية القادرة على الرصد والتتبع والكشف، مثل أجهزة بصمة العين، وكاميرات التعرف على الوجوه، وبرمجيات الذكاء الصناعي التي تستطيع التنبؤ بالحوادث والتحذير منها قبل وقوعها، كما أن الأجهزة الأمنية باتت أكثر خبرة في معرفة الأشخاص الخطرين باستخدام وسائل كثيرة من بينها حسابات هؤلاء الأشخاص على مواقع التواصل الاجتماعي ووضعهم تحت المراقبة، ومن خلال ضغطة زر واحدة يتم التعرف على كل مسافر من أين أتى وما هو انتماءه وتوجهاته وأفكاره وسجله الجنائي وغير ذلك من الأمور المهمة، وكل ذلك وفر أدوات متقدمة تساعد على ضبط الأمن من جهة وتسريع وتسهيل إجراءات الدخول من جهة أخرى.