كثيرون ممن هم في مثل سني أصبحوا شيابا ومرضى، وكثيرون حولي يقولون لي لقد كبرت بالسن وليس بإمكانك صعود درج بناية من ستة طوابق لتفقد شيئا ما، أو أن تسبح لساعة متواصلة، أو حتى أن تركز في قيادة سيارتك، وأنك لن تستطيع ولن تستطيع…
أنا في الواقع أستمع إليهم، وأحيانا أهم بتصديقهم، لكن عقلي يقول لي أنت أقوى من ذلك، وأرى جسدي طائعا ومتقدا مستجيبا ومتناغما مع الحماس الذي يتقد في داخلي، فأواصل مسيرتي في هذه الحياة بعزم وإصرار، بصبر وحب، بطمأنينة وحزم، واستعداد كامل للتعامل والتفاعل مع كل ما هو آت.
لست خاليا من بعض الأمراض التي تأتي مع التقدم في السن، مثل ارتفاع الكوليسترول والضغط، لكني أتجنب كثيرا من الأمراض، وأحافظ على بعضها تحت السيطرة بإرادتي، وباستماعي لنصح الأطباء طبعا، وكثير منهم يعجبون بمقدرتي على التحمل والمجابهة.
يعيش بعض كبار السن على الذكريات، لكنني لا أنظر كثيرا إلى ورائي رغم الكم الهائل من التجارب التي مررت بها على مدى نحو 70 عاما، منذ الطفولة وحتى الشباب ثم مرحلة العمل والإنتاج والتفاعل مع الناس، بل أنظر دائما إلى الأمام، كما أنني لست خائفا من الموت، فالموت حق وواقع وعلينا جميعا أن نحب الموت كما نحب الحياة، وأنا أؤمن بالبعث بعد الموت، ومطمئن إلى أن الله سبحانه وتعالى لن ينسى مؤمنا يتواصل معه في كل لحظة من حياته، ويتعامل معه ليس بخوف بل بحب.
أنا لا أضر الناس، ولا أسرق ولا أكذب، ليس لأنني مجرد طامح بالجنة أو خائف من النار، ولكن أفعل ذلك بالدرجة الأولى إرضاء لله سبحانه وتعالى، ولنفسي، فالله سبحانه وتعالى ونبيه (ص) لم يفرض الإيمان وإنما حبب الناس فيه، فلا إكراه في الدين، لا بالقوة ولا بالعنف، وأدرك أن جدوى وجودنا على هذه الأرض هو إعمارها، وتقديم ما هو مفيد للمجتمع والناس من حولنا وللإنسانية جمعيا.
وأعشق أن أعطي الناس من حولي فرصة سعادة، وأن أساعدهم قدر ما أستطيع، وكم هي فرحتي كبيرة عندما أمنح فرصة عمل لموظف ما في أحد شركاتي، لكن يجب أن أقر أنني في الوقت ذاته لست «الأم تيريزا»، فأنا لا أتساهل أبدا مع من يخونني أو يسرقني أو يكذب علي.
في الوقت ذاته أحب صحبة صغار السن، وأتعلم منهم الكثير، بعضهم يقولون لي إنهم يتعلمون مني دروسا كثيرة من واقع خبرتي وتجاربي الكثيرة والطويلة في الحياة، وأنا بالفعل لا أبخل على أحد بالعلم والنصيحة، لكنهم لا يدرون أنني في الواقع أستفيد منهم أكثر مما يستفيدون مني، فأنا أتعلم منهم، ومما يعرفونه عن أساليب الحياة الحديثة، من اهتماماتهم وتطلعاتهم وطرق تفكيرهم، ومصطلحاتهم وإيماءاتهم، ومن استخدامهم لليوتيوب ووسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات الإلكترونية، والبلاي ستيشن ونتفلكس، وغير ذلك من الأمور التي تفيدني بلا شك في تطوير نفسي وأعمالي ومواصلة السير إلى الأمام.
آمل بأن كلماتي هذه قد تحفز البعض صغيرا أو كبيرا لأن يجدد تفكيره بالحياة، وأن ينظر لنفسه بإيجابية أكثر هذا العام، فليس هناك أي أوضاع مثالية، لم تكن سابقا ولن تكون حاليا أو في المستقبل، وهذه سنة الله في خلقه، ولنفكر في مخلوقات الله الأخرى مثل الحيوانات المختلفة، فحياتها ليست سهلة على الإطلاق، وكل منها مزود بأدوات للهجوم وأخرى للدفاع، وهو في معركة دائمة من أجل البقاء، بل إن هذا هو سر بقاء جنسه أساسا.
قرأت ذات مرة عن دراسة أجراها علماء بأن قاموا ببناء مستوطنة مثالية لعدد من الفئران، وزودوها بكل ما يلزم من مأكل وترفيه، وأبعدوا عنها كل خطر، فعاشت الفئران سعيدة مرتاحة هانئة لبضعة أيام كونها تحصل على ما تريد دون أدنى جهد، لكن بعد فترة بدأت تظهر عليها علامات العداء تجاه الآخرين، وبعضها دخل في حالة اكتئاب غير مبررة، وبمرور الوقت أنجبت الفئران فئرانا أخرى أقل نشاطا وحيوية وأقل مناعة وأقصر عمرا، ثم تفاقمت المشاكل الصحية والنفسية في الجيل الثالث الذي فقد حتى قدرته على التزاوج، ولم تمر سوى أشهر قليلة حتى اندثرت مستوطنة الفئران بأكملها بموت جميع من فيها.
مثال آخر على ما أريد قوله هنا يتمثل في جائحة كورونا التي تضرب العالم حاليا وليس هناك بعد موعد محدد لانقضائها أو القضاء عليها، لكن ما يساعدنا على المواجهة ويشحذ هممنا هو أنه ليست هذه المرة الأولى التي تشهد فيها البشرية جوائح ومصائب وأهوال طبيعية أو من صنع البشر أنفسهم، وفي كل مرة كانت البشرية تخرج أقوى من ذي قبل.
ولنفكر بالموضوع من زاوية مختلفة: نحن الآن نواجه الجائحة بالعلم والتطور، فخلال فترة قياسية تمكن العلماء من اختراع لقاحات فعالة ضد فيروس كورونا، ودواء شبه ناجع له، كما تمكنا من مواصلة حياتنا وأعمالنا بفضل الانترنت وشبكات الاتصال وغيرها، واليوم نحن سعداء أننا نعيش في هذه الفترة، فترة العلم والتكنلوجيا والاعتماد على المعرفة والرقمية، وهذه معطيات إيجابية تدعو للأمل والتفاؤل.
أخيرا، يسألني الكثيرون هل سنة 2022 سنة نمو وتوسع أو انكماش ومراجعة النفس والانتظار؟ أنا شخصيا لا أحب إطلاق الأحكام العامة، ولست في موقع يمكنني من تقديم قراءة دقيقة للمستقبل، خاصة وأنه حتى صندوق النقد الدولي بات يعدل توقعاته بين الفترة والأخرى بشأن أداء الاقتصاد العالمي، وذلك نظرا لتقلبات الأوضاع الصحية والاقتصادية والجيوسياسية.
لكن يمكنني القول إنني كنت طيلة حياتي كراكب الدراجة الذي يجب أن يحافظ على حركتها للأمام حتى لا يفقد توازنه ويقع، يسرع حيث الظروف مواتية، ويتأنى حيث يجب التأني، لكنه لا يتوقف أبدا، فحتى في أحلك أيام الجائحة كنت أبني وأراقب، أسير وانتبه، كنت طموحا لكن واقعيا، متفاعلا لكن حذرا، وما يهم هنا هو تمسك الإنسان بالأمل وحب الحياة وإبقاء جذوة العطاء متقدة في داخله.
نحن في النهاية نحصل على ما نتوقع، لذلك دعونا نفتح عقولنا وصدورنا بتفاؤل وحب لـ2022.