أفضل مخلوقات اللـه

عندما أتحدث عن المرأة أبدأ بأمي رحمها الله، تلك السيدة الفاضلة التي خطفها الموت فيما كنت لا أزال فتى صغيرًا يافعًا، وإن كان في أعماقي أسف شديد فهو أنه لم يتسنَّ لي وقت كافٍ لأمضيه معها، علمًا أنه لا وقت كافٍ للجلوس في حضرة الأم، ولو امتد الدهر كله. لكن رغم مرور كل تلك السنوات الطويلة جدًا على فراقها، إلا أني لا زلت أشعر بها في أعماق قلبي وكأنها تقبع فيه، صوتها لا زال يترنم في أذني وهي تغني لي وتمسح على شعري، وكأنني لم أسمع في حياتي شيئًا سواه، أنا فعليا أتحدث إليها كل يوم، وأشاطرها أفراحي وهمومي، ألجأ إليها في أصعب أوقاتي، استمد منها قوتي وعزيمتي، وانهل من حكمتها في اختياراتي، لأنها أمي أولا، ولأنها أيضا امرأة ثانيًا.

وأنا اليوم أعيش مع أختي: أمل وبارعة، واللتان شاركتاني رحلة حياتي منذ طفولتي، وجعلتاني على الدوام فخور بهما، وأشعر دائما بعطفهما وحنانهما في أعماقي، كما لا أنسى في هذا المجال بنت أختي بارعة، السيدة أمل علم الدين كلوني، التي تعتبر واحدة من ألمع نساء العالم، حتى أن زوجها الممثل الشهير جورج كلوني يقول أفضل ما فيه هو زوجته!

إن زيارة جناح المرأة في معرض إكسبو بدبي تعطيك صورة عن مدى إسهامات المرأة في مسيرة الحضارة والتطور البشري، حيث صور كثيرة جدًا لعالمات ومخترعات وسياسيات وزعميات دول وغيرهن من النساء اللواتي ندين لهن بالفضل فيما نحن عليه الآن، وأخشى أن أذكر كثيرًا من الأسماء التي في ذهن الآن، وأنسى البعض، أو لا أشمل الجميع، لأن القائمة طويلة، وطويلة جدًا، بطول تاريخنا، وذاخرة كما هو حاضرنا، وبيضاء مشرقة كما هو مستقبلنا الذي ننشد.

وأنا فخور بأن المرأة رافقتني في جميع نجاحاتي المهنية كإدارية وملهمة وشريك منتج وفاعل ووفي، وأحرص أن يكون رأي المرأة حاضرًا في قراراتي الكبيرة، بل أنا في الواقع ميال للأخذ برأيها إيمانًا مني بصوابيته. وعندما كنت متفرغا للعمل في حقل الإعلانات كنت أقول لعملائي إن عليهم التوجه بخدماتهم ومنتجاتهم نحو المرأة، لأنها غالبا هي من يتخذ قرار الشراء، حتى لو كان المنتج بدلة رجالية، فعلى الأغلب ستقوم المرأة بدور ما في إقناع الرجل بشرائها من عدمه.

وربما يكون هناك من لا زال يجحد النساء حقوقهن، متناسيًا أن وجوده على هذه  الأرض كان نتاج حمل امرأة به تسعة شهور، وربما عزل نفسه عن النساء فحرمها من التعرف بصدق على إنسان مثله، يختلف عنه في الخصائص الفيزيولوجية والجسدية، لكنه يشاطره الطموح والأمل والقدرة على العمل وجعل هذا العالم مكانا أفضل لنا جميعًا.

وكل من لديه أم وأخت وبنت لا بد أن يدرك في لحظة من اللحظات معنى السمو في الحب الحقيقي، خاصة في مجتمع متحضر مثل البحرين، نجد فيه الرجل إلى جوار المرأة داعما ومشجعا لها على النجاح والانجاز، حتى وإن كانت ستتفوق عليه، ونشاهد تكاملا في الأدوار بين المرأة والرجل، فلا عيب أن تخرج المرأة للعمل، ولا عيب أيضا أن يقوم الرجل ببعض الأعمال المنزلية دعما له، وهذه بالفعل صورة حضارية يجدر تسليط الضوء عليها.

منذ قدومي للبحرين في سبعينات القرن الماضي، رأيت نساء بحرينيات رائدات في مجالات نوعية مثل التعليم والصحة وقطاع الأعمال وحتى السياحة والضيافة والفندقة والطيران، ولا شك أن هؤلاء النساء لم يصلن إلى ما وصلن إليه من مكانة ومناصب ويحققن ما حققنه من انجازات لولا تشجيع أهاليهن لهن، وتحفيزهن على الدراسة بما فيها الدراسة الجامعية، بل وابتعاثهن لوحدهن للدراسة في جامعات خارج البحرين، في لبنان وسوريا والعراق ومصر وغيرها، وهذا أمر له دلالة بالغة إذا ما وضعناه في سياقه التاريخي آنذاك.

وبمرور الوقت تسارعت مسيرة تمكين المرأة البحرينية، وبلغت ذروتها مع تأسيس المجلس الأعلى للمرأة في العام 2001، واتابع بين الفترة والأخرى أنشطة هذا المجلس برئاسة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت ابراهيم آل خليفة حفظها الله وجهود أمينته العامة الأستاذة هالة الأنصاري، وأرى أنه بالفعل تحول لبيت خبرة في مختلف قضايا المرأة، بعد أن امتلك خطة وطنية لنهوض المرأة، ومنهجية عمل مؤسسي يخضع دائمًا للقياس والتقييم والتطوير.

ولما لفت انتباهي وإعجابي مؤخرا هو استخدام البحرين مصطلح التوازن بين الجنسين، وليس المساواة بين الجنسين، وهناك فرق بين كلمة «توازن» التي تعني تكامل أدوار المرأة والرجل دون أن يطغى أحدهما على الآخر وبما يرعي خصوصية مجتمعاتنا المسلمة ذات التقاليد المحافظة نوعا ما، وكلمة «مساواة» التي يمكن أن تطبق في الغرب لكنها لا تناسبنا، وتفتح علينا أبوابا نحن بغنى عنها. وأعتقد أن التجربة البحرينية في دعم المرأة تتميز عن نظيراتها في باقي الدول مثل مصر أو تونس أو سوريا أو لبنان في أن من يقوم عليها ليسوا دعاة تحرر وانسلاخ عن الدين أو الإرث أو العادات الأصيلة، فليست مشاكل المرأة هنا التحرر أو الحجاب أو المساكنة أو الاغتصاب أو العنف أو عدم المساواة في الأجور وغيرها من القضايا المجتمعية التي تشكل مقدمة مطالب المدافعات عن حقوق النساء، فالجميع متفق في البحرين على أن الدور الأساسي للمرأة هو تربية النشء تربية صالحة والحفاظ على الاستقرار الأسري والمجتمعي، جنبًا إلى جنب مع نهوضها بأدوار أخرى في مجالات مثل العمل والإنتاج والابتكار وخدمة المجتمع.

وإن الاحتفاء بمناسبة يوم المرأة في البحرين له طابع خاص، حيث تسود أجواء تبادل التهاني على غرار يوم العيد، ويتم تنظيم احتفالات ليس على المستوى الرسمي فقط، بل على مستوى مؤسسات القطاع الخاص أيضا، وتحرص كثير من الجهات على تكرم الموظفات العاملات فيها، كما يمكن رصد مظاهر كثيرة حول الاحتفاء بهذه المناسبة في الإعلام وعبر وسائل التواصل الاجتماعي.

فكل عام ونساء البحرين بألف ألف خير

الإعلان
بواسطة akmiknas

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s