100 ألف مقاتل! إلى القدس دُر

لا شك أن امتلاك حسن نصر الله لـ100 ألف مقاتل يزيحون الجبال بإشارة من إصبعه كما قال لا يغيّر من حقيقة أنه زعيم ميليشيا مسلحة تحمل السلاح خارج إطار الدولة والقانون، وتفرض هيمنتها على لبنان، وتتعامل بالترهيب والترغيب مع باقي الأطراف، بل إن فائض القوة هذا يجعل من لبنان سجن كبير، ذلك فيما علّمتنا التجارب أن فائض القوة لا يخضع الشعوب، إنما المحبة والتفاهم وتقديم الخدمات وبناء القاعدة الوطنية الصلبة هو من يفعل ذلك.

لقد أخطأ حسن نصر الله عندما وصف أمين الجميل بأنه إسرائيلي؛ لأنه وضع بذلك كل المعارضة في نفس الخندق، حيث دأبَ نصر الله على وصف جميع المختلفين عنه ومعه بمحاباة اسرائيل والتعامل مع دول خارج لبنان، بينما هو الوحيد الوطني والمناضل والعربي والحريص على مصلحة الشعب والناس، وهذا بعيد كل البعد عن الحقيقة.

نصر الله يتحدث عن سفارات ومرجعيات تقف وراء المحقق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت، طارق البيطار، معتبرًا أنه تحوّل إلى «ديكتاتور»، وهذا مثير للسخرية بالفعل، فالشاعر يقول: «لا تنهَ عن خلق وتأتي بمثله.. عار عليك إن فعلت عظيمُ»، فنصر الله ذاته قال ذات مرة إنه يستلم راتبه من إيران!

والأولى به أن يتعاون مع التحقيق، وأن يلتزم باحترام القضاء اللبناني وإجراءاته وقراراته. فقد كانت ذريعته في عدم التعامل مع محكمة الحريري بأنها محكمة مسيسة تتحكم بها دول خارجية، حتى أنه لم ينصاع لقراراتها بتسليم المدان بقتل الحريري المدعو سليم عياش، لكن نحن هنا أمام قضاء لبناني وطني لا يمكن تطويعه كما يريد نصر الله وكما يطوع معظم أجهزة الدولة.

فحزب الله وحركة أمل هما الوحيدان اللذان يرفضان المسار الذي يسلكه بيطار، فيما تؤيده وترفض التدخل في عمله، الأحزاب المسيحية التقليدية، إضافة إلى لجنة أهالي ضحايا انفجار المرفأ الـ209 والجرحى الـ3 آلاف، ومجموعات من انتفاضة 17 تشرين من اليمين واليسار، ساندت تحركات الأهالي في الشارع دعماً لبيطار.

أدرك تمامًا أن قائد القوات اللبنانية سمير جعجع اليوم أقوى بكثير مما كان عليه من قبل، وأعتقد جازمًا لو كان باستطاعة حزب الله الرد على حزب القوات عسكريا لفعل دون تردد، فلا ينسى اللبنانيون، قيام حزب الله في السابع من مايو 2008 بانتشاره العلني بالسلاح، واقتحامه العاصمة بيروت ومدينة صيدا وغيرهما عسكريًا، للقول: «إنكم أمام خيار إما القبول بما أمليه عليكم أو أرغمكم بالقوة على ذلك. لقد دخل حينها آلاف المسلحين من»حزب الله» وحلفائه إلى بيروت بهدف إسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بعد حصار دام 18 شهرًا، وكان المراد الإطباق على القرار السياسي والإداري في الدولة بعد ثلاثة أعوام على استشهاد الرئيس رفيق الحريري حينها وقيام ثورة 14 آذار، وخروج الجيش السوري من لبنان، والفوز في الانتخابات، وقيام المحكمة الدولية لمحاكمة قتلة الرئيس الحريري.

واللافت أن حزب الله بعد سقوط كل هذا العدد من الضحايا يكتفي بالتصعيد الكلامي ضد حزب القوات اللبنانية مثل الحديث عن ضرورة محاكمة قياداته، أو دفع حلفائه للمطالبة بحل القوات اللبنانية وهي اقتراحات مستبعدة، ولكن الحزب لم يعمد للتصعيد الميداني، فهل ابتعاده عن التصعيد في الشارع مردّه خوفه من إضعاف مكانة حليفه المسيحي العماد ميشال عون أم خشيته من الحرب الأهلية، أم أنه استفاد مما حدث عبر شد العصب الشيعي مثلما استفادت القوات من اكتسابها الشعبية بعد أن جعلتها أحداث الطيونة حامية المسيحيين؟

لقد عايشت الحرب الأهلية اللبنانية بجميع تفاصيلها، بل إن اندلاعها كان سببا لهجرتي الدائمة عن لبنان في العام 1975، ورغم مرور أكثر من عشرين عامًا على انتهاء تلك الحرب إلا إنني لا أرى أوضاع الناس في لبنان حاليًا أفضل مما كانت عليه خلالها، بل ربما يكون الموت السريع في الحرب أقل ألمًا من الموت البطيء بسبب الجوع واليأس.

إن الدولة هي الإطار الذي يحق له حصرياً استخدام العنف وفقاً للقانون، ما يعني أنّ استخدام العنف من خارج حصرية الدولة ومن خارج القانون هو انقلاب موصوف، لكن حزب الله المدعوم من إيران هو الفصيل الوحيد الذي يمتلك ميليشيا جيدة التسليح ومخزونات ضخمة من الأسلحة تجعله أقوى حتى من الجيش اللبناني.

أمر واحد يتلاقى العديد من القيادات على التأكيد عليه حتى إشعار آخر، هو أن أحد أهم موانع اندلاع الحرب الأهلية أن الجيش اللبناني قادر على التدخل لوقف أي صدامات مسلحة حتى لو وجِد السلاح، فيما كان ممنوعًا عليه في عام 1975 أن يتدخّل لوقف الحرب بحجة الخوف من انقسامه (بين مسلمين ومسيحيين)، الأمر الذي حصل لاحقًا مع اندلاع الحرب الأهلية؛ لأن الاقتتال الداخلي كان أقوى من الحفاظ على وحدته، فيما يغلب في الظروف الراهنة الإصرار على وحدته ودوره في حفظ الأمن على أي أمر عمليات بالحرب الأهلية.

إن ما قاله نصر الله في خطابه الأخير هو تحوير للحقائق، فالخلاف في لبنان ليس بين المسيحيين وحزب الله، بل بين شعب لبناني يريد بناء بلد وقضاء واقتصاد وبين حزب الله ومنظومته السياسية الفاسدة التي يحميها من كل الطوائف التي تضرب القضاء والإصلاح ومنطق الدولة وتعزل لبنان عن محيطه العربي.

بل إن تصريحات نصرالله دعوة لحرب أهلية ومحاولة لجر البلاد نحو الاقتتال الداخلي بين الشيعة والمسيحيين، ونحن الآن أمام خطابين عن لبنان: الأول يحاول إنقاذ البلد من انهياره وإعادته إلى الحياة والبحث عن تسويات داخلية.. مقابل خطاب آخر تفوحُ منه رائحة الدم والقتل والتهديد والحرب كان نموذجه ما قاله حسن نصر الله بأمس والمقصود منه فتح سباق جديد للتسلح.

خطاب نصرالله انقلاب على الدولة بشكل علني وتكريس لدولته، وإن مخاطبة اللبنانيين باستكبار أمر مرفوض، ويجب علينا جميعًا أن نسأل: لو وقف 100 ألف مقاتل في الصف لكانوا وصلوا إلى القدس، أليس كذلك؟‏

الإعلان
بواسطة akmiknas

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s