تسنَّت لي الأسبوع الماضي فرصة زيارة إكسبو دبي 2020، ورغم أنني زرت سابقا معارض إكسبو كان آخرها إكسبو ميلانو بإيطاليا، إلا أن إكسبو دبي أبهرني بكل ما في الكلمة من معنى، صحيح كنت أتوقع أن دبي لن تقدم شيئا تقليديا، لكن لم أكن أتوقع أنها ستقدم شيئا أقرب للخيال.
تجولت بين أجنحة الدول المشاركة، ورأيت الوجه المشرق للعالم، ولمستقبلنا، إنه بالفعل قطعة من المستقبل، نافذة لما ستكون عليه حياتنا على الأرض بعد خمس أو عشر سنوات أو أكثر، وكم كنت سعيدا وأنا أرى التنافس الإيجابي بين أجنحة الدول في تقديم مستقبلا أفضل للبشرية، وكيف أن العالم تجمع من جديد في أكبر حدث يقام في منطقة الشرق الأوسط ككل، بل أكبر تجمع عالمي منذ بداية الجائحة.
أعرف دبي جيدا، وتابعت بل وساهمت في حركة تطورها العمراني المذهلة خلال العشرين عاما الأخيرة، لكن كل ذلك شيء وإكسبو شيئا آخر، خاصة وانت ترى كيف تحولت هذه القطعة من الصحراء في غضون أعوام قليلة إلى قطعة من المستقبل، حيث يمتد المعرض على مساحة 4.3 كيلومتر مربع، أي ما يفوق مساحة أكثر من 600 ملعب كرة قدم، ونجحت دبي في اعتماد هندسة معمارية مبتكرة متعارف عليها في معارض إكسبو من خلال قبة الوصل، أكبر قبة غير مدعمة في العالم، وأكبر سطح للعرض بزاوية 360 درجة، كمحور رئيس لها.
لم أتمكن بالطبع من زيارة جميع الأجنحة الـ192 العارضة في إكسبو، وغيرها من الأجنحة الخاصة مثل تلك التي تتمحور حول موضوعات الفرص والتنقل والاستدامة. أحدها، جناح «المهمة الممكنة»، يضم ملتقى الأمم المتحدة الذي يشمل فعاليات مختلفة وعروضا فنية إبداعية حول أهداف التنمية المستدامة.
لكن بإمكاني تسجيل إعجابي بالعديد من الأجنحة، من بينها جناح الشباب الذي تم بناؤه وإدارته بالكامل من قبل الشباب كمساحة إبداعية مفتوحة تم تصميمها لتكون مركزًا لأنشطة الشباب في المعرض العالمي، وجناح الاستدامة المصمم على شكل قرص بالكامل بالطاقة الشمسية، وتحتوي كل شجرة إلكترونية على 120 لوحة شمسية دوارة وتتبع الشمس من شروق الشمس إلى غروبها، والمنطقة المظللة التي تسمى شارع غاف نسبة للأشجار التقليدية التي تنمو في صحراء الإمارات وتوفر موطنا للعديد من الحشرات والثدييات.
لا بد من أن أسجل إعجابي أيضا بجناح مملكة البحرين في إكسبودبي، والذي تمكن بجهود معالي الشيخة مي بنت محمد آل خليفة وفريقها في هيئة البحرين للثقافة بدعم عدد من الجهات البحرينية من تقديم مملكة البحرين للعالم بأفضل صورة ممكنة، وإرسال رسالة تعكس بالفعل شعار الجناح «الكثافة تصنع الفرص».
لقد كنت واحدا من الملايين حول العالم التي تابعت حفل افتتاح أكسبو دبي المبهر عبر شاشات التلفزيون، وعندما زرته تأكدت بأم عيني من نجاح الإمارات العربية المتحدة في جعل إكسبو دبي حدثا لم يسبق له نظير في تاريخ إكسبو الممتد لأكثر من 170 عاماً، وفي جعل هذا المعرض بوابة لعالم أفضل للجميع، والمساهمة في تشكيل ملامح العالم في فترة ما بعد الجائحة.
وشاهدت أن المعرض ليس مجرد حركة اقتصادية فقط، بل أنشطة وفعاليات رياضية وثقافية وغيرها، حيث سيتم الاحتفال بعيد الحب، والهالوين، ويوم اللغة العربية، ويوم الشعر العالمي، وعيد الأم في إكسبو 2020 دبي، وتقام الفعاليات في مدرج مبنى خصيصا، كما سيتم استضافة بطولة العالم للشطرنج في إكسبو، كما تقام جلسات لياقة بدنية يومية في إكسبو 2020 دبي بارك، من الركض إلى جولات ركوب الدراجات.
وإن روعة زيارة إكسبو تبدأ مع محطة مترو إكسبو 2020 ذات التصميم على شكل جناح طائرة لنقل الركاب إلى مدخل المعرض العالمي، إنها المحطة الأخيرة على طريق دبي الجديد 2020 ويمكن أن تستوعب 29000 شخص في الساعة خلال ساعات الذروة.
لقد أنفقت حكومة دبي ما يقدر بنحو 7 مليارات دولار على الحدث، فيما تأمل في جذب 25 مليون زائر خلال الأشهر الستة المقبلة، لتعزيز السياحة والاستثمار في الإمارة، واعتقد أنه إنفاق في محله، ومع الأخبار السارة حول زوال غمامة كورونا، وتوجه المزيد من الدول نحو فتح اقتصادها من جديد، وتخفيف القيود على السفر العالمي، فإن نجاح إكسبو سيزداد شهرا بعد شهر، بل أسبوعا بعد أسبوع ويوما بعد يوم.
واستقطبت النسخة السابقة من المعرض، التي استضافتها مدينة ميلانو الإيطالية في 2015، نحو 21 مليون زائر، والإمارات مرشحة اليوم لاستقطاب أكثر من هذا الرقم بكثير، خاصة مع تقارير تشير إلى أن استثمار الإمارات في «إكسبو 2020 دبي» التي بلغت 7 مليارات دولار ستعود عليها بعائد اقتصادي يصل إلى أكثر من 30 مليار دولار على المدى البعيد، وفق دراسة مستقلة سابقة نشرتها شركة «إرنست آند يونغ» للاستشارات في 2019.
لقد كان برج خليفة -ولا يزال- معجزة دبي ومفخرتها، وبحسب وسائل الإعلام الإماراتية نقلا عن تقرير لشركة سفر، فإن «برج خليفة» هو أكثر موقع يتم البحث عنه في العالم، وقد تساءلت صحيفة «ذا ناشونال» الإماراتية الصادرة بالإنجليزية «هل جعل إكسبو 2020 برج خليفة، برج إيفل الجديد؟».
لمست في إكسبو دبي جهود الـ134 فريقا من 95 جنسية الذين عملوا كفريق عالمي واحد لإطلاق حدث عالمي رائد في دولة جمعت العالم في وقت ومكان واحد، وبت أتطلع إلى حضور الحدث البارز الذي سيتضمنه إكسبو دبي، وهو الاحتفال باليوبيل الذهبي لدولة الإمارات العربية المتحدة، والذي سيقام على مدار شهر، ويبدأ في أوائل نوفمبرالقادم، فهنيئا لأشقائنا في الإمارات العربية المتحدة هذا النجاح، وهنيئا لنا كخليجيين وعرب هذا النجاح.