السراء والضراء

3-LO_1196

عندما عصفت أزمة كورونا بالمؤسسات كنت مع الأسف من أكثر المتضررين، وذلك لارتباط عدد كبير من أنشطتي بقطاع السياحة والضيافة في البحرين ودبي ولبنان، وهو القطاع الأكثر تضررًا من الأزمة، حتى أنه أصيب بالشلل شبه الكامل.

لكن كرجل أعمال في السوق منذ نحو ستين عامًا فقد تشكلت لدي مناعة ذاتية قوية مضادة للصدمات. لقد تعلمت تماما كيف أحافظ على توازني واستقراري العقلي والنفسي مهما عصفت الرياح والأمواج بسفينتي، وكيف أبقى ممسكًا بدفة القيادة حتى أصل إلى بر الأمان.

فربما يعتقد من يرى رجل أعمال أو طبيب أو رياضي أو صحفي ناجح أنه «ذو حظ عظيم»، وفي اعتقادي أن هذا يجانب الصواب، فلو دققت في أقدام من يقفون أعلى هرم النجاح العلمي والمهني والاجتماعي ستجد أنها مليئة بالأشواك على طول الطريق نحو القمة، تماما كما هي أقدامي.

أحد العبر الرئيسية التي خرجت بها من الدروس القاسية التي علمتني الحياة هي ضرورة الوقوف إلى جانب بعضنا البعض بشكل عام وفي الأزمات بشكل خاص، وفعل الخير على طول الطريق، إن فعل الخير يشبه الـ «بوميرانغ» أو العصا المعقوف الذي ترميه في الهواء باتجاه ما فيستدير ويعود إليك من اتجاه آخر.

انطلاقًا من ذلك، أطلقنا مع بداية جائحة كورونا نداء لجميع الموظفين في مختلف الشركات التي أملكها، كان بسيطًا وواضحًا، مفاده أننا الآن في أزمة ولكم القرار في كيفية مواجهتها، لكن أرى أنه من الأفضل أن نعاني كلنا قليلاً، من أن يعاني بعض منا كثيرًا، لذلك ربما نقوم بتخفيض رواتبنا ومميزاتنا قليلاً ريثما تمر الأزمة بما يمكننا من الاحتفاظ بجميع الموظفين، وهذا ما كان بالفعل.

موقف آخر شهدته في إحدى شركاتي في لبنان عندما حدثت كارثة الانفجار في مرفأ بيروت، حيث قام العمال والموظفين في فروع مكدونالدز التي امتلك حق امتيازها في بيروت بتوزيع وجبات طعام على المتضررين على أن يدفعوا ثمنها من رواتبهم، فما كان مني عندما علمت بالموضوع إلا أن طلبت منهم مضاعفة الوجبات من جهة، ومنحتهم رواتب إضافية لقاء مبادرتهم وولائهم وليعينوا أسرهم من جهة أخرى.

فالموظفين ليسوا مجرد جزء من الفريق، بل هم من أفراد العائلة، وعلينا أن نكافح لإيجاد طريقة نحافظ عليهم، فنحن وموظفينا أكثر من مجرد علامة تجارية، نحن مجتمع، والناس لدينا لديهم عائلات ورهون عقارية وأطفال ومسؤوليات.

لقد تسبب الوباء العالمي بصعوبات جمَّة لمعظم أصحاب الأعمال في البحرين والمنطقة والعالم، وازدادت مخاوفهم من فقدان فرق العمل لديهم وميزاتهم التنافسية أو حتى أعمالهم نفسها، لكن جزءًا منهم استجاب لهذه المخاوف من خلال اتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة. إنهم مصممون ليس فقط على النجاة من هذه الأزمة ولكن على الخروج بأعمالهم أقوى من أي وقت مضى بعد أن منحتهم الجائحة فرصة للقيام بما يفعلونه بشكل أفضل.

أنا من أشد المؤمنين بأهمية اليقظة الذهنية، وأعمل على أن أبقى هادئ طوال الوقت، واتخاذ القرارات الرئيسية في وقت مبكر من خلال التركيز على سوق متغيرة، ورغم الشعور بالتوتر الناجم عن عدم امتلاكنا أي تجربة كهذه من قبل، ولكن كفريق واحد، نستمر في تشجيع بعضنا البعض، فقد أظهرنا لأهلنا وموظفينا وعملائنا أننا نهتم بهم بالفعل، وتمكنا من مساعدتهم حتى باتوا يشعرون أيضًا بالامتنان الشديد لوجود شخص ما لمساعدتهم في هذا الوقت العصيب.

إن نجاحنا في توفير الاستجابة في وقت الفوضى بهدوء وتعاطف ستلهم الثقة والولاء في المستقبل، تزيد من رصيدنا المهني، وتمنحنا مزيدًا من الحماسة لمواصلة الرحلة. إنها فرصة لنعيد بناء نماذج الأعمال في شركاتنا، لتحويلها مجددا إلى شركات ناشئة تتصف بالمرونة والحماسة والحيوية وتجرب الكثير من الأفكار الجديدة التي ربما يفشل بعضها وينجح بعضها الآخر.

ففي حين أن الظروف اليوم قد تبدو رهيبة جراء أزمة كورونا غير المتوقعة وغير المسبوقة، فإن حقيقة الأمر هي أن كل رائد أعمال سيواجه نكسات وعقبات خطيرة في طريقه إلى النجاح، فالتحديات لا مفر منها، لكن الطريقة التي تستعد بها لهم وتختار الاستجابة لهم هي ما سيحدد ما إذا كان عملك ينجو ويزدهر، فغالبًا ما تتطلب الأزمة العالمية -أو حتى الأزمة التي تؤثر على علامتك التجارية فقط- تكييف طريقتك في ممارسة الأعمال التجارية، وقد تتطلب المنتجات والخدمات محورًا جذريًا لمعالجة الوضع الحالي والحفاظ على نشاطك التجاري قائمًا.

بعد سلسلة كفاح مريرة منذ كنت تلميذًا في المدرسة يعمل بعد الدوام على توفير نفقاته من خلال توصيل الأغراض من السوبرماركت إلى البيوت -تمامًا كما يفعل مندوبي شركة طلبات اليوم-، تمكنت من تلمس طريق النجاح وترسيخ قدماي في السوق في سبعينات القرن الماضي عندما أسست شركة «بروموسِفِن» لأول مرة في بيروت، وبدأت أحقق دخلاً ممتازًا واعتقدت أنني ارتحت أخيرًا وباتت الطريق أمامي ممهدة، لكن الحرب الأهلية اللبنانية التي نشبت في العام 1975 عصفت بنحو 15 عامًا من النجاح في غضون أسابيع قليلة، وخرجت من بلدي برفقة زوجتي وطفلاي صفر اليدين لا ألوي على شيء سوى الأمان، وفرصة ما استطيع من خلالها البدء من نقطة الصفر من جديد.

بدأت مجددا في دبي، وسريعا قدمت واستقريت في البحرين، حيث أطلقت بروموسِفِن مجددًا وتعثرت كثيرًا، بل وبكيت في بعض الأحيان عند خسارة عقد أو فقدان سوق من الأسواق، قبل أن أنضج نفسيًا وعاطفيًا، وأتعلم كيف أنمي الأعمال، حتى باتت فورتشِن بروموسِفِن اليوم أكبر شركة إعلان في الوطن العربي، وهي درة التاج في أعمال أخرى أديرها في العقار والسياحة وغيرها.

وإذا كان من كلمة سر وراء تمكني في كل مرة من اجتياز العقبات أمامي فهي قدرتي على نسج علاقات ثقة بنِّاءة مثمرة مع محيط واسع من الأصدقاء والمعارف الذين وقفوا إلى جواري في كل مرة احتجت لهم فيها أو حتى بادروا إلى ذلك من تلقاء أنفسهم، وهذه العلاقات ما كانت لتعمل جيدا وتثمر على مدى عقود طويلة لولا حرصي على أن أكون أنا المبادر لتقديم المساعدة حتى لو لم يطلبها أو يتوقعها أحد مني. فنحن في نهاية المطاف «إما أن نعيش معا كإخوة، أو نهلك معا كالحمقى».

الإعلان
بواسطة akmiknas

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s