هل تعرفون من هو شربل وهبة؟ سأخبركم من هو، إنه وزير خارجية لبنان. هل كنتم تسمعون به قبل إطلاقه تصريحات حمقاء تسيء للمملكة العربية السعودية ودول الخليج؟ أكاد أجزم أن معظمكم لم يسمع باسمه أو يرى صورته من قبل. هل تستحق تصريحاته الرد؟ ربما، لكنها تبقى تصريحات سخيفة من رجل سخيف يصح فيه قول الإمام الشافعي: إذا نَطَقَ السَفيهُ فَلا تجِبهُ، فَخَيرٌ مِن إِجابَتِهِ السُكوتُ.
رغم ذلك أرى فائدة في تلك التصريحات، فقد ذكَّرتنا مرة أخرى بلبنان المختطف من قبل إيران وممثلها حزب الله، وأنه يجب عمل كل شيء ممكن من أجل أن يستعيد هذا البلد العربي مكانته بين أشقائه العرب، وأن من يمسك بتلابيب السلطة في لبنان هم مرتزقة إيرانيون حتى وإن كانت أسماؤهم شربل وميشال وجبران وغيرها، يدعمهم حلف شيطاني ذو أجندة بعيدة كل البعد عن تطلعات لبنان واللبنانيين.
لقد تبرأ الرئيس ميشال عون من تصريحات وزير خارجيته معتبرًا أنها تعكس رأيه الشخصي وليس رأي الدولة، لكن هذه ليست المرة الأولى التي يسيء فيها مسؤولون لبنانيون من تيارات معينة لدول الخليج العربي، ثم ماذا فعلت أنت يا سيد عون حتى ترأب الصدع بين لبنان ودول الخليج العربي؟ ما هي مبادراتك أنت وصهرك جبران باسيل في هذا الإطار؟ وكيف يمكن لزعيم لبناني مثلك أن يمسح ماضيه النضالي والتحرري والاستقلالي ويتحالف مع حزب إيراني في لبنان؟ ولماذا تفعل ذلك؟ لأجل السلطة فقط وأنت قد تجاوزت الثمانين من عمرك؟!
لا يمكن لعاقل أن يصدق البيان الذي أصدرته وأكدت فيه حرصك على بناء علاقات أخوية مع السعودية ودول الخليج، فلا شيء في تصرفاتك يدل على ذلك، ولو كنت صادقا مخلصا لأقدمت على إقالة وزير خارجيتك، كما لا أصدق تراجع وزيرك عن تصريحاته وكل التبريرات التي قدمها، والأحرى به أن يستقيل.
أؤيد ما قاله دولة الرئيس سعد الحريري حول أن الكلام الذي أطلقه وزير الخارجية على قناة الحرة، كلام لا يمت للعمل الدبلوماسي بأي صلة، وهو يشكل جولة من جولات العبث والتهور بالسياسة الخارجية التي اعتمدها وزراء العهد، وتسببت بأوخم العواقب على لبنان ومصالح أبنائه في البلدان العربية.
اتهم الوزير وهبة دول الخليج بدعم تنظيم داعش، لكن دعني أُعرِّي أمامك يا سيد وهبة السبب الأساسي لظهور هذ التنظيم الراديكالي المتطرف، وسبب تنازع القوى الإقليمية على لبنان وفي لبنان، وجفاء دول الخليج العربي تجاه لبنان، وتخلف لبنان وعجزه حتى عن توفير مقومات الحياة الأساسية من وقود وكهرباء وخبز لمواطنيه، وغير ذلك من المآسي، ليس في لبنان فقط، بل في العراق واليمن وسوريا وغيرها: إن السبب وراء ذلك كله ما تسمى بالثورة الإسلامية في إيران في العام 1979.
عندما أقر قادة هذه الثورة الإسلامية المزعومة بأنها للتصدير، كان من الطبيعي أن تدافع دول المنطقة عن نفسها، وخاصة دول الخليج العربي، وهذا أدى إلى استنزاف الكثير من الموارد، واشتعال حروب ونزاعات بين جيوش نظامية كما حدث في الحرب العراقية الإيرانية أو بين أحزاب وجماعات وميليشيات كما حدث ويحدث في لبنان وسوريا واليمن والعراق.
ومن الطبيعي أن تربط دول الخليج العربي مساعداتها للبنان بأمنها القومي، فهل تتوقع أن تغدق هذه الدول على حكومتك التي يسيطر عليها حزب الله مليارات الدولارات كما كانت تفعل سابقا؟ وهل تتوقع أن تقف مكتوفة الأيدي تجاه ما تقوم به إيران من عمليات قضم وسيطرة على دول المنطقة حتى باتت أربع عواصم عربية تحت إمرتها؟.
لماذا يا سيد وهبة لم تتساءل عن دور إيران وفيلق القدس في نجدة القدس حي الشيخ جراح وقطاع غزة الذي يئن تحت ضربات الاحتلال الإسرائيلي؟ لماذا لا تقر أن بوصلة إيران هي دول الخليج العربي التي تسيء لها انت وأمثالك وليس فلسطين؟ لماذا لا تسأل أصدقاءك في حزب الله عن سبب وجودهم كحزب عسكري يحمل السلاح خارج إطار الدولة اللبنانية طالما أنه لا يستخدم هذا السلاح إلا لترهيب اللبنانيين؟.
أرجو يا سيد وهبة ومن خلفك الجنرال عون أن تدع عنك هذه الفرقعات والترهات والسخافات، وتوجه طاقاتك الخلاقة بلا شك نحو حل الأزمات التي يغرق فيها لبنان، وأن تسعى لإنهاء عزلته، وأن تبتكر حلولا للمشكلات الاقتصادية التي تمثل أكبر تهديد لاستقرار لبنان منذ الحرب الأهلية.
أو أقل ما يمكن حاول أن توقف معامل الكبتاجون والحشيش المنتشرة على أرض لبنان والتي تستهدف تصدير منتجاتها إلى دول الخليج العربي لتوفير تمويل لأصحابها المعروفين بتبعيتهم لحزب الله من جهة، وتخرب عقول شباب الخليج من جهة أخرى، وإذا لم تكن تستطيع السيطرة على المصانع على الأرض، شدد الرقابة على المنافذ الحدودية التي تصدر منها هذه البضائع السامة، وهو أضعف الإيمان.
بالفعل الله يعين الشعب اللبناني الذي دفع وما زال يدفع ثمن غباء الآخرين، والشعب اللبناني بريء من هذه الطبقة السياسية التي دمرت الأخضر واليابس وجعلت الشباب يهاجر هرباً وقرفاً منهم، وكأن أوضاع البلد الصعبة خاصة بعد تفجير مرفأ بيروت لا ينقصها سوى مزيد من التأزيم بسبب تصريحات حمقاء جوفاء.
يدرك كل من عرف لبنان التاريخ والحضارة والازدهار أن الوزير وهبة من طبقة السياسيين الذين يمثلون حالة طارئة على لبنان، إنهم مجرد أركوزات يتم تحريكهم من خلف الستار أو موظفين يبحثون عن راتب آخر الشهر ليس إلا. وأصل هنا لسؤالي الأخير والأكبر الذي يؤرقني: كيف للبنان الذي خرج منه ألمع الأدباء وأعتى السياسيين والمفكرين والمستشارين على مستوى المنطقة والعالم أن يكون وزير خارجيته على هذه الشاكلة؟
وإن جميع الشرفاء اللبنانيين في لبنان ودول الاغتراب مدعوون اليوم أكثر من أي وقت مضى لإنقاذ وطنهم من أوضاعه المزرية، وأقول لأشقائي اللبنانيين في دول الخليج، لا تخافوا على أرزاقكم من تبعات تصريحات وزير الخارجية، فهذه الدول تدرك تماما أن لبنان مختطف، وأن وزير الخارجية هذا لا يمثل لا لبنان ولا اللبنانيين، وأن اللبناني يحب دول الخليج طوعا، لكن لبنانيين آخرين يحبون إيران طمعًا أو خوفًا.