الرجال يحاربون بشرف ويصالحون بشرف ويموتون بشرف، أما عديمو الشرف فهم الذين لا يتوانون عن استخدام أكثر الأساليب خِسِّة ودناءة من أجل ابتزاز خصومهم والضغط عليهم، لكن إذا خسر الإنسان شرفه فقد خسر كل شيء، حتى وإن كان يعتقد أنه يحقق بعض المكاسب هنا أو هناك، فسرعان ما ستسقط ورقة التوت عنه لتظهر عورته وينفض الناس من حوله.
ومهما اختلفنا في العقيدة والطائفة والمذهب، وفي الفكر والمصالح السياسية والاقتصادية، فإن إنسانيتنا تستنكر قيام أي طرف منا باتباع أساليب دنيئة من أجل تحقيق غاياته، كما يفعل حزب الله حاليًا من خلال مساعيه لاستخدام المخدرات كسلاح للضغط على خصومه خارج لبنان، وهم بالمناسبة عرب ومسلمون مثله، إضافة إلى تمويل أنشطته المزعزعة للاستقرار تعويضًا عن تراجع التمويل الإيراني له نتيجة العقوبات الأمريكية على طهران.
هناك مثل لبناني يقول «الشمس طالعة والناس آشعة»، ولا يحتاج إثبات تورط حزب الله في زراعة وتجارة المخدرات أدلة أكثر من تلك المتوفرة على الساحة، فزراعة المخدرات تتم في المناطق التي يهيمن عليها كل من حزب الله والنظام السوري وهي مناطق حدودية بين لبنان وسوريا، وعبر أزلام الحزب الذين لا يخشون الكشف عن أسمائهم وأنشطتهم بدعوى محاربة من يسمونهم بالإرهابيين، كما أنهم يعطون الحبوب المخدرة حتى لعناصر الميليشيات التي تقاتل معهم، وذلك لأحكام السيطرة على عقولهم.
كل ذلك يحصل تحت مرآى ومسمع حكومة لبنان المسكينة والمختطفة من حزب الله، كما هو لبنان ككل، فقوات الجيش والشرطة لا تستطيع الدخول لجميع مناطق لبنان، خاصة المربعات الأمنية في الضاحية الجنوبية، ومعظم المعابر الحدودية تحت سيطرة حزب الله، إضافة إلى المعابر غير النظامية، والمرفأ والمطار أيضا، حتى غابت الدولة في لبنان لحساب الدويلة، دويلة حزب الله.
يؤسفني كشخص لبناني المولد أن أفتح الصحف فأرى أن بلدي لبنان الذي كان يُصدِّر الفكر والثقافة والحضارة للعالم، بات يصدر المخدرات وحبوب الكبتاغون والهلوسة من خلال مليشيات تسيطر عليه. والله إنه لأمر يندى له الجبين، هل هذا لبنان الفينيق، سويسرا الشرق، قطعة سما، رئة الحرية والأحرار؟ أم لبنان الهلوسة والقتل والدمار والخراب؟
لقد أفلس لبنان اقتصاديًا، وقبل ذلك أفلس سياسيًا وفكريًا، وبات طاردًا لأهله مع الأسف، خاصة بعد الانفجار الذي حصل في مرفأ بيروت العام الماضي، ومعظم من يهاجر هم من تبقى من العائلات والأشخاص ذوي الفكر المتحرر المنفتح الساعي خلف حياة كريمة له ولأسرته، ومن يبقى، بل من يوفد حاليًا إلى لبنان، هم أولئك الحريصون على عسكرة لبنان وإدخاله في حروب أكبر منه لصالح قوى إقليمية بعيدة كل البعد عن رؤى وأحلام لبنان واللبنانيين.
في الحقيقة كنت أستغرب كيف تضع بعض الدول تحفظات على دخول اللبنانيين بعد أن كانت كلمة لبناني وحدها جواز عبور له لأي مكان في العالم، ولكن شيئًا فشيئا بدأت الصورة تتضح أكثر، خاصة بعد تورط لبنانيين في أعمال إرهاب وتجارة مخدرات وتمويل قذر في مناطق مختلفة من العالم، بما فيها دول إفريقية وأمريكية جنوبية وحتى الولايات المتحدة وأوروبا، وطبعًا دول الخليج العربي مع الأسف، فجميع اللبنانيين اليوم يدفعون ثمن تطرف شريحة منهم تتشارك معهم في الوطن وتحمل الهوية والجواز اللبناني نفسه، لكنها تدين بالولاء والطاعة العمياء إلى دولة أخرى، وترفع رايات مذهبية وطائفية تدفع لبنان إلى الماضي بدلاً من الإبحار به نحو المستقبل.
لبنان لم يعد دولة. أقل ما يقال فيه إنه أصبح دولة فاشلة مع الأسف، لا تستطيع توفير حتى الخدمات الأساسية لمواطنيها، بما في ذلك الكهرباء ونقل القمامة، وفي هذه الأجواء من المنطقي أن تشك أجهزة الدول الأخرى المحترمة بكل ما هو صادر عن لبنان من وثائق رسمية، بما فيها جوازات السفر.
المقاومة لا تكون عبر زراعة المخدرات، ولا شك أن أحد الأهداف الأساسية لحزب الله في تجارة المخدرات ليس الحصول على أموال طائلة فقط، بل تدمير الطاقات البشرية للدول المستهدفة، وقد استمعت إلى ما كشفه السفير السعودي لدى لبنان، وليد بخاري، مؤخرًا حول أنه تم إحباط تهريب أكثر من 600 مليون حبة مخدرة مصدرها لبنان خلال السنوات الست الماضية، إضافة إلى مئات الكيلوغرامات من الحشيش المخدر، وأن الكميات التي يتم إحباط تهريبها كافية لإغراق الوطن العربي بأكمله بالمخدرات والمؤثرات العقلية وليس السعودية وحدها.
لقد شكلت زراعة الحشيش خلال الحرب الأهلية في لبنان (1975-1990) صناعة مزدهرة تدر ملايين الدولارات، وبعد الحرب سعت السلطات للقضاء عليها، لكن جميع محاولاتها باءت بالفشل لتورط قوى سياسية في تجارتها، وعلى رأسها ميليشا حزب الله الذي أصدرت السلطات 52 مذكرة توقيف معظمها مرتبطة به في هذا الملف.
إن لبنان يدفع اليوم مجددًا ثمن ممارسات حزب الله، والوضع الاقتصادي والمعيشي لعموم اللبنانيين سيزداد سوءًا بعد المقاطعة التجارية الخليجية، خاصة بعد أن انهارت كل القطاعات المنتجة القادرة على جذب عملة صعبة، وبات الفلتان الحاصل على الحدود وتهريب البضائع والمخدرات سيد الموقف، ويؤدي الى ضرب المزارع اللبناني جرّاء مغامرات أمراء الكبتاجون، ويتعين على السلطات المختصة في لبنان أن تتخذ خطوات جادة وقوية وفعّالة تجاه الأطراف أو الجماعات (وتحديدًا حزب الله) التي تستغل الانفلات الأمني في مواصلة الاتجّار بالمخدرات وتهريبها إلى دول الجوار الأمر الذي يضر كثيرًا بالاقتصاد اللبناني والأشقاء في الخليج العربي ودول العالم.
ربما يكون من الجيد التفكير بنشر الجيش اللبناني على الحدود وضبط المرافئ والمطار لمنع التهريب على انواعه والقضاء على اقتصاد حزب الله الموازي، لكن ربما لا تتوفر لدى الجيش الإمكانات والمعدات والموارد اللازمة لذلك، فطاقات الجيش مستنزفة في أكثر من منطقة ملتهبة في لبنان، وعناصره يكابدون ما يكابده اللبنانيون جميعهم من شظف العيش.
آن الأوان ليستعيد لبنان مكانته التي يستحق بين دول العالم، وأن يسهم مجددًا في مسيرة الحضارة البشرية، بل يقودها، وأن يستعيد اللبنانيون فخرهم بانتمائهم لهذا القطعة الرائعة من الأرض والتاريخ، ولبنان اليوم بأشد الحاجة لأشقائه العرب من أجل إخراجه من محنته ومساندته كما فعلوا على الدوام، فالاستثمار في لبنان العروبي الأصيل هو استثمار في أمن واستقرار وحاضر ومستقبل الأمة العربية ككل.