قرأت مرة أن رئيسة البرازيل السابقة ديلما روسيف التي تولت السلطة بين عامي 2011-2016 لم تلاحظ أن شعبيتها ارتفعت بما يوازي إنجازاتها في خدمة المهمشين في بلادها وتقديم الخدمات الأساسية لهم من صحة وتعليم وبنية تحتية، عندها قررت إجراء استطلاع رأي للتأكد من احتياجات شعبها الأساسية وتلبيتها بالطريقة المثلى، لكنها فوجئت أن معظم البرازيليين الفقراء غير مهتمين بإنجازات حكومتهم. بل إن ما يرجونه ويحلمون به فقط هو الخروج من براثن الفقر وتحقيق الثراء عبر نبوغ أحد أبنائهم في كرة القدم حتى يتمكنوا من بيعه لنادي محلي أو أوربي، كما حدث مع نيمار وعائلته.
ربما لا تكون هذه القصة دقيقة بما فيه الكفاية، لكن المشهد العام لكرة القدم اللاتينية يؤكدها، وكيف كانت دول قارة أمريكا الجنوبية مثل البرازيل والأرجنتين وتشيلي والأورغواي تستأثر باهتمام جمهور الكرة حول العالم، وما أن يفلت كأس العالم من يدي إحداها لصالح دولة أخرى خارج القارة مثل إيطاليا أو ألمانيا حتى يعود إليها.
لم تعد مشاعر القومية والاعتزاز ورفع علم الوطن خفاقا في المحافل الرياضية العالمية تستحوذ على اهتمام لاعبي كرة القدم. أنا لا أذكر بيليه إلا بقميص البرازيل، ومارادونا بقميص الأرجنتين، وكذلك بلاتيني وغيره من أساطير اللعبة، لكن اليوم لا أعرف ميسي كثيرا إلا بقميص برشلونة، وربما ينسى البعض أن رونالدو برتغالي، كذلك محمد صلاح ورغم أنهم يسمونه “الفرعون الصغير” إلا أنه ليفربولي كرويا أكثر من كونه مصري.
تواردت جميع هذه الأفكار وغيرها إلى ذهني وأنا اقرأ موضوعا شد انتباهي حول إنشاء دوري جديد تحت مسمى “السوبر الأوروبي” بمشاركة أهم 12 ناديا أوروبيا وبدعم من البنك الأمريكي جي بي مورجان، وتوغلت في الموضوع، فوجدت بأنه نتاج احتدام الصراع على الأموال والعوائد بين تلك الأندية من جهة، والجهات التنظيمية التقليدية للعبة في أوروبا من جهة أخرى.
أنا رجل أعمال، وأدرك بعمق أثر المال في تحريك الأمور، وقدرته على تطوير كل شيء، بما فيه كرة القدم، لكن أدرك أيضا أن المال سلاح يجب استخدامه بحذر، وعملت طيلة حياتي بنصيحة قدمها لي مدير أحد البنوك عندما سألني: هل تريد أن تكون عبدا للمال أو أن يكون المال عبدا لك؟ فاخترت الخيار الثاني بوضوح، فالمال عبد مطيع لكنه قد يتحول إلى سيد فاسد.
أنا مع السيد فلورنتينو بيريز رئيس دوري السوبر الأوروبي عندما قال إن “كرة القدم يجب أن تتطور، كما تتطور الحياة”، لكن لا يمكنك أن تخفي يا سيد بيريزأن المال، والمال وحده، هو سبب قيامك بما قمت به، وليس كما تدعي “إنقاذ كرة القدم، وجعل المباريات أكثر تنافسية وجاذبية، حتى يمكن أن يراها المشجعون في جميع أنحاء العالم”.
لكن في الوقت ذاته أبرر للسيد بيريز خطوته بشكل أو بآخر، خاصة في ظل ترهل الجهات التنظيمية للعبة مثل الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، وحتى الفيفا ذاتها، فهؤلاء أظهروا أنهم غير قادرين على تلبية طموحات الأندية الكبرى التي ترى نفسها بقرة حلوب تفيض بخيراتها على الجميع دون أن تحظى بما تستحقه من عوائد.
أحب الرياضة وأمارسها بشكل يومي تقريبا، وأدرك أن العقل السليم في الجسم السليم، إضافة إلى ذلك لدينا في “بروموسِفِن” شركة خاصة بالتسويق للفعاليات الرياضية، ونفذت الكثير من التعاقدات مع بطولات أولومبية وفي كرة التنس وغيرها على مستوى المنطقة وقارة آسيا ككل، لذلك أدرك تماما مدى أهمية الرياضة في المال والأعمال وحتى السياسة والتنمية.
لا يمكنني مواصلة الكتابة في هذا الموضوع إلا بالتفكير بحال كرة القدم في دولنا العربية، وتراجع مستوى المنتخبات العربية على تصنيف فيفا، فلم نعد نرى الفريق الجزائري أو الكويتي أو السعودي أو التونسي أو المغربي ينافس بقوة في البطولات القارية أو في كأس العالم، رغم أننا نملك عددا من أمهر اللاعبين والحراس في أكبر الأندية الأوروبية، من أمثال محمد صلاح ورياض محرز وياسين بونو وغيرهم، طبعا دون أن ننسى أن الأصول العربية للاعبين ومدربين آخرين مثل زين الدين زيدان وكريم بنزيما.
أكاد أزعم أنه لو قيض لنا تشكيل فريق كرة قدم عربي من هؤلاء المخضرمين وغيرهم فإنه سينتزع كأس العالم باستمرار بلا منازع، وسينهض باللعبة في جميع الدول العربية. هل أنا أحلم؟ ربما، لكن حلمي ليس أكبر من حلم السيد بيريز الذي أنشأ السوبر الأوروبي بعد أن تمرد على القوانين الراسخة أو البالية، لا فرق. ربما سنقول حينها للفيفا: إن العرب الذين لم يستطيعوا التوحد سياسيا أو اقتصاديا، يحالون توحيد أنفسهم، كرويا على الأقل.