فيما ما زالت كثير من الدول حول العالم، بما فيها المتقدمة منها، غارقة في فوضى كورونا، تثبت البحرين يومًا بعد يوم أنها دولة مؤسسات منظمة ذات إمكانات قوية، حباها الله بملك حكيم ذي نظرة ثاقبة، وولي عهد رئيس وزراء يبذل كل جهد ممكن من أجل الارتقاء ببلاده إلى مصاف الدول المتقدمة، وشعب وفي مخلص يقدم كل ما يستطيع من أجل تلبية تطلعات قيادته والارتقاء بوطنه.
ولا أدل على ذلك من نجاح البحرين في استضافة وتنظيم سباق الفورمولا1 هذا العام رغم التحديات، كأحد المعالم البارزة للنموذج البحريني في التعامل مع جائحة «كوفيد-19»، وهو نموذج استرعى اهتمام واحترام العالم، بما فيه منظمة الصحة العالمية، ولا شك أن البحرين قدمت من خلال هذا التنظيم الرائع دليلاً آخر للعالم على حداثتها وحضارتها وعزم وإرادة قيادتها.
فرغم مرور أكثر من عام على الجائحة، إلا أننا ما زلنا نرى العديد من الدول حتى في أوروبا لم تتمكن بعد من الاتفاق على صيغة موحدة للتعامل معها، فتارة تفتح الاقتصاد وتارة أخرى تغلقه، وتارة تنزل الشرطة إلى الشوارع لفرض حظر تجوال، وتارة أخرى ينزل الناس إلى الشوارع للاحتجاج على فرض الإجراءات الاحترازية، في سجال لا يكاد ينتهي.
سمعت من بعض أصدقائي أنهم مستاؤون من حصر حضور الفورمولا1 هذا العام على من أخذ التطعيم ضد كورونا أو الذين تعافوا منه، قائلين إن هذا تمييز وانتقاص للحقوق. لكن لا يا أصدقائي، إن حقّنا كلنا كبشر أن نتمتع بأجواء آمنة خالية من المرض والفيروسات، وليس من حق الخائفين من اللقاح أو اللامبالين فرض إرادتهم علينا من خلال الحديث عن حقوق الإنسان، فحريتك تنتهي، حيث تبدأ حرية الأخرين، وليس من حقك أبدًا نشر العدوى بين أشخاص ملتزمين بالإرشادات الصحية وفي مقدمتها أخذ اللقاح ضد كورونا.
إن التعافي من أزمة كورونا يحتاج إلى وقت، تمامًا كما المريض الذي تجرى له عملية كبيرة فيحتاج بعدها إلى المكوث في المستشفى لعدة أيام حتى يستعيد عافيته تمامًا، وكلما التزمنا جميعًا بأخذ اللقاح والإجراءات الاحترازية تمكنا من اجتياز هذه الأزمة بسرعة أكبر، وتحقيق التعافي الاقتصادي المنشود، ولا شك أن فعاليات دولية كبيرة مثل الفورمولا1 ستسهم في ذلك إلى أبعد حد.
صحيح أن عدد السياح الذين جاءوا إلى البحرين هذا العام لحضور السباق كان محدودًا بسبب إجراءات السفر والانتقال الصعبة في ظل جائحة «كوفيد-19»، إلا أنني أعتقد أن عددًا من يتابعون هذا السباق عبر قنوات التلفزة والمقدر بنحو 425 مليون إنسان حول العالم تضاعف هذا العام للسبب نفسه، حيث زاد عدد الناس الذين يمكثون في بيوتهم لفترات طويلة وارتفعت نسبة مشاهدة التلفاز بالمقابل، والجميع شاهد قدرة البحرين على تنظيم السباق.
ربما لم يشعر القطاع السياحي هذا العام بأثر الفورمولا1 في تحريك أنشطته، وما زالت الكثير من منشآته تعاني من ضعف الإيرادات رغم السماح لها بالتشغيل جزئيًا، لكن ليس أمامنا سوى الصبر، خاصة أننا نرى في الأفق بوادر أمل حقيقية، من بينها تجهيز بنية تحتية قوية لعودة الحراك الاقتصادي والسياحي لما كان عليه قبل الجائحة، بما في ذلك مطار البحرين الدولي الجديد وتنظيم فعاليات الفورمولا1.
وأرى أن الفورمولا العام القادم ستكون مناسبة يتم خلالها الإعلان رسميًا عن طي صفحة كورونا، وبدء صفحة جديدة من عودة الانتعاش الاقتصادي، انتعاش المتاجر والمنشآت الفندقية والمرافق السياحية، فضلاً عن قطاعات المواصلات والدعاية والإعلان والمطاعم ومجمعات التسوق وغيرها، والتي تقدر بحسب بعض التقارير بنحو 500 إلى 600 مليون دولار.
سنكون العام القادم إن شاء الله على موعد مع أيام حافلة للفورمولا1، خاصة وأن الجميع متعطّش للعودة إلى صخب الحياة من جديد، ونترقب بالفعل تطورًا كبيرًا في جوانب كثيرة من هذه الفعالية، وزيادة عدد الزوار والسياح، وفي الفعاليات المصاحبة، ليتحول هذا الحدث لمهرجان ترفيهي متكامل يمثل سباق السيارات ركنا أساسيا فيه، ولكن ليس كل أركانه.
وعلينا كقطاع سياحي منذ الآن الاستعداد للفورمولا العام القادم، نحن بحاجة لإقامة فعاليات كبرى خلال موسم سباقات الفورمولا1، رحلات سياحية بحرية، وألعاب رملية، وعروض تراثية، وغيرها، علينا أن نفكر كيف يمكن تحويل البحرين كلها إلى حلبة يسودها هدير محركات التجارة والسياحة والضيافة والثقافة.
علينا أيضًا الانتباه إلى سائح الفورمولا الـ«نوعي»، الذي يتمتع بمقدرة كبيرة على الانفاق، ويتنقل من بلد لآخر بحثًا عن رفاهية منشودة دون النظر إلى تكلفتها عادة، وهو بالتالي لم يأتِ إلى البحرين لمتابعة السباقات فقط، وإنما يريد برنامجًا سياحيًا ترفيهيًا متكاملاً، ويضع على أجندته قائمة بالمعالم الأثرية وأماكن الترفيه والمطاعم وأماكن السهر التي سيزورها. هؤلاء السياح النوعيين يصبحون رسلاً لنقل ما تتمتع به البحرين من انفتاح اجتماعي واقتصادي وأمن واستقرار، ويمكن أن نرصد بالفعل نشاط العديد منهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا يعني أنه ينقل انطباعاته الإيجابية لآلاف وربما ملايين المتابعين حول العالم.
نحن بحاجة إلى البناء على النجاح الذي تحقق هذا العام في الترويج لفورمولا العام القادم في أسواق الدول الأكثر توريدا لسياح الفورمولا، ونخبرهم بما لدينا في البحرين من فرص إقامة وترفيه، وكيف تمكَّنا من تنظيم السباق في أكثر الأوقات صعوبة وحساسية، وأن نركز أيضا على نقاط الجذب السياحي المتميزة التي تتفرد بها مملكة البحرين، فمثلاً السباحة والرياضات المائية والشاطئية مناسبة هنا في شهر أبريل خلافًا لما هو عليه الحال في كثير من دول العالم، وكذلك صيد السمك، والرحلات البحرية إلى جزر حوار وجرادة وغيرها.
نترقب الفورمولا1 القادم وقد امتلأت البحرين بصخب هذه الاستضافة التي ستنسينا معاناتنا مع كورونا، وأن نرى برنامج ضيوفنا من متابعي هذا السباق مزدحم جدا برحلات بحرية، ومهرجانات، وسباقات خيل، وإبل، وتخييم وخيام في الصحراء، وألعاب الرمال، ورياضات وألعاب مائية، وندوات ثقافية، وغيرها الكثير الكثير.