ما أجمل أن تكون جزءا من عالم يتسابق فيه حكام البلاد وأهلها على تحقيق إنجازات نوعية تباهي بها الأمم، وأفضل مثال على ذلك الإنجاز الإماراتي غير المسبوق بتوصيل مسبار الأمل إلى المريخ، انجاز من حق الإمارات ومن حقنا جميعا كعرب أن نفخر به كرسالة حضارية إلى العالم تبشر بأن العرب قادرون ليس على المساهمة في جهود التقدم العلمي فقط، وإنما في قيادة هذه الجهود أيضا.
وكم هو عظيم جدا أن نرى هذا التفوق العربي في وقت لم نعتد فيه سوى على خيبات الأمل، وتفاقم التحديات السياسية والعلمية والبيئية والحياتية في منطقتنا، حتى بتنا نتابع نشرات الأخبار ويدينا على قلبنا من هول الأحداث في دول مثل ليبيا وسوريا والسودان وحتى تونس ولبنان وغيرها.
وقد انهالت التهاني على دولة الإمارات العربية بعد هذا الإنجاز غير المسبوق، وأحر التهاني والتبريكات تلقتها الإمارات من شقيقتها السعودية والبحرين، إدراكا من الجميع أن التحدي واحد، وأن النجاح واحد، فبينما تتسابق دول مارقة على امتلاك برامج صاروخية بالستية قادرة على حمل رؤوس نووية وامتلاك أقمار صناعية لأغراض عسكرية وتهديد أمن جيرانها والعالم، يحوم مسبار الأمل العربي الإماراتي حول المريخ لكشف فصول جديدة في تقدم البشرية وخدمة رفاهيتها، فهل عرفتم الآن الفرق بين المدمر والمعمر؟ بين من يهدف إلى صلاح البشرية ومن يعمل على خرابها؟
حتى عندما تتسلح دول الخليج العربي فهي تقوم بذلك للدفاع عن نفسها فقط، وليس لتهديد أحد أو احتلال أرضه أو التدخل في شؤونه، فما أسهل تسميم العقول بالأفكار الإيدلوجية والطائفية المقيتة، وتدمير الحضارة والمجتمعات وإثارة الفتن والنزاعات والحروب، أما التعمير فيحتاج إلى تصميم وجهد ووقت، هذا ما أعرفه عن الفرق بين البنائين والمدمرين.
أنظر إلى السعودية فأراها تنهض بجسد جديد يقبض على الإرث الثقافي الأصيل بيد ويفتح باب الحضارة والتقدم والثقافة بيد أخرى وبكل ثقة، ورغم التحديات الجمة الناجمة عن تراجع أسعار النفط وظروف المنطقة غير المستقرة جيوسياسيا إلا أن السعودية ما زالت تمضي قدما في مشاريع عملاقة مثل «ذا لاين»، وجعل الرياض مركزا حضاريا صناعيا تجاريا متقدما على مستوى الشرق الأوسط، إضافة إلى المشاريع السياحية العملاقة والبنى التحتية المتقدمة.
البحرين أيضا، البلد الذي أحبه وأخلص لقيادته واحترم أهله واخترت طوعا العيش فيه بعد أن فضلته على العالم كله، وأرى أنه رغم الإمكانات المادية المحدودة نسبيا، إلا أن هذا البلد يحافظ على خصوصية جماله وتقدمه، ويوفر كل أسباب السعادة والرفاه لمواطنيه، ومن نافل القول هنا الإشارة إلى مشاريع البنية التحتية الكبيرة والتطور العمراني والسياحي، وخدمات الصحة والتعليم فائقة الجودة، وتوفير فرص العمل رغم التحديات، إضافة إلى أعلى معدلات الأمن والأمان والاستقرار.
أرى الكفاءات والطاقات البحرينية تنافس محليا وإقليميا وعالميا، ومؤخرا تمكنت معالي الشيخة مي بنت محمد آل خليفة من المنافسة على منصب الأمين العام لليونسكو، وكانت قاب قوسين أو أدنى من الفوز، في رحلة تنافسية استطاعت خلالها أن نعكس الوجه الحضاري المشرق لبلادها أمام الرأي العالم العالمي.
يحمل مسبار الأمل رسائل فخر وأمل وسلام إلى المنطقة العربية ويهدف إلى تجديد العصر الذهبي للاكتشافات العربية، وبنجاح وصوله للمريخ، أضحى مسبار الأمل مصدر إلهام مئات الملايين من 56 دولة «عربية وإسلامية»، لتكرار هذا الإنجاز، بعد نجاح الإمارات في تسجيل حضور علمي وبحثي عربي مشرّف في مجال استكشاف كوكب المريخ.
إن مسبار «الأمل» أول مسبار عربي ينطلق إلى المريخ، ومع بلوغ هذا المسبار غاية رحلته بالوصول إلى الكوكب الأحمر أصحبت دولة الإمارات العربية المتحدة، على موعد مع التاريخ وأولى خطواتها العلمية الرائدة بمجال الفضاء وعلومه، وتسجل الإمارات بهذا الإنجاز تسجل اسمها بأحرف من ذهب في سجل الدول الرائدة في ارتياد الفضاء وعلومه، وستكون اكتشافات المسبار نقلة نوعية على طريق فهم مناخ الكوكب الأحمر وغلافه الجوي الذي بدوره يُعد عاملًا أساسيًّا في تمهيد الطريق لإقامة أول مستوطنة بشرية مستقبلية على سطح كوكب آخر غير كوكبنا الأرض.
وكم تمعنت فيما قاله صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حول أن «دخول مسبار الأمل لمدار المريخ يعني دخول التاريخ، فهذه أبعد نقطة في الكون يصل إليها العرب عبر تاريخهم، أكثر من 5 ملايين ساعة عمل لأكثر من 200 مهندس ومهندسة إماراتية، هدفنا هو إعطاء أمل لجميع العرب بأننا قادرون على منافسة بقية الأمم والشعوب، إنها مرحلة جديدة من التاريخ العلمي العربي، مرحلة عنوانها الثقة.. الثقة بأنفسنا وبشبابنا وبشعوبنا العربية.. الثقة بأننا نستطيع أن ننافس بقية الأمم».
هل تكون بارقة أمل تبعث العرب من جديد؟ لقد كتب توماس زوربوشين، المدير المشارك لإدارة المهام العلمية في وكالة الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء الأمريكية «ناسا»، على تويتر، أن خطوة دولة الإمارات الجريئة لاستكشاف المريخ ستلهم الكثير من الدول لتحذو حذوها، واستشهد ببيت شعر للشاعر العربي أبوالطيب المتنبي الذي يقول فيه: «إذا غامَرْتَ في شَرَفٍ مَرُومِ، فَلا تَقنَعْ بما دونَ النّجومِ».
لقد نجحت مهمة مسبار الأمل بالفعل، والمسبار أثبت للعالم أن الطموح والشغف المصحوب بالإرادة السياسية يمكنه أن يدفع دولة شابة للانضمام إلى نادي القوى العالمية في مجال بحوث الفضاء، فتحية لدولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، قيادةً وشعبًا، ولكل نوابغها الذين خططوا وصمموا لهذه التجربة في محاولة خلق واقع جديد رغم كل التحديات البالغة في الوقت الراهن، وأنا متأكد من أن هذه التجربة لن تكون نهاية المطاف في استكشاف آفاق جديدة في عالمنا الكبير، فالعقل العربي طموح لا يعرف المستحيل.