ملائكة بيض في الصفوف الأمامية

يصف الدكتور غازي القصيبي في كتابه «حياة في الإدارة» وزارة الصحة بأنها «محرقة الوزراء»، بعد أن عايش بنفسه خلال عمله وزيرا للصحة في السعودية الانتقادات اللاذعة التي تواجه عمل هذه الوزارة والقائمين عليها مهما فعلوا وقدَّموا، وكيف أرهقته ذهنيا وصحيا وجلبت له النقد والمتاعب، وكادت تشكل انتكاسة كبيرة لمسيرته الأكاديمية والمهنية الناجحة جدًا التي قاد خلالها العديد من المؤسسات والهيئات الكبرى، بما في ذلك وزارة الكهرباء التي حقق فيها نجاحات باهرة.

إذا كان رجل دولة بكل معنى الكلمة مثل غازي القصيبي يصف وزارة الصحة بمحرقة الوزراء، فلا غرابة مما كنا نسمعه في البحرين من انتقادات توجه لعمل وزارة الصحة، فالكل يريد خدمات صحية وطبية بأعلى جودة، ومع ارتفاع الوعي الصحي باتت زيارة المركز الصحي أو المستشفى عادة شبه يومية عند البعض، فيما إمكانات الوزارة محدودة مهما كبرت، وتطفوا على السطح ملفات مثل الأخطاء الطبية وفقدان بعض الأدوية لتضاعف متاعب الوزارة.

وتأتي جائحة كورونا لتشكل وزارة الصحة بكوادرها وبنيتها التحتية العمود الفقري لقصة نجاح النموذج البحريني بمواجهة الجائحة، وقلب دفاع الفريق الوطني للتصدي للجائحة، واللاعب الأساسي في فريق البحرين ككل الذي يقوده صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس الوزراء الموقر، ولتنتقل الوزارة حاليا للعب دور قلب الهجوم ورأس الحربة في هذا الفريق من خلال توفير التطعيم المجاني للمواطنين والمقيمين بيسر وسهولة عبر 27 مركزًا صحيًا منتشرة بمختلف مناطق البحرين.

الدور المرسوم بعناية لوزارة الصحة من قبل المجلس الأعلى للصحة ساعدها على النهوض بمهامها على أكمل وجه، مسنودةً بالخدمات الطبية الملكية المتمثلة في مستشفى قوة الدفاع، إضافة إلى مستشفى الملك حمد الجامعي، ومنشآت القطاع الخاص الصحية، جنبا إلى جنب مع الدور الكبير الذي نهض به آلاف المتطوعين من خلال المنصة الوطنية للتطوع وغيرها، والدعم الاجتماعي والاقتصادي والتبرعات من رجال الأعمال وغيرها، في تناغم بين مختلف أركان السيمفونية البحرينية التي تؤدي أجمل لحن وطني.

أجريت حتى الآن أربعة اختبارات لفيروس كورونا، وفي كل مرة أذهب إلى مركز الفحص أشعر وكأنني نزيل فندق أو مسافر على متن الدرجة الأولى، حيث أتلقى كما غيري رعاية واهتمام كبير من أهلي في البحرين، وتتم مقابلتي بابتسامة من إخوة وأخوات لي من الشجعان المتفانين في الصفوف الأمامية، ويتم أخذ المسحة بمهنية في جو من الراحة والاطمئنان، لأحصل على النتيجة عبر التطبيق الإلكتروني «مجتمع واعي»، ليبدو الأمر برمته وكأنه نزهة.

لكن ماذا لو كانت نتيجة المسحة إيجابية؟ لا بأس، فالخدمات العلاجية متوافرة لجميع المواطنين والمقيمين على أرض مملكة البحرين دون تمييز، مع اتباع مستمر لأحدث البروتوكولات العلاجية، بما فيها الأدوية والأغذية والنصائح والإرشادات، إضافة إلى مراكز الحجر والعزل الصحي التي كانت أشبه بمخيم ترفيهي مزود بكل الاحتياجات المعيشية لضمان راحة النزلاء، حتى أننا شهدنا استخدام الوزارة للروبوتات الطبية في أجنحة العزل بمراكز الحجر والعزل الصحي إضافة إلى المنشآت الصحية، حيث يتلقى مصابو كوفيد-19 الرعاية الصحية الكاملة.

هذه الجهود من وزارة الصحة قابلها وعي يمكن وصفه بالجيد لدى مختلف الشرائح في البحرين، فأصبحت أرى عددا أكبر من الأشخاص يهتمون أكثر بغذائهم ويمارسون الرياضة بمعدلات أعلى، ويحرصون على تطبيق الإرشادات الصحية مثل غسل اليدين باستمرار وعدم المصافحة، حتى أنني لمست أن طبقة العمال ملتزمة بوضع الكمامة وعدم الاختلاط، وهذا يؤكد أن الرسالة الصحية التوعوية وصلت إلى الجميع، وبمختلف اللغات.

يجب الإشارة هنا أيضًا إلى الكوادر الصحية الموجودة بفاعلية على المنافذ الحدودية، والمطار تحديدا، لإجراء الفحوصات للقادمين من الخارج ونقل الحالات التي يتم تأكيد إصابتها بالفيروس للحجر الصحي وتطبيق الحجر المنزلي الاحترازي على من لم تثبت إصابته.

ولا ننسى كيف انهار القطاع الصحي أو أجزاء منه في دول متقدمة مثل إيطاليا وإسبانيا، وقد شاهدنا حالات لأطباء تخلفوا عن أداء واجبهم الإنساني في رعاية مرضاهم وهربوا، نعم هربوا واختفوا في بيوتهم خوفا من الفيروس، خاصة في الأسابيع الأولى لظهوره، حيث لم يكن لدى الجميع معلومات كافية عنه، بالمقابل رأينا كيف أن الطبيب والممرض والفني والمتطوع البحريني قرر المواجهة في الصفوف الأمامية بشجاعة وإخلاص، ولا يجب أن نغفل الدور الحاسم الذي ينهض به أهالي وأسر تلك الكوادر الطبية الوطنية في تقديم الدعم النفسي والمعنوي لأبنائهم وإخوتهم وأزواجهم.

لقد نجحت وزارة الصحة من خلال كل ذلك في تحسين مستوى جودة وكفاءة منظومة الرعاية الصحية المقدمة، وتوفير نظام صحي متطور يضمن جودة حياة الفرد ومدى مشاركته الفعالة في المجتمع وحصوله على خدمات صحية سهلة الوصول وذات نوعية عالية.

وقد سمعنا في بعض الأحيان انتقادات من نوع آخر لوزارة الصحة، انتقادات تتعلق بتشدد الوزارة في تطبيق الإجراءات الاحترازية للوقاية من كورونا على المنشآت الاقتصادية من مطاعم وفنادق وبرك سباحة وغيرها، دون أن يعي أصحاب تلك المنشآت أن مصلحتهم في مصلحة المجتمع، وأن زيادة انتشار الفيروس ستؤدي بلا شك إلى فترة أطول من الإغلاق، وبالتالي مزيد من الضرر لهم وللاقتصاد الوطني.

لي قريب أمريكي مشهور جدًا في بلاده وحول العالم، خلال تواصلي معه قال لي إنه سجل اسمه ليأخذ اللقاح في بلده الولايات المتحدة الأمريكية، وعليه انتظار دوره ثلاثة أشهر حتى نهاية مارس القادم، فحدثته عن البحرين وما تقوم به في هذا المجال، وبالكاد صدق ما أقوله له. 

إن دولة يقف قادتها وكبار المسؤولين فيها في الصفوف الأولى في التطوع بالتجارب السريرية للقاح كورونا، ثم يبادرون إلى أخذ اللقاح، بعد أن حرصوا كل الحرص على أن تكون البحرين سبَّاقة في اعتماده وتوفيره مجانا للجميع، هي دولة بلا شك يجب أن يقف لها العالم بأكمله باحترام.

الإعلان
بواسطة akmiknas

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s