التعليم هو البديل

دائمًا ما رددت مقولة «إذا أردت أن تزرع لسنة فازرع قمحًا، وإذا أردت أن تزرع لعشر سنوات فازرع شجرة، وإذا أردت أن تزرع لمئة سنة فازرع انسانًا»، وأي زراعة وأي استثمار وأي طريق للمستقبل أفضل من وضع الإنسان على الطريق الصحيح للعلم والثقافة والفكر والمعرفة!

لقد آمنت منذ صغري بأهمية التعليم في بناء مستقبلي. في الواقع كانت تلك وصية والدتي رحمها الله، قالت لي عندما أدركت دنو أجلها بسبب مرض السرطان بينما كنت ما زلت فتى يافعًا في مقتبل العمل: أكرم، افعل ما شئت لكن إياك أن تترك مدرستك وتعليمك، وقد عملت بوصيتها التي كانت ركيزة كبيرة لما حققته اليوم من إنجازات.

لدي استثمارات في قطاعات التسويق والضيافة وغيرها، لكن أَحبُّ أعمالي إلى قلبي هي تلك المتعلقة بالتعليم من خلال امتلاكي لمدرستين ثانويتين هنا في البحرين، خاصة عندما أدرك أنني أساهم في بناء مستقبل بلدي الحبيب من خلال توفير تجربة تعليمية متقدمة جدا لتلاميذ هاتين المدرستين، وتهيئتهم لينهضوا بمستقبل أمتهم، فأنا أرى في وجوههم الطبيب والمهندس وخبير التقنيات الحديثة وعالم الفضاء ورجل الأعمال، وغيرهم من المتميزين علميا وأخلاقيا والقادرين على رسم معالم تطور ونهضة وطنهم.

كرجل أعمال أستطيع أن أؤكد أن الاستثمار في مؤسسات تقدم تعليمًا نوعيًا هو استثمار شاق ومتعب، لكني أؤكد أيضا أن السعادة في هذا النوع من الاستثمار لا ترتبط بالمال بقدر ارتباطها بالمساهمة الاجتماعية وبناء الأجيال، إنه أفضل طريقة من أجل تغيير حياة الكثيرين للأفضل، وتغيير مستقبل الأمة ككل للأفضل، ويقال إن صحفيًا سأل المستشارة الألمانية انجيلا ميركل عن التكلفة الباهظة التي تدفعها الدولة على العلم، فأجابته بأن تكلفة الجهل باهظة أكثر بكثير.

حتى أنني أكاد أقول إن قطاع التعليم يجب أن يكون في مقدمة الجهات التي تحظى بتبرعاتنا المادية، وربما تعليم الدائرة الضيقة المحيطة بي أنني أخصص الجزء الأكبر من زكاة أموالي وتبرعاتي للمنح التعليمية، انطلاقًا من إيماني بأن مساعدة شاب على إكمال تحصيله الدراسي العلمي أفضل من مساعدته ليجد فرصة عمل أو يتزوج أو يبني منزلاً، لأنه إذا حظي بفرصة تعليم جيدة سيحقق بلا شك كل الأشياء السابقة وأكثر من متطلبات حياته.

وأنا واثق من أن قطاع التعليم والتأهيل في البحرين على موعد مع انطلاقة جديدة واعدة مع تولي صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئاسة مجلس الوزراء، ويظهر ذلك جليًا في كل فقرة من فقرات رؤية البحرين 2030، كما حرص سموه في أول اجتماع لمجلس الوزراء على التركيز على دور الشباب الواعي المثقف في بناء مستقبل البحرين، وفي ثاني اجتماع لها الأسبوع الماضي برئاسة سموه وافقت الحكومة على إعادة هيكلة وزارة التربية والتعليم بهدف تعزيز فاعلية وكفاءة أداء النظام التعليمي، وهذا غيض من فيض المؤشرات الكثيرة التي تؤكد أهمية استعدادنا لمواكبة تطلعات سموه في مجال النهوض بقطاع التعليم.

كنا في وقت من الأوقات نتحدث كثيرا في البحرين عن «الحلم السنغافوري»، والذي نطمح من خلاله إلى الاستفادة من التجربة السنغافورية في التنمية والحداثة والتقدم، فسنغافورة كبلد ليس لديه موارد طبيعية تذكر، بل وكان يعاني من مستويات متدنية من الفقر والجهل والتشرذم، لكنه استطاع خلال عقود قليلة تحقيق نهضة اقتصادية تنموية شاملة شدَّت انتباه العالم كله، وكلمة السر في تلك النهضة هي «التعليم»، حيث اتجهوا إلى المعلم وأعطوه راتب وزير، فخرجت أجيال حملت على عاتقها مسؤولية نهضة وطنها.

اعتقد أننا في البحرين متقدمون كثيرًا عن النقطة التي بدأت منها سنغافورة، فمواردنا جيدة بحمد الله، واقتصادنا متنوع بعض الشيء، وحققنا إنجازات جيدة في مجالات الصناعة المالية والمصرفية والسياحة ورأس المال البشري، وما علينا الآن سوى رسم خارطة طريق وطنية واحدة للتطور يعلم كل واحد فينا دوره ومسؤولياته، ويكون التعليم هو المحرك الأساسي للدفع قدمًا بمسيرة التطور والحداثة.

فنحن لن نستطيع توفير حياة أفضل إن لم نكن رياديين في حقول العلم المتقدمة مثل التقنيات الحديثة والبيولوجيا والفضاء والذكاء الصناعي وغيرها، وأن نسجل كل يوم براءة اختراع جديدة، وأن نصبح روادًا في مجال الاقتصاد المعرفي، وأن تصبح صادراتنا الرقمية توازن أو تفوق وارداتنا، وأعني هنا ما ننفقه على التطبيقات الذكية الأجنبية وألعاب الفيديو والإعلانات على شبكات التواصل الاجتماعي الكبرى مثل فيسبوك وتويتر وما نشتريه من أمازون وغيرها.

يجب الحرص كل الحرص على أن يكون التعليم متنوعًا، وأن تكون المناهج مفتوحة على كل المشارب والاتجاهات، إضافة إلى التنوع في الكادر التدريسي، تماما كما كانت البحرين على الدوام بلد الحضارة والغنى الثقافي والانفتاح على جميع الأفكار، وهذا يضمن خريجين ذوي خلفيات معرفية وفكرية ونظريات متعددة، ويضع عصارة التجارب العالمية في خدمة تقدم المؤسسات الحكومية والخاصة في البحرين، ويضمن في الوقت ذاته خيارات متنوعة أمام البحرينيين والمقيمين ذوي القدرة المادية على تسجيل أبنائهم في المدارس الخاصة.

هذا التنوع في مناهج ونظريات التعليم يعتبر ركيزة مهمة في مجال ما يمكن تسميته بـ «سياحة التعليم»، ويساعد على استقطاب طلاب من شتى أرجاء المنطقة، خاصة إذا ما اقترن مع جودة التعليم والمنشآت التعليمية، واعتقد أن موضوع السياحة التعليمية يجب أن يحظى باهتمام كبير من أعلى المستويات، فالبحرين لديها كل الإمكانيات لتكون سبَّاقة في تقديم تعليم نوعي لأبنائها وأبناء المنطقة، دون أن ننسى أن السياحة التعليمية لا تقتصر على الطالب الأجنبي ذاته، بل تمتد لأهله الذين ربما يرغبون بالإقامة معه في البحرين وإقامة استثمارات جديدة.

أؤكد ذلك من خلال تجربتي الدراسية في المدرسة الدولة في بيروت، ثم في الجامعة الأمريكية هناك، حيث تحرص هاتين المؤسستين التعليميتين الرائدتين إقليميًا على قبول طلبة من شتى الدول، مع اهتمام خاص بالطلاب من المجتمعات المتقدمة مثل بريطانيا وفرنسا وأستراليا، وذلك لمنح جميع الطلاب فرصة الاحتكاك والتعرف على الثقافات الأخرى وتنمية أفقهم الثقافي والمعرفي، ولقد اسهمتا إلى حد كبير جدًا ليس فقط في النهوض بقطاع التعليم في لبنان وتوفر خريجين على أعلى قدر من الكفاءة، بل في نهوض لبنان ككل ثقافيًا ومعرفيًا واقتصاديًا وسياحيًا، وبإمكاننا في البحرين الاستفادة توطين مثل هذه التجارب المتقدمة والاستفادة منها في نهضتنا المنشودة.

الإعلان
بواسطة akmiknas

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s