ربما كانت البشرية بحاجة ماسة لصدمة مثل “كورونا” لتعود إلى وعيها ورشدها وإدراكها حقيقة وحدتها ومصيرها المشترك بغض النظر عن الاختلافات العرقية والثقافية والدينية والمهنية والمالية، والمهم الآن أن نتعلم الدرس بالفعل، لا أن يعود؛ من سيبقى منا على قيد الحياة بعد أزمة كورونا؛ إلى ما كنا عليه من خلاف وشقاق وتغليب للمصلحة الشخصية.
مثال على ذلك أزمة المناخ التي طالما حذر العلماء والخبراء من خطورتها على كوكبنا، وكيف أن الاحتباس الحراري سيؤدي إلى غمر دول ومدن بأكملها مثل بنغلاديش والفلبين تحت المياه، ويقضي على حياة ملايين البشر، ويؤثر على نمط حياة مئات الملايين الآخرين، وغير ذلك من الآثار الكارثية. لكن هل تلقى أصحاب القرار حول العالم تلك التحذيرات بالجدية المطلوبة؟ وهل شعرنا بالفعل أننا كبشر معنيون بالحفاظ على البيئة والمناخ في كوكبنا؟ أم قلنا لأنفسنا: ما أبعد بنغلاديش والفلبين عنا!
هذا ما حدث عندما تفشى فايروس كورونا في مدينة ووهان الصينية، حيث قابل العالم هذا الحدث بكثير من اللامبالاة واللامسوؤلية، حتى عندما بدأ الفيروس بالانتقال إلى جيران الصين مثل كوريا الجنوبية واليابان، استمرت الحياة في باقي دول العالم طبيعية جدا، بل إن كثير من الساسة الأمريكيين والأوربيين والإيطاليين تحديدا استهزأوا بالفايروس، وطالبوا مواطنيهم بمواصلة ممارسة حياتهم الطبيعية، حتى تفاقمت الكارثة التي نعيشها الآن.
أنا واثق من أن العالم سيتغلب على أزمة فايروس كورونا لكني لست واثقا من حجم الخسائر في الأرواح والاقتصاد التي سيتسبب بها هذا الفايروس، لكن السؤال الأهم هنا: هل سنتعلم الدرس كاملا؟ أو أجزاء منه على الأقل؟ هل سنعير اهتماما أكثر للقضايا الإنسانية المشتركة مثل أزمة المناخ وأبحاث الفضاء والبيولوجيا والصحة العامة والطفولة والفقر والعنصرية والكراهية؟. في الواقع إذا لم نتخذ إجراءات حاسمة إزاء تلك القضايا المصيرية للبشرية ككل سنكون قد دفعنا الثمن نظير لا شيء.
هذا الفايروس أثبتت لنا مجددا أن العالم يصغر ويصغر، وأن الحدود بين دوله زائفة لا يمكن إحكام السيطرة عليها من خلال إجراءات عبور ونقاط تفتيش وعساكر ودبابات، فها هو يجتاح العالم دون جواز سفر، وتظهر الإصابات فيه في مختلف أقاصي الأرض، لذلك يجب أن ندعم بعضنا البعض ونساند بعضنا البعض، في الحي والقرية والمدينة والدولة والعالم كله.
لقد أعربت في وقت سابق خلال الأسبوع الفائت عن دعمي لمقترح مجلس النواب بإنشاء صندوق تكافلي يختص بجميع المساهمات والتبرعات من رجال الأعمال والشركات الوطنية والبنوك والأفراد بالمجتمع البحريني، وتكون مخصصة للجهود المبذولة لمكافحة ومنع انتشار فيروس كورونا والكوارث الأخرى، واقترحت أن يتم تخصص جزء من أموال هذا الصندوق لدعم القطاع الصحي والجهود الحكومية المبذولة للحد من انتشار هذا الفايروس، فيما يذهب الجزء الآخر للموطنين والمقيمين الأكثر تضررا منه، مثل المرضى أو اللذين في الحجر الصحي، والذين لا يملكون مدخولا ثابتا منهم، أو الذين فقدوا أعمالهم نتيجة للأوضاع الاقتصادية الصعبة.
ولا بد لي من أن أجدد إعجابي بما تقوم به الحكومة بتوجيهات من جلالة الملك المفدى ومتابعة حثيثة من سمو ولي العهد من إجراءات لاحتواء تفشي هذا الفايروس، وقد شاهدنا كيف تحولت مدينة المعارض إلى مركز خدمات صحية كبير جدا ومتكامل، إضافة إلى المرافق الصحية في المطار، وفي سترة، وفي أبنة العزل الصحي، إضافة إلى الفريق الكبير والمخلص من الكوادر الطبية والصحية التي تعمل ليل نهار لهذا الهدف، ولا يجب أن ننسى أيضا أن أزمة كورونا الحالية جاءت في وقت تعاني فيه الحكومات أساسا من نقص الموارد المالية لأسباب كثيرة في مقدمتها تهاوي أسعار النفط.
فلا أحد يعرف كم من الممكن أن تستمر أزمة كورونا الحالية، لذلك علينا ضمان استدامة موارد مكافحة انتشار هذا الفايروس، إضافة إلى مساعدة المتضررين منه على الثبات ريثما تنجلي الأزمة وتعود عجلة الاقتصاد للدوران وترجع الحياة العامة لطبيعتها المعتادة.
حياتنا على ظهر هذه البسيطة قصيرة مهما طالت، والذِكر الطيب هو ما يبقى، وبناء ذلك يتم عبر مساعدتنا بعضنا البعض، وأن نعتني ببعضنا البعض، وأن نحمي بعضنا البعض، وأن ننفع بعضنا البعض.