في الأزمات تزداد التحديات أمام رجال الأعمال والشركات، ويتساقط السطحيون والمتهورون والمجازفون والطماعون والأغبياء والفاسدون وقليلو الخبرة الإدارية، وذوي الحظ السيء -حتى لا أظلم الجميع-، وهذا ما بدأنا نلاحظه في مجتمع الأعمال منذ نحو عام عندما ازدادت التحديات الاقتصادية، ومن المرتقب أن تزداد وتيرته بسرعة أكبر مع أزمة كورونا وركود الاقتصاد وتهاوي الأسهم وأسعار النفط
تربطني علاقة عمل بشخص في دولة خليجية أعرفه منذ نحو 35 عاما، كان رجلا عصاميا مكافحا يعمل ليل نهار، وبنى شركة وتوسعت في أكثر من مدينة في تلك الدولة ثم امتدت فروعها إلى كثير من دول الخليج والمنطقة والعالم، وتشعبت أنشطتها كثيرا، حتى أنه أصبح من أغنى الأغنياء بل وأحرز مكانة متقدمة كمليادير في الصف الأول من أصحاب الثروات على مستوى العالم، ودائما كنت أرى فيه الرجل العصامي الذي يُحتذى به، لكني فجأة مؤخرا سمعت خبرا أنه فرَّ عائدا إلى بلده الأصلي بعد أن مُنيت شركاته وأسهمه بخسائر فادحة في البورصات، ودخل في نزاعات قانونية ومطالبات مادية لا حصر لها.
أحد معارفي أيضا بدأ عمله في دولة خليجية وتسلسل في المهام حتى أصبح رئيسا تنفيذا للعديد من المؤسسات، انتقل بعدها ليؤسس عدة شركات كبرى، ولمعرفة الناس بمقدراته تهافتت عليه واستثمرت معه الكثير من المال، والكل كان متأكدا من نجاحه، لكن فجأة انتشرت أخبار أنه أفلس وأن الناس تطالبه باسترداد أموالها دون جدوى.
جلست أفكر في مثل هؤلاء الأشخاص الذين نجد أمثلة لهم أيضا في البحرين والمنطقة والعالم، وراجعت في ذهني كثير من أصدقائي الذين حققوا نجاحات هائلة، لكنهم تهاووا إلى القاع بسرعة أكبر بكثير من السرعة التي صعدوا فيها إلى القمة، سألت نفسي: إذا كان العمل والاجتهاد هو القاسم المشترك بينهم في الصعود للقمة؟ فما هو القاسم أو القواسم المشتركة بينهم في سقوطهم المدوي؟
اعتقد أن السبب المشترك في انهيارهم هو عدم قدرتهم على التميز بين الجرأة والتهور، بين الطموح والطمع، بين الناصح والدسَّاس، بين المال كخادم والمال كسيد. اعتقد أنهم جميعا تصرفوا كما تصرف هتلر عندما اجتاح أوروبا، لقد أخذه الغرور بنفسه وبقوته عندما رأى قواته تجتاح بسرعة دولة تلو الأخرى، ففتح المزيد من الجبهات واستعدى المزيد من الأمم، لقد أكل كثيرا دون أن يهضم، فأصيب بالتخمة القاتلة وخسر وانتحر.
نقطة اعتقد أنها مهمة جدا، وهي أهمية اختيار المستشارين والعاملين المقربين وصانعي القرار، خاصة أولئك الذين يدخلون عليك بأفكار ثورية. لا شك أن الابتكار مطلوب في مختلف الأعمال والأٌقسام والإدارات، لكن يجب أن تتأكد وقبل كل شيء أن هذا الناصح أو المستشار يعمل لمصلحتك أنت وليس لمصلحته الشخصية أو لمآرب أخرى.
عندما تكبر الشركات وتكبر المسؤولية يجب عليك أن تفوض الآخرين معك وتشاركهم الرأي والإدارة، لكن الطامة الكبرى تحدث عندما يكون اختيارك خاطئا، فيصبح اختيارا قاتلا، لأن معظم هؤلاء المستشارين الذين قرأت عنهم وتفحصتهم قبل أن تقرر ضمهم للعمل معك كان هدفهم الرئيسي منذ البداية أن يأخذوا أكثر ما يمكنهم من المال دون أن يكترثوا لمصلحة العمل ومصير صاحب العمل، هذا الرجل الذي كان في الواقع كان مجتهدا وعصاميا.
روى لي والدي رحمه الله قصة لا أنساها أبدا، تدور حول سلطان كبير جبار يجلس على كرسي عرش ضخم صنعه أفضل المهرة في بلاده من أجود أنواع الأخشاب وأقساها، حتى بدا العرش راسخا رسوخ الجبال لا تنال منه السنون، لكن سوسة صغيرة دخلت فيه وبدأت تنخره ببطء، حتى انهار فجأة في نهاية المطاف.
حذارِ من الغرور، وأن يعتقد رجل الأعمال أن نجاحه مهما كان كبيرا ومتواصلا، وأن كل قرارته صحيحة وصائبة، وأن يداه قادرة على تحول كل ما يلمسه إلى ذهب. بل بالعكس، هناك من يقول إن المحافظة على القمة أصعب من الوصول إليها.
أضم رأيي إلى رأي المستثمر الأمريكي الأسطوري وارن بافيت الذي يقول “المجازفة فضيلة لا يمكن النجاح بدونها، ولكن هناك قاعدة مهمة في المجازفة وهي: لا تختبر عمق النهر بكلا القدمين، كما يتحدث بافيت عن الأمانة كهبة غالية جدا فلا تتوقعها من الناس الرخيصة، ولا تنصت إلى السماسرة أو المحللين أو الخبراء واتخذ قرارك بنفسك لأن من سيخسر في النهاية هو أنت لا هم.
كما يقول أحد أساتذة جامعة هارفرد العريقة “نحن هنا نعلم تلامذتنا كيف ينجحون في حياتهم الاجتماعية، وكيف يجمعون المال، وكيف يتجنبون القيام بأعمال تودي بهم إلى السجن”، لأن أستاذة هارفرد يعرفون أن المال إذا تحول إذا سيد سيصيب صاحبه بالعمى، ويجره خلفه، وربما يدفعه لارتكاب مخالفات وجرائم وفظائع تودي به إلى السجن في نهاية المطاف.
لقد علمتني الحياة أن ليس كل ما يلمع ذهبا، وأن أكون واقعيا، وألا آخذ على عاتقي أكثر مما أستطيع، وأن أكون مغامرا لكن مدير مخاطر جيد جدا في الوقت ذاته، وأنه عندما ينجح أحد يفرح له قلائل من بينهم والدته، لكن عندما يفشل يشمت فيه كثيرون مع الأسف.