العالم على قدم واحدة

هل سنفتح عيوننا غدا على نهاية هذا الكابوس المسمى “كورونا”؟! أم سيواصل هذا الفايروس مفاقمة مخاوفنا وأثره السلبي على نمط حياتنا، وعلى عالمنا صحِّيا واقتصاديا وسياسيا واجتماعيا؟ عالمنا الذي بات بعد نحو ثلاثة أشهر من تفشي هذا الفايروس يقف بالفعل على قدم واحدة.

لقد كتبت في مقالي السابق تحت عنوان “رب ضارة نافعة” عن دروس عديدة يمكن أن يعلمنا إياها فايروس صغير لا يُرى بالعين المجردة، هذا الفايروس الذي شرَّح عالمنا، بل و”شرشحه” إن جاز التعبير، واعتقد أن من سيعيش منا لما بعد التخلص من هذا الفايروس عليه ألا ينسى الدرس، ألا ينسى الدرس أبدا.

هذا الفايروس وحَّد العالم بكل معنى الكلمة، أزال الحدود السياسية والفروقات الطبقية والتعددات الدينية والطائفية والإثنية والعرقية، وأغلق أبواب مكة كما فعل في قُم وفي الفاتيكان وفي المعابد اليهودية والبوذية وغيرها، وأثبت لنا أن الإنسان هو إنسان بغض النظر عن أي اعتبار آخر.

فيروسٌ يهاجم الأغنياء والفقراء، المستغِلين والمستغَلين، الحاكمين والمحكومين، القتلة والضحايا، ونرجو من الله تعالى ألا تصل الأمور إلى كارثة إنسانية أكبر، وأن ينجح خبراء الصحة والأبحاث الطبية في ابتكار المصل المضاد قريبًا، خاصة وأن القلق لم يعد من الإصابة بفيروس كورونا، بل من أن هذا الفايروس قد يتسبب في انهيار اقتصادي، وفوضى، وأزمات أمنية وعسكرية،

نصاب بالدهشة عندما نقرأ عن مستوى الحماية الأمنية التي يحظى بها الرئيس الأمريكي، وطائرته التي يمكنه من على متنها إدارة حرب نووية، وسيارته ذات الستة أطنان والتي يمكن إجراء عملية جراحية بداخلها في حالة إصابته بحادث ما، وطواقم الحماية الأمنية والشخصية والغذائية والإلكترونية والصحية التي تحيط به، ثم نسمع أنه أجرى اختبارا للتأكد من أن فايروس صغير ككورونا لم يصبه كما أصاب شخصيات نافذة حول العالم بما فيها رؤساء دول.

الأدهى من ذلك هو التقارير الألمانية التي تحدثت عن سعي ترامب للاستحواذ على شركة أبحاث طبية ألمانية قيل إنها على وشك إيجاد لقاح أو عقار مضاد لفايروس كورونا، واحتكار هذا العقار لصالح الولايات المتحدة الأمريكية، واستثماره تجاريا على مستوى عالمي، إضافة إلى مساعي ترامب لجذب العلماء البيلوجيين الألمان إلى بلاده من خلال إغرائهم بالأموال!. أليس هذه عنصرية وجنون عظمة ما بعده جنون؟ هل يمكن لرئيس أمريكيا أن يتاجر في أرواح البشر ويضع آلام الناس حول العالم في بورصة الربح والخسارة؟

هناك من يذهب للقول إن تداعيات فيروس كورونا هي الأخطر حاليا لأنها ستمتد إلى جميع مناحي الحياة، وخاصة الاقتصاد، وهناك بوادر أزمة اقتصادية عالمية بسبب تباطؤ الإنتاج في عدة دول وتعطل بعض مناحي الحياة، وقد أدى انتشار فيروس كورنا حول العالم إلى تعزيز مخاوف البعض من أن يتحول الأمر إلى سيناريو “كارثي”، مما دفعهم إلى شراء وتخزين السلع المختلفة بصورة مبالغ فيها، لكن هناك من يحذر من ردود الفعل غير المحسوبة التي قد تسهم في تحول الأمر إلى “فوضى” في بعض المجتمعات.

لا أحد منا يعرف عن مستقبل فيروس كورونا، وبالأحرى مستقبل البشرية مع تفشي هذا المرض في جميع دول العالم، هل يتوقف زحفه الذي بدأ في الصين أو إيران أو غيرها، أم يواصل الفتك بالناس، وهل بإمكان الإنسان ابتكار الدواء الشافي ووضع حد له، كما نجح مع أمراض قاتلة أخرى.

لقد عرف الأدب والفن السينمائي أعمالاً تتنبأ بنهاية العالم، إما لأسباب تأتي من خارج الكرة الأرضية (نيزك ضخم مثلاً)، أو بيئية، أو بسبب حرب نووية كونية لا تُبقي ولا تذر. وبالفعل، عندما ترى مشاهد المطارات الفارغة، أو الطائرات التي لا ترى فيها سوى راكب أو بضعة رُكاّب، يستحوذ عليك مشهدٌ مرعبٌ، يوحي إليك كيف ستبدو البلاد من دون الإنسان.

لقد أثار فايروس كورونا العديد من التساؤلات حول وجودية الإنسان ومعنى حياته على هذه الأرض، وقد ظهرت الديانات السماوية والأنبياء، في محاولة لإصلاح الإنسان والمجتمعات، وحثه على التواضع، والاعتراف بأنّ هناك من هو أقوى منه في هذا الكون. كما ظهرت النظريات الوضعية الإنسانية، التي تدعو التحرر من الجشع، وإحقاق العدالة والمساواة بين الناس على الأرض.

من المفروض أن يخلق خطرٌ شامل مثل الذي تواجهه البشرية الآن، المتمثل في انتشار فيروس كورونا المستجد، أو أي نوعٍ مرض في المستقبل، شعورًا أو حراكًا حقيقيًا نحو التضامن الإنساني كونيًا، وأن يتاح للإنسان أن يتحرك بصورة طبيعية لتحقيق ذاته، وإعطاء معنى لحياته ولأبنائه ولأحفاده.

فالوباء لا يعرف الدول والحضارات والأديان، بل إنه عدو للبشرية جميعاً، وتكون مكافحته مهمة مشتركة أمام جميع الدول في ظل العولمة، لأن الوباء لا يمس بصحة الشعب فحسب، بل يؤثر على التنمية الاقتصادية والاستقرار الاجتماعي والتجارة العالمية والسياحة والقطاع المالي وغيرها، لذلك لا إمكانية لهزيمة الوباء بدون التعاون الدولي الواسع، ويمثل ذلك توافق المجتمع الدولي ومهمة ملحة أمام جميع البلدان.

ونحن لسنا سذجًا لنعتقد أن أباطرة العالم، الكبار والصغار العبيد منهم وهم يفتقدون للأخلاق بالطبع، سيراجعون سياساتهم أو يتخلوا عن امتيازاتهم طواعيةً. إنما هي فرصة لأنصار الإنسان والحق وكرامة البشر، والمناضلون من أجل حاضر أفضل ومستقبلٍ أجمل للبشرية، للانخراط في فعل منظم وحوارات فكرية وسياسية لتطوير التفاعل والتضامن فيما بينهم، لاختصار الطريق نحو انتزاع السلطة من أيدي المتوحشين.

الدرس الأهم الذي يجب أن نتعلمه من محنة فايروس كورونا حاليا هو أن فايروس صغير يمكن أن يجعل هذا العالم مُخيف، مُقلق، غير متوازن، يقف على قدم واحدة في حالة واحدة فقط، هي عندما لا يكون العالم على قلب واحد.

الإعلان
بواسطة akmiknas

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s