ها هو مهرجان الأيام الثقافي للكتاب يؤكد للمرة السادسة والعشرين أن الفكر والأدب والمعرفة بخير، وأن الأجيال المتعاقبة تحرص على القراءة والاطلاع، بل ومتعطشة لأحدث إصدارات الكتب من دور النشر العربية والعالمية، وأن البحرين مركزا ثقافيا حضاريا إقليميا جديرا بالتقدير والاحترام.
لقد حرصتُ على حضور افتتاح المهرجان هذا العام، وكم كانت سعادتي كبيرة برؤية الكثير من الأصدقاء والمسؤولين من مختلف الجهات يحتفون بهذا الحدث الثقافي الكبير، فالثقافة منتج لا يمكن حصره بهذه الجهة أو تلك، وإنما هي أساس ومنهج حياة مهما كانت مهنتك أو منصبك أو مكانتك.
وفي اليوم التالي احتفلت خلال المهرجان بإطلاق كتابي “لم أنتهِ” لأول مرة في مملكة البحرين بعد إطلاقه الناجح في كل من بيروت والكويت ودول أخرى حول العالم، إضافة إلى نشر النسخة الإنكليزية منه على موقع أمازون، وقد عرضت في هذا الكتاب جوانب من حياتي الشخصية والمهنية على مدى أكثر من خمسين عاما، منذ نشأتي في لبنان مرورا بتنقلي بين الأردن وتركيا ودبي وصولا لاستقراري النهائي في البحرين.
وكم كنت مسرورا بالإقبال على كتابي الذي أردت من خلال عنوانه إيصال رسالة للجميع بأنني بحمد الله لا زلت اعمل وانجز وأقدم شيئا مفيدا لنفسي وللناس من حولي، وأنني “لم أنتهِ”.
لقد كان حفل توقيعي لهذا الكتاب واحدا من نحو مئة حفل توقيع مشابه على مدى عشرة أيام، ولتضاف هذه الإصدارات الجديدة إلى أكثر من خمسة آلاف عنوان صدر حديثًا يقدمها المهرجان في مختلف الميادين المعرفية، والثقافية، والفكرية، إلى جانب الإصدارات الأدبية والاجتماعية والاقتصادية والدينية والقانونية.
أنا أزور بشكل دائم تقريبا معارض عقارات أو سيارات أو مجوهرات تكاد تشبه بعضها البعض..، لكن مهرجان الأيام الثقافي للكتاب له طبيعة خاصة، ربما يستمدها من التنوع الكبير لمرتاديه، فقد وصل عدد مرتادي هذا الحدث الثقافي السنوي لعشرات الآلاف، ورافق الحدث من أجواء مثل توقيع عشرات الكتب والإصدارات، والإعلان عن طرق جديدة لنقل محتويات الكتب مثل التسجيلات السمعية عبر التطبيقات الإلكترونية، إضافة إلى تقديم المعرفة للأطفال من خلال الألعاب التعليمية، وغير ذلك من الأمور، وهذا ما يجعل من الفعالية بالفعل مهرجانا احتفاليا بالكتاب، وليس مجرد معرضا لعرض وبيع الكتب.
وهذا يدفعنا للتنويه بتمكن مهرجان الأيام الثقافي للكتاب من استقطاب أعداد كبيرة من الزوار ربما تفوق الأعداد التي يستقطبها أية معرض متخصص آخر، وبما يدل على أن المعرفة سلعة يحتاجها الجميع، أغنياء وفقراء، كبارا وصغارا، ذكورا وإناثا.
عدد كبير من هؤلاء نوعيين، مهتمين بالفكر، والسياسة، والأدب، ومتعطشين للإصدارات والعناوين الجديدة، حتى أن بعض أصحاب دور النشر يقولون إنهم يحرصون على جلب أحدث إصدارات الكتب للبحرين لمعرفتهم بمدى توق البحريني للمعرفة والإطلاع على كل ما هو جديد.
ونلحظ في هذا المهرجان اهتمامًا من الأسر البحرينية بزيارة هذا المهرجان، لغرس الاهتمام بالقراءة في نفوس أبنائهم. كما نلحظ أن هذا المهرجان وجهة ليس للقارئ البحريني فقط، وإنما للقارئ السعودي أيضا، والذي يبحث عن نافذة فكرية ثقافية معرفية، ويجد ضالته في هذا المهرجان، ومن اللافت للنظر أيضا الحضور الكبير جدا لكتب الأدب والفكر والفلسفة والعلوم الغربية ومدى رواجها بين المرتادين.
كان الاعتقاد السائد أن كتب الدين أولا، ثم كتب الطبخ والكتب أو الروايات الصفراء هذه الأكثر رواجا بيننا نحن العرب، لكن مهرجان الأيام الثقافي أثبت عكس ذلك، فوفقا للقائمين على المهرجان فإن الأصناف الأكثر رواجاً في المهرجان هي الروايات، تليها كتب تطوير الذات، ثم كتب الديانات، والتاريخ، والفلسفة. نعم الفلسفة.
مهرجان الأيام الثقافي للكتاب، هذه الشعلة الفكرية العلمية الأدبية التي لا زالت تتوهج على مدى أكثر من ربع قرن، وتؤكد أن الثقافة والوعي بخير رغم جميع ما يقال عن أزمة قراءة وتسطح فكري واضمحلال المعرفة. إنه أكثر من مجرد معرضٍ للكتاب، فهو مهرجان ثقافي بما يحتويه من لقاءات بين المؤلفين والقراء، ومن نقاشات بين المثقفين على اختلاف مجالات اشتغالهم.
ومن خلال أكثر من ربع قرن من الاستمرارية أسس مهرجان الأيام الثقافي للكتاب لثقافة معينة في المجتمع البحريني، وأصبح جزءاً من حياة المثقفين، ومصدراً مهماً لهم وللأكاديميين والقراء، للتزود بأحدث ما تصدرهُ دور النشر حول العالم.
وينبهنا هذا المهرجان إلى أهمية الكتاب الورقي، خاصة لدى فئة الشباب، التي هي أحوجُ للإطلاع والقراءة، ويعززُ ثقافة المعرفة العميقة في ظل تنوع الوسائل التي عادةً ما تقدمُ معلومات سطحية، أو مغلوطة كما في الفضاء الإلكتروني.
أخيرا لا بد من توجيه الشكر لمؤسسة الأيام للصحافة والنشر على تنظيمها هذا المهرجان بشكل دوري بهذه الطريقة الرائعة، وتعزيز فرص المواطنين والمقيمين للاطلاع على آخر وأبرز إصدارات دور النشر العربية والعالمية، وتهيئة الفرصة للقراء في الحصول على الكتاب من مصدره، مساهمة بذلك في إثراء الحركة الثقافية في البحرين.