مع نهاية كل عام نبدأ بعملية “جرد حساب” على الصعيد الشخصي، نستعرض في ذاكرتنا شريط ذكريات العام وأهم الأحداث التي مررنا بها، نبتسم فيما نحن نفكر بما حققناه من إنجازات وما تجاوزناه من تحديات، ونشعر بالأسى تجاه ما فقدناه، ومن فقدناهم، لكننا بالمحصلة نحمد الله على أننا لا زلنا نستطيع التخطيط لعام قادم، ومواصلة العمل على تحقيق الأهداف.
على الصعيد الوطني اعتقد أن الأمور في العام 2019 جيدة، أو على الأقل تسير نحو الأفضل، وربما هذا الرأي يثير استغراب البعض. دعونا من نشرات الأخبار التي تتعمد أن تصدمنا بأخبارها السيئة المتعاقبة، ولنفكر بهدوء لنرى أن الأمور الآن بالفعل أفضل من العام 2018، كما أنها أفضل بكثير طبعا من العام 2017، بعد أن وصلنا عربيا للحضيض مع ما سمي زورا وبهتانا بـ “الربيع العربي” في العام 2011.
الأوضاع في مصر، ركيزة الأمة العربية، جيدة، فالحركات الإرهابية انحسرت وانحشرت في جيوبها الضيقة إن لم يكن تم القضاء عليها كليا، والاقتصاد يتعافى شيئا فشيئا، وشبح الفوضى والانقسام في الشارع اختفى، وعادت البلاد إلى سكة التنمية من جديد.
تونس أيضا استقرت سياسيا وأمنيا إلى حد كبير، واتضحت الرؤية أمام التونسيين، وباتوا أكثر توحدا وأقل انقساما. كذلك حدث في الجزائر التي تتلمس الآن طريق الديمقراطية بعد أن نجح الجيش في الحفاظ على تماسك ووحدة هذا البلد العربي الكبير. أما في السودان فأنا فخور بالفعل بما أظهره السودانيون من مقدرة على التوحد خلف المطالب، وتجنب الصدام، وتشكيل حكومة تمثلهم وتكافح الفساد والتخلف وتعيد للسودان مكانته المستحقة اعتمادا على ما يمتع به من إمكانيات بشرية كبيرة وثروات طبيعية هائلة.
ما أجمل العراق الآن وقد ثار في وجه ظلامه، يطالب أولا بعروبته، لأنه اليوم يعرف أكثر وأكثر أن هذا ما يجلب له الخير وليس الطائفية والتطرف. كما أن لبنان يسير على نفس الطريق، وإن استطاعوا اليوم إخماد جذوة ثورة الشباب في هذا البلد فإن النار ستبقى تحت الرماد، وستعود لتشتعل من جديد وتحرق الطائفين والفاسدين.
لا زالت هناك بعض الجروح النازفة على امتداد خارطة وطننا العربي الكبير، في سورية واليمن تحديدا، هذه الجروح تتطلب معالجة بمزيد من الصبر والعمل العربي المشترك من أجل كف يد إيران والتدخلات الخارجية عن هذين البلدين. أما في ليبيا وإن كان المشهد مفتوح على كثير من الاحتمالات السياسية والعسكرية فإنه لا يجب إهمال ليبيا أو إخراجها من الحسابات العربية، لأن هذا البلد سيعود قريبا لينهض بدوره في إطار محيطة الإقليمي العربي والإفريقي.
نصل إلى الجزء الأكثر أهمية في اطمئنانا لمستقبل في العام 2020 والأعوام التي تليه، وهو الأوضاع السياسية والاقتصادية والتنموية المستقرة في دول الخليج العربي، هذه الدول التي خطت في العام 2019 خطوات واسعة جدا على طريق الاستقرار والتنمية وتجاوز التحديات، بفضل من الله عز وجل، وبإخلاص حكامها الكرام لدينهم وعروبتهم، وبمساندة الشعوب المؤمنة بالرؤى الوطنية الطموحة.
يعرف الجميع أنه طالما المملكة العربية السعودية بخير فالخليج العربي بخير، بل العالم العربي والإسلامي بخير، فرغم التحديات التي لا بد أن تظهر على طريق التطوير، إلا أننا نرى أن ما يحدث اليوم في السعودية هو نهضة غير مسبوقة تفضي إلى مستقبل مزدهر، وتؤكد أن العرب والعروبة بإمكانهم المساهمة الفاعلة في مسيرة التطور البشري.
وفي البحرين نذكر جميعا حجم الصعوبات الهائلة التي ممرنا بها، والمطبات المخيفة، والدسائس المسمومة التي أُريد منها نزع صفة العروبة عن هذا البلد الذي يمثل خاصرة الخليج العربي، وكتيبة متقدمة في مواجهة الأطماع الإيرانية، لكن اليوم عاد الشعب البحريني ليلتئم مع بعضه البعض، ويصبح يدا واحدة، وأدرك الجميع حكمة جلالة الملك ورئيس الوزراء وولي العهد في تجنيب البلاد المصير البائس الذي كان ينتظرها.
الأصعب أصبح خلفنا، وعندما تتكلم مع أي شخص ترى أنه مستوعب لحجم التحديات الاقتصادية، ومطمئن للمساعي الحكومية من أجل دعم الاقتصاد والتنمية، ومن ضمن ذلك إنشاء صندوق السيولة، وتخفيض رسوم البنية التحتية، وإصدار قانون الإفلاس، وتخصيص 20% من المشتريات الحكومية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وغير ذلك.
لم أشك يوما بأن مرجعيتي العربية وديني الحنيف هما الطريق الوحيد لإنقاذي وإنقاذ عائلتي وبناء مستقبل كل من يحبيني وأحبه، واليوم أصبح أكثر وضوحا أن هذا الطريق هو سفينة نوح التي نستطيع أن ننجو بها إلى بر الأمان، لنعيد مرة ثانية للأمة مكانتها واحترامها ودورها الحضاري على الصعيد العالمي.
هذا هو الطريق أيضا لبناء الثورة البشرية وتحديث التعليم وتنويع مصادر الدخل، ولنستطيع إعطاء كل عربي فرصة أكبر لبناء نفسه ووطنه، ووظيفية يفتخر بها ويعود لبيته كل مساء تعلو وجهه ابتسامة الرضا والراحة والاطمئنان إلى أن مستقبله ومستقبل عائلته بخير وأمان.