كم كنت مسرورا وأنا أتابع مؤخرا أخبار وضع مملكة البحرين حجر الأساس لجناحها في إكسبو 2020 دبي، وكم أنا متحمس بالفعل لزيارة هذا الجناح العام القادم والتجول في أركانه على مساحة ألفي متر وإلقاء نظرة من زاوية مختلفة ما تمتلكه البحرين من مقومات ثقافية وحضارية، واستكشاف التصميم الفريد المرتقب للجناح الذي يعكس الخصائص التركيبية والطبيعية والحضرية للبحرين، إضافة إلى النسيج المتنوع والمتداخل للمجتمع البحريني وتكامله مع النسيج العمراني.
وفي الواقع، هناك سبب قوي آخر لحضوري “إكسبو 2020″، وهو أمر أكشف عنه لأول مرة هنا في هذا المقال، حيث سأنقل معرض “متحف دبي للصور المتحركة” من مكانه الحالي على شارع الشيخ زايد في دبي إلى معرض إكسبو بعد أن تلقيت عرضا خاصا من القائمين على هذا المعرض، وسيكون هذا المتحف العزيز على قلبي ضمن جناح خاص به هناك.
إن “متحف دبي للصور المتحركة” يضم نحو 300 من أهم مقتنياتي الشخصية ذات الصلة بتاريخ صناعة الصورة المتحركة، والتي جمعتها خلال رحلاتي المتعددة لدول كثيرة حول العام على مدى أكثر من ثلاثين عاما، ولقد جاءت فكرة المتحف انطلاقا من رغبتي في مشاركة مجموعتي مع الجمهور، آملا في أن أسهم بذلك في إلهام وتثقيف جمهور المنطقة عبر استعراض جزء مهم من تاريخ إنسانيتنا الفكري والثقافي والحضاري.
لقد كان عملي في مجال تخطيط وتصوير الإعلانات منذ ستينيات القرن الماضي بداية علاقتي مع عالم الصورة والأفلام، وقد بدأت بجمع قطع الأنتيكا في بدايات رحلاتي إلى ألمانيا، وكانت أول قطعة اشتريتها عبارة عن بروجيكتر يعتمد على تحريك الصور مع الضوء، والذي تصبح فيه الصور عبارة عن فيلم متسلسل، هذه القطعة التي وجدها في بداية الثمانينات دفعتني للبحث كثيراً عن هذا النوع من الآلات، وكيفية توليدها الحركة، فوصلت إلى استنتاج بأن الإنسان وصل إلى تصنيع فيلم وثائقي من خلال إرجاع الصورة، فبدلاً من اللغة كان يتم سرد الحكايات من خلال الرسومات على الجدران، فحتى في المغارات قد تم اكتشاف الصور التي كانت ترسم على الجدران، نتيجة الظلال التي كان يصورها الإنسان.
في الواقع لدي العديد من المقتنيات مثل ساعات وسيارات كلاسيكية، لكن جمع المقتنيات الخاصة بهذا المتحف كان الأصعب، لأن معظم هذه الآلات عبارة عن ورق وزجاج، مع الأخذ في الحسبان أن الحربين العالميتين الأولى والثانية، إلى جانب الحروب الصغيرة في أوروبا والعالم العربي، قد أفسدت الكثير من هذه الآلات، فكان يتم العثور على بعضها بحالة غير صالحة للاستخدام، كأن تكون مكسورة أو تعرضت للحريق.
وتتنوع المعروضات أمام زائر “متحف دبي للصور المتحركة” ما بين كاميرات تصوير سينمائية قديمة، ورسوم الأفلام المتحركة، وصناديق «الفرجة» بأشكالها وأحجامها المختلفة، وأجهزة عرض على اختلاف أنواعها، و«بكرات» أفلام شارلي شابلن المتحركة، وقصاصات ورقية وقطع فنية برسوم مدهشة، وألعاب على هيئة كاميرات وأجهزة عرض وملصقات للأطفال خاصة بالسينما، وغيرها.
أما أقدم قطعة في المتحف فتعود إلى عام 1750م، وهي عبارة عن صندوق عرض يقدم انعكاسات لصور بأوقات مختلفة، ليلا ونهارا، من خلال التحكم بالإضاءة، التي كانت في ذلك الوقت عبارة عن شمعة أو إضاءة بالزيت.
وقد حرصت على أن يعرض متحف دبي للصور المتحركة رحلة تطور الترفيه البصري— من بدايته ذات التقنية البسيطة إلى ولادة السينما الحديثة هذه الأيام، وتعرض المجموعة تفاصيل التطور من خيال الظل إلى آلات التصوير ذات الثقب (الغرفة المعتمة) وأجهزة صندوق الدنيا والفوانيس السحرية وصولاً الصور الإستريوسكوبية (المجسمة) وتقنيات الرسوم المتحركة والتصوير السينمائي الحديثة، بل ويمكن للزائر تجربة بعض مقتنيات المتحف، مثل جهاز صندوق الدنيا الهولندي الذي يعود تاريخه إلى القرن الثامن عشر أو عن طريق لف بكرة جهاز الميوتوسكوب الذي يعود تاريخه إلى أوائل القرن العشرين.
وإن زيارة هذا المتحف تشبه رحلة خاصة في تاريخ السينما وبداية الصورة، حيث يستعرض رحلة الصورة والحركة منذ بدايتها السحيقة مع إنسان الكهف، حين كان يرسم الرموز على الجدران، وصولاً إلى مرحلة الرسومات والصور التي تقدم كأفلام سينمائية، والتي كانت البنية الأساسية للأفلام التي نشاهدها اليوم. زيارة المتحف أشبه برحلة استكشافية تعود بنا إلى أكثر من 400 سنة في الماضي، وتستقطب محبي القطع الأثرية والشغوفين بالسينما وعالم الصورة بشكل أساسي.
هذا المتحف فريد من نوعه، وهو يعرض تقدم وتطور قطاع الترفيه المرئي منذ بدايته، وصولا إلى ظهور السينما في العصر الحديث، والمتحف أيضا يعد واحدا من المتاحف القليلة في العالم التي تركز على تاريخ الصور المتحركة، كما أنه الوحيد من نوعه في منطقة الشرق الأوسط بأسرها، ولقد فاز المتحف بـ “جائزة الشيخ محمد بن راشد لداعمي الفنون”.
أنا أدرك أن إكسبو ليس مكانا لعرض الماضي فقط، فقد اختارت دبي موضوع المعرض «تواصل العقول وصنع المستقبل» في خلق تفاعلٍ إيجابي في موضوعاته الفرعية: الفرص والتنقل والاستدامة، لكني أعتبر أيضا أن التعرف على الماضي وفهم دلالته وتطور شخوصه وأدواته مهم جدا عند التفكير بالمستقبل.
لذلك اعتقد وبقوة أن متحف دبي للصور المتحركة سيمثل إضافة نوعية لإكسبو 2020 الذي يضم بشكل أساسي ثلاثة معارض مترابطة ومختصة هي معرض المحتوى، ومعرض دبي العالمي للألعاب الإلكترونية، ومعرض دبي الدولي للشخصيات الكرتونية والتراخيص. ويجمع هذا المعرض الشامل أكبر عدد من المستثمرين وأصحاب الأعمال والمختصين في قطاع الإنتاج التلفزيوني والمحتوى الإعلامي ومطوري الألعاب الإلكترونية وتجار التجزئة والموزعين والناشرين في هذا المجال من منطقة الشرق الأوسط وجنوب أفريقيا والعالم.
عندما أسست هذا المتحف في دبي، كنت أطمح للمساهمة في إثراء الحركة الفنية والثقافية في الإمارات العربية المتحدة، واليوم من خلال إكسبو أطمح لإثراء الحركة الفنية في المنطقة والعالم، خاصة وأنه من المتوقع أن يزور إكسبو 2020 ما يقارب 25 مليون زيارة على مدار الأشهر الستة لانعقاده من 20 أكتوبر 2020 إلى 10 أبريل 2021. ويتوقع أن يكون 70% من زواره من خارج دولة الإمارات العربية المتحدة، واسمحوا لي أن أوجه عبر هذا المقال دعوة لجميع البحرينيين وخاصة الأهل والأصدقاء والزملاء لزيارة جناح “متحف دبي للصور المتحركة” الذي سيرحب بهم بحرارة.