أنظر على خارطة المنطقة حاليا، وأعود بالذاكرة للوراء لأسأل نفسي: هل عندما صنع الغرب الخميني وأعاده من فرسنا إلى إيران عودة الأبطال، كانت مجرد صدفة أم هو جزء من مخطط مخابراتي لا زلنا نعيش تداعياته حتى الآن؟
وأسأل نفسي أيضا: كيف نشأت حركة حماس الإسلامية في قطاع غزة تحت عيون الإسرائيليين التي ترقب كل دبة نملة هناك؟ هل قام دهاة المفكرين الإسرائيليين بتنشئتها أو غض الطرف عنها في مراحلها الأولى على الأقل لأنهم عرفوا أنها ستنفجر لاحقا في اتفاقيات سلام أوسلو وتؤدي إلى تشظي القضية الفلسطينية؟
هل حزب الله اللبناني هو لبناني بالفعل؟ كيف نشأ وترعرع وبات أقوى من الدولة اللبنانية نفسها؟ هل بالفعل تعمل هذه الميليشيا المسلحة من أجل تحرير فلسطين؟ أم أن المقاومة ما هي إلا كلمة لذر الرماد في عيون الحالمين من أجل بسط النفوذ الإيراني على لبنان وعاصمته بيروت كواحدة من أربع عواصم باتت تسيطر عليها إيران؟
ماذا عن القاعدة أو داعش بحد ذاتها؟ هل انتصرنا عليها بالفعل؟ أم عادت رؤوسها إلى أوكارها تحت الأرض استعدادا لجولة أخرى أشد تدميرا وإيلاما ودما؟
وأخرج من تلك الأسئلة لأجد نفسي في دوامة أسئلة أكبر: إذا كنا نكتشف الآن الأهداف الحقيقية لأحداث جرت منذ عشرات السنين، فمتى سنعرف حقيقة الأحداث التي تجري حاليا في منطقتنا؟ من يخطط لها وكيف؟ وما هي الآثار النهائية لها؟
سمعت الكاتب اللبناني الفرنسي أمين معلوف يتحدث مؤخرا عن أن اليأس العربي بدأ عام 1967، ويرى أننا كعرب لم نستطع لملمة جراح نكسة أو هزيمة ذلك العام حتى الآن، ويروي معلوف كيف كان شاهدا بالصدفة على حادثة بوسطة عين الرمانة، التي كانت بداية للحرب اللبنانية في 13 أبريل 1975، معتبرا أن الحرب انتهت في لبنان، ولكن العطب الذي أدخلته على النموذج اللبناني لم ينته.
معلوف كان يتحدث عن كتابه الأخير “غرق الحضارات”، فيما يبدوا أنه نسخة أكثر تشاؤما من كتاب صموئيل هنتنغتون “صدام الحضارات”، وكأن معلوف يريد أن يقول لنا إن الحضارات تصادمت ثم غرقت، حيث يقول “لسنا في عالم تتصارع فيه الحضارات بل تنهار فيه الحضارات كلها، الأقوى والأضعف، والمنتصرون والمهزومون في حالة تراجع، وفي خطر الانهيار.
المشكلة في الموضوع برأيي أن الحضارة العربية لم تعد تقوى على الاصطدام مع أحد بعد أن فقدت قدرتها بشكل شبه كامل على التأثر والتأثير، وجانب من هذا الفقد مرده أسباب سياسية، فليس لدينا دولة جامعة تقارع الحضارات الأخرى، كما أننا كعرب نفتقد المشروع الحضاري الثقافي الجامع، فمن بيننا من هرب إلى الماضي وغرق هناك، ومن بيننا أيضا من غادرنا إلى المستقبل وانقطع عن واقعنا، والبقية الباقية تدور حول نفسها في حلقة مفرغة.
لقد تكشفت الآن ظروف وأهداف نشأة أو تنشئة الثورة الإٍسلامية الإيرانية، وحزب الله، وحركة حماس، والقاعدة، وغيرها، وقد صحونا متأخرين على ذلك كله، ومع الأسف يعيش الإنسان العربي العادي من كل الأديان والطوائف والاتجاهات هو وأولاده ضحية لتلك المشاريع، ويذهب مستقبله ومستقبل أولاده هباء الرياح.
والسؤال الأهم هنا هو هل لا زلات القوة الغربية وإسرائيل التي أنشأت تلك الحركات الثورية الإسلامية أو رعتها أو صمتت عنها قادرة على التحكم بها بالفعل؟ أم أن السحر انقلب على الساحر وأفلتت من يدها زمام اللعبة؟ بكلمات أخرى: هل تستطيع الولايات المتحدة بالفعل كبح جماح البرنامج النووي الإيراني أو الصواريخ البالستية متى أرادت؟
ثم أن حزب الله الذي ادعى “النصر الإلهي” في حرب أزهقت أرواح آلاف اللبنانيين وتهدمت مساحات واسعة من بيروت، وأرغمت قوات الحزب على التراجع 30 كم عن الحدود مع إسرائيل، فأي نصر هذا بالله عليك؟ ومن مصلحة من استمرار ضخ الحياة في شرايين هذه الميليشيات التي أدخلت لبنان الحضارة في براثن الفقر والجوع والضياع؟
اعتقد أن العالم بأسره مؤمن بوجود إسرائيل، ولن يقبل أن يرى إسرائيل تُزال عن الخارطة، وهذا واقع يجب أن نتعامل معه كحقيقة قائمة، ولا اعتقد أنه يجب أن نُصرِّ على المجابهة العسكرية مع إسرائيل، خاصة وأن هذه المجابهة بمعنى الكلمة لن يخوضها أحد، فقط أولئك الزعماء الشعبويين مثل معمر القذافي وصدام حسين وعلي عبد الله صالح قالوا إنهم سيواجهون إسرائيل بجيوشهم، وتمنَّوا لو أن بلدانهم لديها خطوط جبهة مع إسرائيل، فيما المثل يقول “الأماني بضاعة الحمقى”.
ربما يكون قدرنا كعرب الوقوع دائما ضحية لمخططات الدول الكبرى. حدث ذلك عندما ضحكت بريطانيا وفرنسا على الشريف حسين بالحجاز، ووعدوه بدولة عربية واحدة إذا حارب العثمانيين إلى جوارهم، فيما كانوا يتقاسمون فيما بينهم تركة الدولة العثمانية التي كانت تسمى آنذاك “الرجل المريض”.
إذا كان الغرب يفكر ويهندس لنا مستقبلنا لعشرة أو عشرين أو مئة عام قادمة، فربما يكون هذا المقال دعوة أخرى لنا كعرب للبحث عن طرق انتصار أخرى، علمية ثقافية، أو حتى ديموغرافية معتمدين في ذلك على خصوبتنا العالية ورغبتنا الملحة بمزيد من الانجاب. على كل حال، تنقصنا مراكز أبحاث وعقول تتضافر مع بعضها البعض من أجل رسم طريق الانتصار أمامنا، ومقاومة غزو الأمم الأخرى لنا.
من ينظر إلى خارطة المنقطة يرى المشروع الإيراني والمشروع العثماني والمشروع الإسرائيلي، وسط غياب شبه تام للمشروع العربي، والمشكلة أن تلك المشاريع تنظر إلى أرضنا العربية على أنها مناطق امتداد حيوي لها، وهنا أنا أؤيد بالفعل المضي قدما ببوادر المشروع العربي: المصري السعودي الإماراتي بدعم من دول أخرى مثل البحرين والمغرب والأردن وتونس، لمقارعة مشاريع التدخل الخارجي أولا، ورسم معالم طريق نهضة عربية ثانيا، لتستعيد أمتنا مكانتها الرائدة التي تستحق بين الأمم.