أنا بطبعتي لا أرفض مقابلة أي شخص يريد أن يقابلني، حتى لو لم يكن لي مصلحة في مقابلته، يدفعني لذلك حبي للناس، وشغفي بمحاورة العقول النيرة، وتوسعة دائرة معارفي وعلاقاتي.
اتصل بي مؤخرا شاب لا أعرفه، قال لي إنه يريد مقابلتي ليطلعني على أفكار تتعلق بتكنلوجيا المستقبل، والذكاء الصناعي تحديدا، وقال إنه درس هذا التخصص في الولايات المتحدة، ويريد أن يطبقه في منطقتنا العربية.
أنا في الواقع لا أعلم الكثير عن هذا الموضوع، لكني لا اعتقد أنه عصي على الفهم كما نتصور، ولم يصل الإنسان بعد إلى مرحلة صنع شيء أذكى منه بأي حال من الأحوال، وفي الوقت ذاته لدي قناعة راسخة بأن على الإنسان ألا يخاف من الأمور التي يجهلها، من مبدأ أن “الإنسان عدو ما يجهل”.
رحبت بذلك الشاب، ودعوته لاجتماع في مكتبي، وطلبت منه في بداية الاجتماع أن يحيطني علما بـ “الذكاء الصناعي”، كيف نشأت فكرته، وكيف تطورت، وما هي تطبيقاته المختلفة وغير ذلك من الأمور، فقام بشرح لي الموضوع بشكل وافي. وقد رأيت نفسي مشدودا إليه، أولا لمعرفته في الموضوع معرفة عميقة، وثانيا لأنه عربي مثلي، نتحدث اللغة ذاتها، ولدينا هموم وتطلعات مشتركة.
مشيت معه خطوة أبعد، طلبت منه الاجتماع مع الدائرة المختصة بالتواصل الرقمي في شركتي، بروموسيفن، بدبي، والتي تضم وحدها نحو مئتي موظف، وأن يلقي أمامهم محاضرة حول رؤيته بشأن الذكاء الصناعي، فكان أن أعجب به الجميع، وقد أسندنا له فورا مهمة تأسيس وإدارة قسم خاص بالذكاء الصناعي داخل دائرة التواصل الرقمي.
ندرك في علمنا أن أثر الذكاء الصناعي على المستهلكين سواء أعلموا بذلك أم لم يعلموا، من خلال هواتفهم المحمولة أو منصات البيع الإلكترونية، كما يشكل الذكاء الاصطناعي أيضاً جزءاً لا يتجزأ من الإعلانات الرقمية في العديد من الشبكات الإلكترونية الرائدة، وهناك حاجة ملحة لشركات البيع بالتجزئة والأعمال الاستهلاكية الأخرى للاستثمار في تقنيات الذكاء الاصطناعي عبر مختلف أنشطتها بما في ذلك التسويق.
أنا اليوم سعيد لأنني لا أخاف من الذكاء الصناعي، بل بالعكس، اعتقد أنه سيعطي الإنسانية دفعة جديدة لم تعهدها من قبل، والأهم من ذلك أنني أصبحت أكثر اطمئنانا حول أن العالم العربي لن يكون بعيدا عن هذا الموضوع المهم، خاصة مع وجود شباب عربي قادر على أن يفيد ويستفيد في هذا المجال أكثر فأكثر.
أصبحت الآن أكثر إدراكا لماهية الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في شتى المنتجات التجارية والخدمات، مثل محركات البحث في الانترنت، وميزة التعرف على الوجه في الهواتف الذكية، ووسائل التواصل الاجتماعي، ومجموعة واسعة من الأجهزة الذكية، وأنظمة السلامة في السيارات، والسيارات ذاتية القيادة بالكامل وغير ذلك الكثير، حتى أن هناك من يتوقع أن ينافس الذكاء الاصطناعي الأشخاص حتى في عالم الفن، فربما تبدع الخوارزميات أعمالا فنية جديدة لم نعهدها من قبل.
اعتقد أن التكنولوجيا المتقدمة وفرت لنا فرصة غير مسبوقة من أجل اللحاق بركب التطور، فقد كان نقل المعارف والعلوم سابقا عملية طويلة معقدة، تتطلب السفر والدراسة في جامعات الغرب وتعلم لغته أو ترجمة كتبه وأبحاثه العلمية، لكن الانترنت اليوم وفرت نبعا لا ينضب من المعلومات والمهارات في شتى المجالات، إضافة إلى دروس ودورات مجانية في شتى مجالات الحياة، وهناك من قال “إذا كان أرسطو المعلم الأول، فإن يوتيوب بلا شك هو المعلم الثاني”.
لذلك يجب علينا تطوير طرق تفكيرنا وأساليب عملنا وإدارتنا لشركاتنا وتعليم أطفالنا، فمن يكسب المنافسة اليوم ليس من يملك رأس مال أكبر أو تاريخ أعرق في السوق، وإنما من يملك المعلومات الأشمل والأكثر دقة ويستطيع توظيفها بسرعة وبشكل صحيح، ولديه القدرة على تحويل المعلومات إلى منتجات وخدمات قابلة للبيع، وقد أصبحت شركات تقنية ليس لديها رأس مال ملموس، مثل أوبر وأمازون، عملاقة بكل معنى الكلمة، وتخططت قيمتها السوقية مجموعة ميزانيات عدة دول مجتمعة.
في البحرين لدينا تجربة متميزة في هذا الإطار، وهي الشركات التي تعمل في مجال التكنولوجيا المالية “فنتك”، فقد اتخذ مصرف البحرين المركزي قرارا جريئا بتهيئة أرضية مناسبة لاستقطاب تلك الشركات وتوطينها في البحرين والسماح لها بتقديم خدمات تنافس البنوك التقليدية، ولأن البنوك أدركت خطورة هذه التقنية عليها منذ البداية، قررت الاستثمار فيها بدل الطلب من مصرف البحرين المركزي معنها.
نتحدث عن اقتصاد المعرفة، واعتقد أن الاسم الأدق هو الاقتصاد الرقمي، فهناك دول مثل كوريا الجنوبية تمثل ألعاب الفيديو جزءا مهما من ناتجها المحلي الإجمالي، وتصدر تلك الألعاب إلى كثير من دول العالم، كما تمثل تقنية المعلومات سوقا رائجا في الهند تصل قيمته لمئات مليارات الدولارات.
لا يجب أن نخاف من التكنولوجيا والتطور، فلا يمكن حجب الشمس بالغربال، وإنما يجب أن نستثمر هذه الفرصة من أجل تشجيع العقول الناشئة لدينا على التفكير والإبداع باستخدام التقنية والمساهمة في حل مشكلاتنا في هذ المنطقة من العالم.